الشخص الذي يتبع ضميره كما هو منصوص عليه في القرآن,يتصرف بكل حرص لكسب استحسان الله. فهو يفكر دائما بهذه الطريقة,"كيف أستطيع أن أكسب رضا اللهقدر الإمكان؟فهو لا يبحث أبدا عن إرضاء الآخرين أو يفكر في منزلته في نظرهم.أنما يتوجه كليا إلى الله.
من ناحية أخرى,يعيش البعض من الناس الدين,ليس عن طريق استعمال إدراكهم بل كما أوصى أسلافهم و ذلك تبعا للعادات و التقاليد.فهم يؤدون الصلوات و يطبقون الأشياء التي سبق أن حفظوها و يكتفون بذلك.غير أنه من المستحيل على المرء أن يعيش على مبادئ الدين بدون استخدام إدراكه الخاص.لقد اختار هؤلاء الأشخاص نمط عيش ,قد يبدو انه "ملائم للدين" لأنهم فقط معتادون على العيش هكذا أو لأنهم لا يريدون أن يتحدوا المجموعة التي يعيشون فيها.لهذا,فان أشخاص مثل هؤلاء ليس لهم منطق" ماذا أستطيع أن أفعل ,أكثر,من أجل الله" بل "ماذا أستطيع أن أفعل أكثر لأجعل الناس يصدقون بأنني متدين.
الشخص الذي ينتبه إلى ضميره سيفكر كيف سيؤدي كل صلاة و عمل على أحسن وجه ممكن.كذلك فانه سيحاول أن يجد الغاية من كل شيء قدر ما تمكنه قوٌته و فكره,لكي لا يجعل من أي موقف أو كلام له من أن يمثل خطرا عليه يوم الحساب.لأنه يعلم أنه سيحاسب مقابل أفعاله في الآخرة.هكذا,حذٌر الله تعالى من هذا,"و أقيموا الصلاة و ءاتو الزكاة و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصيرا" سورة البقرة,الآية 110.
مثل الشخص الذي يبحث عن الأفضل و الأكمل في كل عمل يقوم به,يمكن إيجاده في القرآن و ذلك من خلال الأمر بقول أحسن الكلام بين المؤمنين." و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا" سورة الإسراء,آية53
كل شخص يدرك أمر الله هذا,سيقول الأفضل من خلال استخدام إدراكه.سوف لن يتفوه بأي كلام يتبادر على ذهنه من دون مبالاة.على العكس من ذلك, فانه سوف يؤدي الخطابات الأكثر إبهارا و تأثيرا,و سوف يعير اهتماما بالغا لكي لا يؤذي أو يهين أناسا آخرين.فهو سيختار الكلمات التي يظن أنها ترضي الله,مستعملا في ذلك إدراكه كمفتاح لتحقيق ذلك.
في آية أخرى,يقسم الله الناس إلى ثلاث مجموعات و ذلك حسب تفانيهم في الدين."ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير." سورة فاطر, الآية 32.
كما هو مصرح به في الآية,هناك بعض الناس الذين يمارسون أخلاقيات الدين.في حين يعيش البعض منهم بطريقة مهمشة ذلك لأنهم غير قادرين على استعمال إدراكهم بشكل كامل. لذلك فإنهم لا يلتزمون بكل الأشياء التي يمليها عليهم ضميرهم لكن فقط بالبعض منها.ذلك أنهم لا يتبعون ضمائرهم عندما تتعارض مع مصالحهم.على سبيل المثال, يستعمل هؤلاء الناس فقط القليل من وقتهم من أجل الدين, في حين أنهم قادرين على استخدام كل الوقت و الوسائل من أجل ذلك. كذلك لا يبذلون جهدا كبيرا لنشر الدين و الأخلاقيات بين الناس.فهم يجدون أنفسهم مكتفون دينيا,بما أنهم يؤدون صلواتهم و يلتزمون بما هو صواب و بما هو خطأ.غير أن أكثر طرق
العيش وعيا تكمن في اختيار و تأدية أكثر السلوكيات صحة و جمالا حسب جملة من المواقف الصائبةكذلك يزكي الله الذين يتبعون أفضل الكلام في القرآن,في الآية 18 من سورة الزمر:"الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه,أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب"
تتكون المجموعة الثالثة من أولئك الذين يتنافسون لبلوغ السلوك الأسمى و الأفضل, هكذا فان هؤلاء الأشخاص يتبعون على الأغلب ما يمليه عليهم ضميرهمكذلك هم يتنافسون للقيام بالأعمال الصالحة,إذ يقدمون أنفسهم إلى كل خدمة و عمل خيري,غير منتظرين من أي شخص آخر للقيام بالعمل,على العكس تماما,فهم يتقدمون و يطلبون العمل.لا يقبل ضميرهم بأن يهدف للقليل,في حين أن لهم الوسائل للقيام بما هو أفضل.
