جميعنا نحب شهر رمضان، الانتظار المثير طوال النهار، أصناف الطعام الشهية على مائدة الإفطار آخر النهار، ليالي السهر والاحتفال التي تستمر طوال الشهر، الأوقات الطيبة مع الأصدقاء والعائلة، الحلويات اللذيذة كالبقلاوة والزلابية، متعة استيقاظ الجميع معًا في منتصف الليل لتناول السحور وأخيرا وليس آخرًا، الهواء المحمل بالأمان والدفء الذي يحيط كل شيء وكل شخص يحل عليه شهر رمضان.
لذلك يغمر الحماس مليارا ونصف مليار مسلم، بينما يضعون اللمسات الأخيرة على استعداداتهم الرمضانية، لا أحد يريد أن يتأخر، نعم، رمضان الآن مليء بالفرح ومشحون بالسعادة في جميع أنحاء العالم. ولكن كيف كان شهر رمضان سابقًا؟
كانوا يستقبلون شهر رمضان بفرحة وحماس في الماضي أيضًا، حرص السلاطين العثمانيين على أن يحظى الجميع بطعام يكفي حاجتهم وعناية تريحهم وأن يمضوا رمضانهم كما يجب أن يمضوه، بسعادة وحول من يحبون، وما يحبون من أصناف الطعام. الشوارع والحوانيت المزدحمة والمليئة بالحياة كانت تكاد تنفجر بالحركة والنشاط ما إن يدق رمضان أبوابها. تسابق كذلك الباعة في عرض منتجاتهم وبضائعهم المستوردة الفريدة في مسابقة لجذب أعين المشترين، بينما تسارعت خطى السيدات لانتقاء أفضل المكونات لإفطارهم المفضل، نادت حقائب الأرز والبهارات الملونة والحلويات والعصائر منذ قرون المشترين الرمضانيين المملوئين حماسة كما تناديهم اليوم تمامًا.
في الماضي كان رمضان كما هو اليوم وقت للاحتفال في العالم الإسلامي. بدأت التحضيرات الرمضانية تسبقه بأشهر، وعندما يطل الشهر الكريم كانت الحياة في العالم الإسلامي تنقلب ليلية. كانت الأعمال تستهل ظهرًا ولا تستمر إلا إلى حين موعد الإفطار.
استضافت الميادين كذلك موائد كبيرة لإفطار الآلاف، قدمت عليها مقبلات، وخضراوات مطبوخة بزيت الزيتون وحملان مشوية مطهوة مع الأرز بالزبد، وحلويات مسيلة للعاب.
استضافت العائلات الغنية كذلك موائد إفطار ونظمتها بمهارة فلا فرق بين غني أو فقير في الجلوس. بعد الإفطار توجه الناس إلى المساجد ليحمدوا الله في صلاتهم. بحسب المؤرخين، حضر الصلاة في بعض الليالي ما يزيد على مائة ألف فرد في مسجد آيا صوفيا الشهير في تركيا.
تغير المشهد اليوم، تطورت التكنولوجيا وصار لدينا رمضان شديد الاختلاف، ولكن التي ظلت ثابتة هي مشاعر السعادة والامتنان وحماس ودفء رمضان، ما تزال تلك المشاعر حية وموجودة، في الشوارع وبيوت العائلة وحتى على التلفاز، حيث يحتفل مئات آلاف المسلمين معًا برمضان، وإلى المنامة حيث يعلن الإفطار بمدفع تقليدي وتنصب الخيام للإفطار، إن بهجة رمضان موجودة في كل مكان.
في الواقع، فإنه في عالم اليوم، حيث يبدو الناس منعزلين عن بعضهم البعض بسبب الإنترنت والتلفاز والهواتف الذكية، يضم رمضان الناس معًا بفاعلية ويبني علاقات وثيقة من الحب والصداقة والإحسان، وخاصة على مائدة الإفطار وعند الصلوات في المساجد بعد الإفطار وعند الاحتفال بعيد الفطر.
ولعام آخر، سيجاهد المسلمون أنفسهم في سبيل الله، ويمتحنون أنفسهم ليزيدوا تعاطفهم وإيثارهم وتضحياتهم، وسيعملون ليحسنوا من أنفسهم، وسيصلون لأجل سلام العالم، وخاصة للنصرة والتخفيف عن إخوانهم المضطهدين في أماكن كثيرة من العالم، والذين يصومون في ظروف شديدة الصعوبة، ليحل الله السلام والاطمئنان في عالمنا قريبًا.