لقد كانت تركيا على جدول الأعمال منذ أن أعلن أوباما تشكيل ائتلاف من أجل إلحاق الهزيمة بأكبر تهديد في بلاد الشّام المتمثل في تنظيم الدّولة الإسلامية. هذا الأمر دفع كبار المسؤولين الأمريكيّين لزيارة عدة دول في الشّرق الأوسط بما فيها تركيا لإقناعهم بضرورة الانضمام إليهم لمواجهة تنظيم الدّولة. وكانت تركيا متردّدة في الانضمام إلى هذا التحالف بسبب وجود 49 رهينة كانُوا محتجزين لدى تنظيم الدّولة. ولكن بعد مفاوضات دبلوماسيّة مكثّفة، تم إطلاق سراح الرّهائن. حبس العالم أنفاسه وانتظر تركيا لاتّخاذ قرارها بشأن ما إذا كانت تعتزم المُشاركة في هذا التّحالف أم لا، وتمّ اتخاذ قرار طال انتظاره، وانضمّت تركيا أخيرًا للتّحالف. ما أرادته تركيا هو فاتورة سوريا والعراق لتكون قادرة على إرسال قوات تركيّة خارج حدودها.
كان السّبب الرّئيس لهذا القانون هو ضمان عدم وقوع القوات التركيّة المسلحة في الأسر في حالة الطوارئ، إلاّ أنّ تركيا مستعدة لحماية المدنيّين على حدّ سواء بالقرب من الحدود. تمّ التّصديق على مشروع القانون من قبل الحُكومة التّركيّة، والحكومة مستعدة للقيام بكل شيء من أجل حماية البلاد والمدنيّين.
ما الذي يميز قبر سليمان شاه؟
لا يعلم أحد من خارج تركيا شيئا عن هذه المنطقة الخاصّة التي تضم قبر سليمان شاه حتّى اشتعلت نار الحرب في سوريا. تاريخيّا، كانت هذه المنطقة تحت سيطرة انكلترا وفرنسا على التّوالي بعد الحرب العالمية الأولى. ووفقا للمادة 9 من معاهدة أنقرة التي وقعتها فرنسا وتركيا في عام 1921 تمّ التّنازل عن هذه المنطقة لتركيا. وفي عام 1923 أقرّت المادة 3 من المعاهدة أن يتمّ ترسيم الحدود السّورية التركيّة وفق شروط معاهدة أنقرة، التي أقرّت مرّة أخرى بأنّ المنطقة التي يقع فيها قبر سليمان شاه وقلعة جابر كانت أراضي تركيّة.
تقع هذه المنطقة على على ساحل نهر الفرات، وقد ضُمّت القلعة من قبل الإمبراطورية العثمانية في عهد السّلطان يافوز سليم. قبر سليمان شاه، وجدّ عثمان بك مؤسس الدّولة العثمانية يقع على هذه الأرض التّركية الجميلة. وهذا القبر هو ما يجعل هذه الأرض مهمّة نظرًا إلى قيمتها الرّوحية، وقد أُعيد بناء القبر في زمن عبد الحميد الثّاني.
الأزمات الدبلوماسية بين سوريا وتركيا
كانت الأمور هادئة في قلعة جابر لفترة طويلة من الوقت، ولم يكن هناك أيّ توتّر مع سوريا حتى عام 1973. وفي هذا العام بدأت سوريا أزمة مصطنعة، حيث قدّمت مذكرة دبلوماسية إلى تركيا لإعادة تحديد موقع القبر أو إعادته إلى تركيا. وكان سبب هذه المذّكرة هو أنّ السّوريين يعملون على بناء سدّ الدبكة على نهر الفرات، وقالوا إنّ القلعة سيتمّ غمرها بالمياه نتيجة لذلك. أرسلت تركيا مذكّرة ردّا على ذلك جاء فيها أنّ تركيا سوف تغلق السّد، وبالتالي سوف يتم منع تدفق المياه من تركيا إلى سوريا عبر الفرات. بعد هذا الخلاف توصل الطّرفان إلى اِتّفاق في العام نفسه وتم تغيير موقع القبر إلى قرية قره كوزك التي تقع على الجانب الشرقي من نهر الفرات.
ولم تكن هذه هي الأزمة الوحيدة التي تواجه تركيا وسوريا بسب قبر سليمان شاه، فقد حدثت الأزمة الثانية في عام 1995، وطالبت سوريا مرة أخرى بتغيير المكان الذي يقع فيه القبر وبدأت ببناء سدّ آخر على الأجزاء العليا من نهر الفرات، وبالمقابل تتم المحافظة على المنطقة من الآثار السّلبية، وتمّ الانتهاء من بناء هذا السدّ في عام 2001، ومرة أخرى تم اعتماد تغيير موقع القبر، ومع ذلك بقي القبر في المكان نفسه.