مثال آخر عن اختيار أفضل عن الخيارات الممكنة يمكن استنتاجه في سورة النساء.يأمر الله في هذه السورة بأن نخضع الأمور للأشخاص الذين لهم السلطة و القدرة فيما يخص ذلك الموضوع."إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا."سورة النساء,الآية 58.
الشيء الذي يجب التعهد به يمكن أن يكون واجبا,مسؤولية أو شيئا قيما يحتاج لأن يكون محميا.على سبيل المثال,إذا كان التعهد المعني به هو قطعة أثاث,إذا فان التعهد بها إلى الشخص الأكثر حذرا,أمانة و رفعة هو التطبيق الأمثل لهذه الآية.عندما يكون هناك عمل أو مسؤولية ليتم إسنادها,فانه يجب اختيار الشخص الأكثر معرفة و تجربة,باختصار,الشخص الذي يستطيع تحمل هذه المسؤولية إلى النهاية و على أحسن وجه ممكن.غير أن اختيار شخص أقل كفاءة و أقل معرفة سيعني أنه هناك مصالح أخرى قد وقع التطرق لها.ذلك أنه يمكن اعتبار القرابة الدموية للشخص أو السعي وراء مصالح أخرى في المستقبل عوضا عن مصداقية الشخص. وهذا هو المتداول في المجتمع.حيث تتصدر علاقات المصالح أولوية بالغة.غيرأن السعي وراء الأفضل و التصرف الأكثر صوابا في كل موضوع يعد أمرا في القرآن
كما هو جليٌ, فان الضمير يحث الأشخاص ليس فقط للإيمان بالله و الاقتناع بوجوده, بل كذلك, التعهد بالقيام بأعمال خيرة من أجل كسب رضاه و أيضا يجب أن يكونوا مدركين تماما عند أداء هذه الأعمال.غير أن أغلبية الناس يظنون بأن مجرد الإيمان بوجود الله هو كفاية.
مثل هؤلاء الأشخاص قد وصفوا في بعض الآيات القرآنية كالآتي:"قل من يرزقكم من السماء و الأرض أمٌن يملك السمع و الأبصار و من يخرج الحيٌ من الميت و يخرج الميت من الحيٌ و من يدبٌر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون31 فذلكم الله ربٌكم الحق فماذا بعد الحق إلا الظٌلال فأنٌى تصرفون32" سورة يونس الآية,31و 32
كما هو جليٌ في الآيات السابقة,فان هؤلاء الأشخاص يؤمنون بوجود الله,و حتٌى يقٌرون بأن الله هو الذي أعطاهم الحياة و بأنه هو الذي يخلق و يميت و هو الخالق و مالك كل شيء.يستعمل هؤلاء المؤمنين ضميرهم لفهم كل هذا و هم يجدون في ذلك كفاية لتعبٌدهم.غير أن الشخص الذي يستخدم ضميره قدر الإمكان,يستطيع أن يدرك عظمة الله و هكذا فانه سيخشاه بشعور من الوقار.هذا النوع من الخوف مختلف تماما عن الخوف المعروف غالبا بين الناس,فهو الخوف من خسران استحسان الله.معظم حياة الشخص الذي يملك مثل هذا الخشوع ستُقضى في بذل الجهود لكسب رضاء الله, فهو لن يعرف أي حدود تمنعه للتقرب من الله
على سبيل الذكر,لقد جعل الله من الرسول إبراهيم,عليه الصلاة و السلام,مثلا يحتذى به في القرآن:"و من أحسن دينا ممٌن أسلم وجه لله و هو محسن و اتبع
ملٌة إبراهيم حنيفا و إتخذ الله إبراهيم خليلا"
الفرد الذي يتصرف فقط حسب هدي ضميره,سيبذل مجهودا من أجل فهم و إدراك عظمة الله قدر الإمكان و أن يصبح مقربا إليه.لكن و بما أنه غير متأكد من أنه قادر على بلوغ أسمى درجات التفاني و التقرب فإن رغبته و مجهوده سيواصلان تحقيق ذلك الى أن يموت.
هكذا فإنه يمكننا أن نفكر كيف يمكن تحقيق " القرب من الله" و" رفقة الله"و مفتاح كل ذلك يكمن في إستخدام الوعي