هارون يحيى
يساهم كل انقلاب يحدث في نشر الخوف والذعر داخل تركيا، ويسبب حالة من الاستياء والاشمئزاز بين جموع المواطنين، ويجر البلاد وديمقراطيتها عقودًا للوراء. هناك شيء واحد نتوافق عليه جميعًا في هذا البلد - التي يعبر فيها كل شخص عن أفكاره بمنتهى الحرية، ويتواجد المعارضون فيها في كل مكان - وهو: أننا لن نسمح أبدًا بأن تُمس بلدنا بأي شكل من الأشكال. ولذلك، فعندما سمع الجميع كلمة "انقلاب" في ليلة 15 يوليو، كان رد فعلهم على ذلك الأمر البغيض قويًا للغاية.
دعونا نستعرض بإيجاز ما حدث من أجل هؤلاء ممن لم يطلعوا على تفاصيل تلك الليلة: الجيش التركي لم يكن وراء هذه المحاولة الانقلابية التي حدثت ليلة 15 يوليو، أو بالأحرى هناك مجموعة صغيرة من الجيش هي من كانت وراء هذا الأمر. أقدم هؤلاء المجرمون على أخذ رئيس الأركان التركي كرهينة، واختطفوا أيضًا القادة العسكريين واستولوا على المراكز العسكرية، وقد استشهد على الفور هؤلاء الجنود الذين تصدوا لهذا الأمر. وتم احتلال جسر البوسفور، وقد ادّعى مدبرو الانقلاب بأنهم تمكنوا من السيطرة على المواقع الرئيسية مثل مطار أتاتورك، ومقر القوات الخاصة، ومقرات الشرطة، والمجلس البلدي.
أصبح واضحًا أمامنا أن هذه العلمية قد تم التخطيط لها بشكل استراتيجي. ومع ذلك، فقد ارتكب المُخططون خطأ جسيمًا وأغفلوا نقطتين مهمتين، أولهما هو حقيقة أن رئيس الأركان وقادة القوات قد رفضوا مساندة الانقلاب، وثانيهما شجاعة شعبنا ثابت العزم.
في ليلة 15 يوليو أظهر الشعب التركي شجاعة لا مثيل لها، إذ وقف الشعب في مواجهة الدبابات والرصاص والذخيرة الحية. ورغم حظر التجوال الذي أعلنه مدبرو الانقلاب، أسرع الملايين بالنزول للشوارع غير مكترثين للرصاص الذي يُطلق عليهم، صامدين في مواجهة الدبابات، ويُقاتلون جنبًا إلى جنب مع قوات الشرطة في المناطق التي احتلها الانقلابيون. و خير دليل على شجاعة شعبنا هوعدد الوفيات الناتج عن تلك الأحداث، فقد استُشهد 240 شخصًا بينهم 173 من المدنيين.
شهدت تركيا العديد من الانقلابات العسكرية، ومع ذلك، فتعد هذه هي المرة الأولى في تاريخها التي يتم خلالها قصف البرلمان التركي، وهي المرة الأولى أيضًا التي يتم فيها إطلاق الرصاص على الشعب، إذ أقدمت الدبابات على دهس المدنيين، وفتحت الطائرات الهليكوبتر نيران مدافعها على الشعب. وعلى الرغم من بشاعة وقبح الانقلابات التي شهدها بلدنا في الماضي، إلا أنها لم تشهد مثل هذا القدر من الغدر والوحشية كالذي حدث هذه المرة.
تسببت هذه المحاولة الانقلابية - دون أدنى شك - في استشهاد الكثيرين، ولكن يجب علينا ألا ننسى الثمن الباهظ الذي يتم دفعه - في بعض الأحيان - من أجل الديمقراطية. ولهذا السبب، فقد استجاب الشعب بشكل جماعي فور سماعه كلمة "انقلاب" ونزل إلى الشوارع لإيقافه. وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، تجلى ذلك الشعور بالوحدة في تركيا، فقد تصرف الجميع – العلمانيون، والثيوقراطيون، واليساريون، واليمينيون، والأتراك، والكرد، والعرب، والسنة، والعلويون – بشكل غلبت عليه روح التضامن، وقد دعا البرلمان التركي أعضاءه للانعقاد، وذلك على الرغم من حدوث تلك المحاولة الانقلابية، وتصرفت جميع الأحزاب السياسية بقدر عال من الوحدة والتضامن، إذ أدانت جميعها هذه المحاولة الغادرة. وقد وقف الشعب التركي بكل شجاعة وفي انسجام تام في مواجهة تلك المحاولة الانقلابية، وليس ذلك من باب الخوف كما كانت تأمل معظم وسائل الإعلام الدولية، وإنما من باب الكراهية الشديدة للانقلابات العسكرية. وتكمن المشكلة هنا في أن هناك جزءًا معينًا من وسائل الإعلام غير قادر - مطلقًا - على فهم الشعب التركي.
وفي أعقاب فشل هذه المحاولة الانقلابية، فقد أصبح لدينا الحق في أن نطرح الأسئلة الآتية:
لماذا أقدمت فرنسا على إغلاق القنصليات الخاصة بها في تركيا قبل حدوث الانقلاب؟
لماذا وضُعت القواعد الخاصة بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أضنة وديار بكر وملطية تحت إمرة مدبري الانقلاب في تلك الليلة؟
على الرغم من فشل الانقلاب في جميع مراحله، لماذا نشرت بعض وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية – من المملكة المتحدة وأوروبا على وجه الخصوص – أخبارًا كاذبة مفادها أن الانقلاب قد نجح وأن الرئيس أردوغان فر إلى ألمانيا؟
ونأمل جميعًا في الحصول على إجابات توضح لنا هذه النقاط الغامضة في القريب العاجل.
أسأل الله أن يحمي شعبنا من الأخطار، وأن يحمينا من تكرار مثل هذه الأخطار. أسأل الله أن يرحم شهداءنا، وأن يُعجل بشفاء جميع المصابين. تحياتي لجميع الأبطال الذين صمدوا في تلك الليلة الصعبة.