التّاريخ لن ينسى تُركيا
ucgen

التّاريخ لن ينسى تُركيا

1418

الذين يعيشون مرتاحين في بيوتهم يَعتبرون أنّ مسألة اللجوء تمثّل "مشكلة" للآخرين. وقبل نحو خمس سنوات ربّما كان الوضع هكذا بالنّسبة إلى السّوريين. ومن يَنفرُون اليوم من هذا الأمر ربّما يجدُون أنفُسهم في هذا الوضع نفسه بعد عام من الآن. رُبّما يفقد هؤلاء كلّ ما يملكُون ولا يحملُون معهم سوى حقيبة صغيرة، ويجدُون أنفسهم وجهًا لوجه مع عالم لا يُبالي بهم.  

بمناسبة يَوم اللاّجئين الّذي يُصادف العشيرين من شهر يونيو قدّمت اللّجنة العليا للاجئين التّابعة للأمم المتّحدة العديدَ من المُعطيات. وحسب هذه المعطيات فإن هناك 59.5 مليون لاجئ في شتى أنحاء العالم. وهذه تعتبر أكبر أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانيّة. وقد ترك المُجتمع الدولي أكثر هؤلاء اللاّجئين على مسؤوليّة الدّول التي تؤويهم.   

ومن أجل تجاوز هذه الأزمة الحادّة، تقترحُ الأمم المتّحدة إقامة مناطق آمنة لهؤلاء في الدّول التي يُوجدون فيها، حتى وإن كان ذلك بشكل مؤقّت، وهذا هو الحلّ الأكثر واقعيّة والمطرُوح حاليًّا. وتقوم بعضُ الدّول المتقدّمة بتلبية حاجيات هؤلاء اللاّجئين في الدّول التي تشهد أزمة في هذا المجال.   

ليس صحيحًا أنّ أزمة اللاّجئين منحصرة فقط في ما يُعانيه النّاس الذين يُقيمون في المخيّمات التي تُقام لهم، فبتاريخ 31 من مايو 2015 م قضى نحو 1865 لاجئًا أثناء مُحاولتهم عبُور البحر الأبيض المتوسّط.

وفي مناطق جنوب شرق آسيا، تقدّر الإحصايات أن نحو 300 شخص فقدوا حيَاتهم داخل القوارب التي تُقلّهم في الرّبع الأول من عام 2015م. وسبب موت هؤلاء هو الجُوع والعطش وقساوة الأوضاع التي كانوا فيها داخل هذه القَوارب. 

المجتمع الدّولي مُقصّرٌ أشدّ التّقصير في الواجبات المُلقاة على عاتقه في هذا الخصوص، ويقع اللّوم أكثر خاصّة على الدّول الأوروبيّة. كما أنّ ما أُنجر من قبل أستراليا والولايات المتحدة الأمريكيّة أقلّ بكثير ممّا كان منتظرًا، وبالرّغم من ذلك فإن ما قُطع من خطوات وما صَدر من تصريحات يبعثُ بعض الآمال الإيجابيّة.   

كانت الدّول الأوروبية تُتابع أزمة اللاجئين عن بُعد، لكنّها فجأة وجدت نفسها وجهًا لوجهٍ معها، ووجدت اللاّجئين يطرُقون أبوابها، فوقفت مَشدوهةً لا تعرف ماذا تصنعُ. جاء في تقرير اللّجنة العليا للاّجئين أن تركيا تؤوي أكبر عدد من اللاّجين على الإطلاق.    

بعض الأشخاص الذين يُتابعون هذه الوضعيّة من الخَارج يُمكن أن ينظروا إليها على أنها تمثل مشكلةً وطالع شرّ، بل وكارثةً بالنّسبة إليها. ولكنّ الأمر ليس على هذا النّحو، فنحن نعتبر أنّه فخرٌ لنا أن نُؤوي إخوانًا لنا من العراق وسوريا في أراضينا. 

في الوقت الذي تجاوز الإسراف مداه في بعض الدّول التي بلغت فيها نسبة الفوائض مستويات متوحّشة، وتُستثمر الأموال في تجارة السّلاح وتُنفق ملايين الدّولارات على إنتاج القنابل، وفي الوقت الذي خصّصت فيه تركيا - هذا البلد الذي يسعى إلى النّمو-  مبلغ 5.1 مليار دُولار لاحتياجات اللاجئين فإنّ الأمم المتحدة المتكونة من 193 دولة، بما فيها الدّول السّبع العظمى لم تتمكن من العُثور على أموالٍ للاّجئين.

لا يمكن اِعتبارُ اللاّجئ عبئًا أو بلاءً، إنه ضيف الرّحمن. ووفقا للإحصائيات غير الرّسمية فإنّ تُركيا تؤوي نحو 2.5 مليون ضيف من اللاجئين على أراضيها، وهذا بالنسبة إلينا مَدعاةٌ للفخر. تاريخُنا لم يَكتُب أنّ أجدادنا تخلّوا عن اليهود والرّوس  والأكراد في نصف الطّريق، وكان ذلك مصدر اِعتزازٍ لنا كذلك.   

نشكر الله أننا عندما نلقي نظرة إلى الوراء لاَ نعثُر على تاريخ مُخجِل يُسجل أنّ "هؤلاء النّاس مَاتوا وهَلكُوا لأنّنا لم نستقبلهم على أراضينا"، لو حَصل فإنّك لن تستطيع مهما فعلت أن تتخلّص من ذلك الشّعور الأليم بالنّدم.  

http://www.makkahnewspaper.com/makkahNews/writing22/154329

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo
التحميلات