فاقت نسبة المشاركة في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية في تركيا الذي أجري في 16 أبريل الفائت، 85%، وأسفرت النتائج النهائية عن الموافقة على هذه التعديلات بنسبة 51.4%، وكانت أكثر النقاشات تداولا خلال فترة إجراء الاستفتاء، حول القلق المتزايد من احتمالية تسبب التعديلات الدستورية الجديدة في خطر الانقسام على الصعيد الوطني في المستقبل، من خلال تمهيد الطريق لنظام فيدرالي في تركيا.
وبعد تزايد الانتقادات في هذا الاتجاه، والتي تشير إلى أن مجرد التأكيد اللفظي لم يكن كافيا، تم فحص وتعديل مسودات بعض التعديلات الدستورية المقترحة التي تحمل في طياتها خطر الانقسام، وذلك قبل طرحها للاستفتاء الشعبي.
وقد اتجه كثير من الناخبين الذين كانوا لم يحسموا أمرهم بعد، أو حتى العازمون في قرارة أنفسهم على التصويت بـ «لا»، إلى التصويت بـ «نعم»، ردا على حشد بعض الدوائر التي تخالف بشكل جذري نسيج المجتمع التركي، في معاييرهم لاتخاذ القرار، وفي حسهم الوطني حول شعار كلمة «لا».
وأهم هذه الدوائر على الإطلاق، تلك التي نبذتها الغالبية العظمى من الشعب التركي، وهي: بعض المنظمات الشيوعية، وأعضاء منظمة حزب العمال الكردستاني «PKK» الإرهابية، وجماعات دعم المثلية الجنسية، وأعضاء ومناصرو منظمة فتح الله غولن الإرهابية «FETO»، وعدد من الخونة الهاربين في الخارج ممن أفشوا أسرار الدولة في وسائل الإعلام والمتعاونين مع عدد من الحكومات الغربية، بالإضافة لبعض الفنانين والصحافيين والكتاب الذين لا يفوتون فرصة دون التذمر من تركيا لدى البلدان والمؤسسات الأجنبية.
وبينما تدعي هذه الدوائر انها حاملة لواء الديموقراطية في كل مناسبة، إلا أنها في الحقيقة تظل متمسكة بسياساتها التقليدية، بدلا من احترام القرار الديموقراطي الذي أقره الشعب في نهاية الاستفتاء.
فعلى سبيل المثال، نشر بعد الاستفتاء مقالا في مجلة «فورين أفيرز»، التي تعد المنصة الإعلامية لمركز الأبحاث الأميركي الشهير «مجلس العلاقات الخارجية»، يؤكد ان تركيا تتجه نحو الانقسام بسبب النتائج الأولية للاستفتاء.
وعلى الجانب الآخر، أشارت العوامل المختلفة التي ساهمت في زيادة نسبة المصوتين بـ «لا» إلى أن هناك أمورا مهمة يجب أن يأخذها حزب العدالة والتنمية الحاكم، والحكومة التركية بعين الاعتبار.
فقد هيمن على التصويت بـ «لا» تلك الدوائر الفكرية التي تولي اهتماما كبيرا بالحداثة والفن والجمال والكفاءة، والذين يشعرون بالقلق الشديد عند التدخل بأي شكل من الأشكال فيما يتعلق بحرية المرأة، لاسيما في المناطق الساحلية والمدن الكبرى في تركيا، وهو ما يشير إلى ضرورة زيادة اهتمام الحكومة بتلك القضايا، أو ضرورة التأكيد على أنها تقوم بذلك.
في الحقيقة، هذه القضايا لم تعالج بشكل كامل، غير أن بعض الأشخاص، وقطاعا من الطبقة الحاكمة يسيرون في الاتجاه المعاكس تماما لتلك القضايا الحيوية، ما تسبب في التصويت بـ «لا» في تلك المناطق التي تحدثنا عنها.
وعلى الرغم من ذلك، أبدى الرئيس رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، اهتماما شخصيا بالغا بالقضايا الحيوية، مثل: الكفاءة والحداثة والتحرر وحرية المرأة، فلا شك أنه من الضروري أن يتم التركيز على هذه المواضيع، ولا بد من اتباع سياسات خاصة لتخفيف القلق المحيط بتلك القضايا.
في النهاية، فإن كل من أدلى بـ «نعم» أو بـ «لا»، فهو أحد أبناء تركيا الأعزاء، عدا بعض تلك المجموعات الصغيرة التي أشرت إليها فيما سبق.
لقد كان من الممكن أن تكون النتيجة لصالح «لا» بدلا من «نعم»، وفي هذه الحالة، كانت تركيا ستواصل طريق السلام والديموقراطية والأخوة أيضا، كما تفعل الآن.
وأهم ما في الأمر، ألا ننسى أبدا أن احترام نتائج الاستفتاء الشعبي، هو شرط من شروط الديموقراطية، كما يجب ألا ننصاع أبدا لمثيري الفتن الذين يحاولون تصيد المواضيع المثيرة لكل من صوتوا بـ «نعم» أو «لا».
https://www.gulfeyes.net/middle-east/1483406.html