وفي عام 2003، تم التوقيع على البروتوكول، وبالتالي كان ما مساحته 10،000 متر مربع من الحدود المحصّنة بمثابة الأرض التي أعيد عليها بناء القبر، كما شُيّد مبنى جديد للشّرطة وافتتح القبر مرّة أخرى للزّيارة.
هل هناك خطر حقيقي على قبر سليمان شاه ؟
انتشرت شائعات حول مُحاصرة مركز شُرطة "سيجي" الذي يقع بالقرب من قبر الشّاه سليمان، إلا أنّ هذه الشّائعات تم تكذيبها من قبل الرّئيس أردوغان. وبالطّبع توجد تهديدات للدّولة الإسلامية في طور النّمو بالمنطقة، ولكنّها لا تمسّ بالأراضي التّركيّة في الوقت الرّاهن، كما ادّعت بعض وسائل الإعلام. هناك أيضًا الحرب الفعليّة الجارية بين حزب العمال الكُردستانيّ وتنظيم الدّولة الإسلامية في مقاطعة كوباني التي تقع على الحدود بين تركيا وسوريا. تركيا تتابع عن كذب هذه الحرب وتتّخذ كافة الاحتياطات اللاّزمة لحماية بلادنا والمدنيّين في تلك المنطقة. ومن المُؤسف جدّا أن نرى مدنيّين يقتلون بدم بارد بينما بقي العالم متفرجا لا يحرك ساكنا من أجل إنقاذهم. يستطيع النّاس في تركيا رؤية الدّخان الكثيف المتصاعد من الانفجارات في كوباني بسبب كون القتال قريب جدا من حدودنا، تعرضت مدينة "سروج" أيضا إلى قذائف هاون عدة مرات في الآونة الأخيرة. والوضع خطير جدّا وحسّاس بالنّسبة إلى تركيا، ولكن ينبغي أن تكون تركيا حكيمة جدّا وتتحرّى الدقّة قبل اِتّخاذ أيّة خطوات.
حزب العمال الكردستاني: هو التهديد الأخطر لتركيا
حتّى الآن لم يستطع أيّ طرف تهديد تركيا بشكل مباشر ولا حتّى تنظيم الدّولة الإسلامية نفسه. ولكن حزب العمّال الكردستاني هو الذي يمثل التهديد التهديد الحقيقي، فهو يعتبر مُنظّمة شيوعيّة إرهابيّة، كانت وما زالت تستهدف تركيا مباشرة لعقود طويلة، وخلفت ما يقارب 60،000 قتيل من المدنيّين؛ وهدفه الأساسيّ هو تقسيم تركيا وإقامة دولة ذات سيادة خاصّة به من خلال تقسيم جنوب تركيا، وأتباعه يستخدمون جميع الوسائل لإلحاق الضّرر بالبناء الوحدويّ لتركيا. في الآونة الأخيرة، كانوا يُحاولون اِستفزاز تركيا لبدأ الحرب على الأرض بالقُرب من حدودها. وتستخدم هذه المنظمة الإرهابية العديد من الاستفزازات غير التقليدية في محاولة لاستدراج تركيا إلى مُستنقع حول حدودها. وعلى سبيل المثال يُطلق حزب العمّال الكُردستاني قذائف الهاون إلى داخل تركيا ثمّ يضع اللّوم على تنظيم الدّولة الإسلاميّة. هذا لا يعني أنّ تنظيم الدّولة الإسلامية لا يشكل تهديدًا للمنطقة، ولكن علينا أن نفرّق بين الاثنين وأن يتم اتخاذ خطوات حذرة للغاية.
من الواضح تمامًا أنّ بعض الأطراف في حزب العمّال الكُردستاني يدفعون بتركيا إلى الحرب، ولكن تركيا تملك من الحكمة ما يكفي كي لا تقع في هذا الفخّ. كانت تركيا ملاذًا آمنًا للنّاس الأبرياء الذين فرّوا من دول الجوار لإنقاذ حياتهم وستبقى على هذا النّحو لمدّة أطول.
من الأهميّة بمكان أن نُعالج هذه المسائل بالحبّ والحنان والرّحمة والمعرفة والتّعليم. لا يمكن القضاء على الإرهاب إلا من خلال مواجهة الأيديولوجية التي تحرك هذا الإرهاب، فالعنف يتسبّب دائمًا في المزيد من العنف، فإذا بادر أحد الأطراف بالعنف فحتمًا سيرد الطّرف الآخر بمزيد من العنف قد يكون أشد وأقوى. علينا أن نضع في اِعتبارنا دائمًا أنّ البشر هم كائنات تنطوي على قدر من الإحساس بالنّبل، وبالتّالي يمكننا أن نجد دائمًا وسيلةً للتّواصل والحديث والإقناع بالطّرق السلميّة.
http://www.arabiangazette.com/turkeys-executive-decision/
http://newsrescue.com/turkeys-executive-decision/#axzz3HQc4k5eT