في السياسة العالمية، بينما كان قادة العالم يعقدون اجتماعات ودية مع بعضهم بعضا، كانت التطورات التي تحدث في الخلفية، تتسبب في تزايد التوترات وتصعيدها. وربما يكون المثال الأمثل على ذلك هو الاجتماع الذي جمع بين أردوجان وترامب في السابع عشر من مايو الماضي.
كان اللقاء الذي جمع بين الزعيمين، وديًا وصريحًا، تمامًا كما كان من المُفترض أن يكون. وبينما كان الجو العام في الداخل رائعًا، حدثت العديد من التطورات المختلفة في الخارج. فلم تتخذ قوات الشرطة في العاصمة واشنطن أي احتياطات أو تدابير احترازية ضد مُؤيدي حزب العمال الكردستاني PKK الذين تجمّعوا في وقفة احتجاجية أمام ديوان السفارة التركية، وتحوَّل السلوك العدواني الذي أثاره مؤيدو الحزب ليصبح ضد الحراس الشخصيين لوزارة تركيا للشؤون الخارجية. وأدى التدخل في الاضطرابات اللاحقة من قبل رجال الأمن الأمريكيين وقوات الشرطة الأمريكية إلى ظهورهم في صورة لا يرغب أي شخص في رؤيتها في الشوارع المُتحضرة. استُدعي السفير التركي إلى وزارة الخارجية الأمريكية وتم تحذيره، وفي تلك الأثناء، استُدعي السفير الأمريكي إلى وزارة الخارجية التركية ليتسلم مُذكرة احتجاج دبلوماسية.
هناك مجموعة من النقاط التي يجب تناوُلها عندما نبدأ في تقييم تلك الأحداث:
مهما كان سياق الحديث والجو العام، يُعد الصراع المُستمر، عاملا لن يغير من مسار الأحداث، ولن يؤدي للوصول إلى حل. فالهدف الأبدي والمُستمر لحزب العمال الكردستاني ومؤيديه، هو التسبب في حدوث الخراب والدمار من خلال الهجمات والأعمال الإرهابية والحرب. والحل الأمثل لمواجهة تلك الطُرُق الفاسدة، هو التأكُّد دائمًا من وجود رد قانوني على ما يحدث.
لا يوجد شك في أن الولايات المتحدة تعي جيدًا المخاطر التي تُمثلها وحدات الحماية الشعبية الكردية YPG، وقد قامت تركيا بتقديم عدد لا يُحصى من التقارير التي توضح كيف أن وحدات الحماية الشعبية الكردية تُعد مُنظمة إرهابية شيوعية، مع بيان نواياها بالتفصيل. كتب روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا في مقاله -المنشور على موقع «ذا أتلانتك» في الحادي عشر من مايو من العام الحالي- أن «حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا PYD أُسس في قنديل من قبل إدارة حزب العمال الكردستاني أنفسهم، وأن مُقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي من أصحاب الرُتب والمناصب في حزب العمال الكردستاني، وأن الإرهابيين التابعين لحزب العمال الكردستاني الذين يرتكبون الهجمات الإرهابية في تركيا، تم تدريبهم في شمال سوريا». أما روس ويلسون، الذي خدم كسفير للولايات المتحدة في أنقرة عام 2005، فقد أفاد بأنه: «لا شك في أن وحدات الحماية الشعبية الكردية، هي إحدى أذرع حزب العمال الكردستاني، وأن أولئك الذين يظنون أنهم (كيانات مُختلفة ومنفصلة) لا يخدعون إلا أنفسهم بكل بساطة».
السياسة الأمريكية لا تتشكل بشكل كامل بواسطة الرئيس، فقد يأتي الرئيس بمجموعة متنوعة من الوعود والتغييرات، إلا أن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الراسخة منذ أمد بعيد، ستستمر دائمًا، إلا اذا كانت هناك تحولات في المصالح الأمريكية. وبذلك، فإن قضية وحدات الحماية الشعبية الكردية YPG، التي كانت محلًا للنزاع والخلافات منذ عهد رئاسة أوباما، ستبقى على نفس الحال خلال فترة رئاسة ترامب كذلك.
وتُعد قضية وحدات الحماية الشعبية الكردية YPG، قضية أيديولوجية في المقام الأول، وهي ليست قضية يمكن التصدي لها عن طريق إقناع الدول الأخرى، ولا يمكن تسويتها من خلال منطق الدبلوماسية ولا قوة السلاح. ولا شك في أنه من الضروري أن تقتنع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وباقي الدول بالخطر الذي تُنذر به تلك الوحدات. ومع ذلك، فإن ما يجب القيام به الآن هو استهداف الأيديولوجية الخاصة بوحدات الحماية الشعبية الكردية YPG، وإقصاء المنظمة الإرهابية على المستوى الأيديولوجي. تستند العقيدة الشيوعية على أساس فكري مُنهار، ويمكن هزيمة تلك العقلية الجدلية في وقت قصير جدًا، من خلال الأدلة العلمية.
وبمجرد هزيمة تلك الجماعات فكريًا، لن يكون هناك مزيد من الإرهاب الشيوعي ولا المرتزقة المُستخْدَمين في القتال نيابة عنهم. ستتلاشى من على وجه الأرض، الأيديولوجية التي تقودهم إلى القتال، ولن يتبقى لديهم أي مُعتقد خاطئ يحاربون من أجله. وإن أرادت تركيا حقًا القضاء التام على الإرهاب الشيوعي، فلا بد أن تتبع سبيلا مختلفًا في معركتها للقضاء عليه، بدلا من معايشتها للتوترات مع الدول الصديقة، ولا يمكن القضاء على الإرهاب الشيوعي إلا من خلال العرض العقلاني للدلائل العلمية.
الولايات المُتحدة الأمريكية حليفتنا وصديقتنا، واعتبارنا مسألة وحدات الحماية الشعبية الكردية، مسألة خطيرة، أمرًا صحيحًا، إلا أن تلك القضية لن تتسبب في الوقيعة بيننا وبين حليفتنا الباقية منذ أمد بعيد، الولايات المتحدة الأمريكية. ونأمل أن تتخذ أمريكا خطوات نحو تغيير إستراتيجيتها قريبًا، وتتخذ مكانها بين الصفوف في الصراع العلمي الذي سيتم شنه ضد وحدات الحماية الشعبية الكردية YPG.