هارون يحيى
شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين حالة غريبة، ومُخيفة، ومُحيرة من غياب المنطق. وفي أعقاب حدوث الشرارة التي ساهمت في اندلاع حرب عالمية، لم يفكر أحد في احتمالية حدوث أي نوع من أنواع المصالحة، الأمر الذي نتج عنه العديد من المحاولات من قبل الدول الكبرى حول العالم للقضاء على بعضها البعض.
أحدثت الحرب العالمية الأولى - بلا شك - ضررًا هائلًا للعديد من البلدان والشعوب حول العالم، إلا أن هذا لم يمح تلك الرغبة الغريبة لإقامة المزيد من الحروب. وفي منتصف القرن العشرين، لم يطرأ على الأمور تغيير يُذكر. تسببت شرارة واحدة، مرة أخرى، في حدوث قتال عنيف بين تلك الدول التي كانت على وشك مشاركة العالم فيما بينها. وفي أعقاب حدوث العديد من المذابح، أُسقطت القنابل الذرية على الجماهير، وقد رحبت القيادات الفاشية والشيوعية حول العالم بتلك الكوارث التي تحدث ليس للشعوب الأخرى حول العالم وحسب، بل أيضًا لشعوبهم. خلفت الحربان العالميتان وراءهما ملايين القتلى، وخلال السنوات التي أعقبت وقوعها، أدت تلك الحروب إلى حدوث العديد من الكوارث لشعوب العالم، وخلفت وراءها إرثًا من الأيديولوجيات الفاسدة التي كانت بمثابة البذرة الأساسية المُحرضة على قيام المزيد من الحروب في المستقبل.
غدت الحربان العالمتيان مصدرًا للأسف والندم للعالم أجمع، وقد شعر قادة العالم الذين شهدوا تلك الحروب بالندم والأسف قائلين "ينبغي علينا تجنب اختبار مثل هذه التجربة المُدمرة مرة أخرى". لقد حاول هؤلاء القادة السيطرة على كل شيء وأي شيء وهو الأمر الذي نتج عنه حدوث تلك الحروب، وقد أسس هؤلاء القادة عصبة الأمم التي أصبحت فيما بعد - عقب إدخال بعض التغييرات عليها - الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين، تمكنت تلك الأطراف المتصارعة من الجلوس على طاولة واحدة لإحلال السلام العالمي. ومن أجل منع حدوث أيّ من تلك الشرارات والأحداث الصغيرة التي ساهمت فيما مضى في اندلاع العديد من الحروب الكبرى، فقد حاولت الأطراف المتصارعة اتباع المسار الدبلوماسي. ومن أجل الإبقاء على الفحم، والصلب، والمواد الخام الأخرى اللازمة للتسلح تحت السيطرة، فقد تم تأسيس ما يسمى بالجماعة الأوروبية للفحم والصلب، وهي المؤسسة نفسها التي تحولت فيما بعد لتصبح ما يسمى بالاتحاد الأوروبي.
حلف الناتو – الذي تأسس في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وزادت قوته بشكل ملحوظ مع نشوب الحرب الكورية – هو عبارة عن تحالف عسكري دولي. ومع ذلك، فقد كان الهدف وراء تأسيسه هو توظيف ذلك التحالف العسكري من أجل إحلال السلام وليس الحرب.
ومع ذلك، فلم يستمر ذلك الشعور بالندم إلا لفترة زمنية وجيزة للغاية. تراجعت - منذ فترة زمنية طويلة - فكرة إحلال السلام العالمي على قائمة الأولويات بالنسبة للبشر. تسبب التنافس الاستعماري، والأفكار الإمبريالية، والطموح، والغرور، وصناعة السلاح، ولوبيهات الضغط، والأنظمة المالية التي دائمًا ما تجني الأرباح من الحروب، في حدوث حروب جديدة.
اعتقد الكثيرون أن الأمر سيختلف كثيرًا مع دخول الألفية الجديدة، ومع ذلك، فقد حل علينا القرن الحادي والعشرين حاملًا معه ليس الرغبة الجامحة للحروب وحسب، بل أيضًا المزيد من الغرور، وحب النفس، والأنانية، فقد شرع الماديون، وأصحاب المصالح بالظهور ليس فقط في السياسة بل أيضًا بداخل المجتمعات التي جنحت عن قيمها الدينية، والروحية، والأخلاقية.
ومن أجل فهمٍ أفضل للكيفية التي تم من خلالها تفضيل الحروب والرغبة الجامحة لها - وخصوصًا خلال الـ 5 أو الـ 6 سنوات الماضية - بذلك الشكل الجنوني، فإننا بحاجة إلى تحليل تلك التغيرات الجذرية التي حدثت في المجتمع، وقد ألقت تلك العناصر التي دفعت الإنسان للأنانية وحب الذات بظلالها ليس فقط على الحياة الاجتماعية، بل أيضًا على السياسة، والحياة الأسرية، وعلاقات الدول ببعضها البعض – أي على كل شيء نملكه في الحياة. تسبب النهج الذي يسعى خلف المادية في جرف المجتمعات إلى هوة أكثر عمقًا، وهو السبب أيضًا وراء اندلاع الحروب. قليلون هم من يُعيرون انتباههم لذلك الدمار الذي قد يحدث للمنازل، أو الأحياء السكنية في أجزاء أخرى من العالم، أو إلى أولئك الذين يفقدون أرواحهم تحت الأنقاض، أو إلى مئات الغرقى في مياه البحر وهم يشاهدون ذلك من خلف الأبواب المغلقة وحسب.
شهر رمضان هو شهر الوحدة والتضامن، سنشعر أن البركة قد حلت علينا عندما تنتهي حالة السخط والامتعاض السائدة في العالم. ومع وصول العالم لتلك الحالة من السخط والامتعاض، ينبغي على المسلمين - وخصوصًا في شهر رمضان - تمهيد الطريق للوحدة. وفي الوقت الذي ازدادت ونمت فيه الرغبة تجاه إقامة الحروب بشكل كبير وحل الكره محل المحبة في قلوب البشر، ينبغي علينا التصرف سريعًا بدلًا من انتظار إتيان الحلول من الآخرين. وفي ذلك السياق، فأولًا، وقبل كل شيء، ينبغي أن تُتخذ بعض الخطوات الجدية والريادية لتمهيد الطريق نحو الوحدة.
http://www.harunyahya.com/en/Makaleler/222925/Insatiable-desire-for-war