يتصل الناس في اليوم الحالي بعضهم ببعض بطريقة لم يعهدوها من قبل، تُعرض خيارات لا حصر لها بحلول عصر الإنترنت ويبدو أن الاتصالات قرّبت جميع الناس من بعضهم.
لذا فمن المفاجئ أن نعلم أن الناس لا تشعر بآثار هذا الاتصال الواسع الانتشار، ويشعرون بمزيد من العزلة على الرغم منها.
يشير استطلاع رأي أُجري في الولايات المتحدة، واستطلع آراء 2000 شخص، إلى أن 72% أبلغوا عن شعورهم بالوحدة وقال كثيرون إن هذا الشعور كان ينتابهم في كثير من الأحيان. كما أشارت أيضًا حملة في المملكة المتحدة من أجل إنهاء الوحدة إلى أن 52% من الأشخاص فقدوا الإحساس بأن يكونوا في صحبة شخص ما.
ومن الواضح أن اعتمادنا على التكنولوجيا يزيد كل يوم، ولكن من الواضح أيضًا أن التكنولوجيا الاجتماعية أو الاتصال في العالم الافتراضي لا يمكنه استبدال التواصل الحقيقي والتفاعل وجهًا لوجه.
ومع ذلك، يستمر الناس في التحول إلى الأنماط الخاطئة غير المجزية من التواصل. يختار كثير من الشباب في الوقت الحالي أن يقبعوا خلف شاشات الحواسيب كي يكونوا حاضرين مع أصدقاء افتراضيين، بدلاً من قضاء الوقت مع الأصدقاء. وليس من غير المعتاد الآن أن يكون لدى الناس آلاف من الأصدقاء الافتراضيين على شبكة الإنترنت، ولكنهم لا يعرفون حتى من يعيش في المنزل المجاور لهم. لا يشعر كثير من الناس بالحاجة إلى زيارة أقاربهم، وبدلاً من ذلك يختارون أن يجدوا عزاءهم في صحبة روابطهم عبر الإنترنت أو في صحبة الحيوانات الأليفة.
ورغم ذلك، فإنه يعد اتجاهًا خطيرًا. تشير الدراسات إلى أن الشعور بالوحدة يمكن أن يزيد من مخاطر الوفاة بنسبة 26% عندما يصبح مشكلة طويلة الأجل، إذ يمكن أن تكون هذه المشكلة أخطر من تدخين 15 سيجارة في اليوم. يوضح الجراح العام الأمريكي فيفيك مورثي أن الوحدة يمكن أن ترتبط بـ«زيادة مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، والعته، والاكتئاب، والقلق»، وأشارت مؤسسة الصحة العقلية إلى أن ذلك الشعور بالوحدة يؤثر سلبًا على الصحة العقلية ويمكن أن يؤدي إلى مشاعر الاكتئاب.
واكتشف العلماء أن الألم الاجتماعي يمكن أن يكون مساويًا تمامًا للألم البدني، لأن الألم البدني والشعور بالوحدة ينشطان نفس أجزاء الدماغ.
وأظهرت دراسة أخرى لجامعة هارفارد أن الشعور بالوحدة سام، وأنه كلما تزيد العزلة التي يعيش فيها الناس، يزيد معها إحساسهم بعدم السعادة.
ويتضح في ظل هذه الحقائق أن هذه المشكلة تحتاج إلى مواجهتها بسرعة. فالناس لم يُخلقوا كي يعيشوا وحدهم، وإننا في حاجة إلى أن نكوّن الصداقات ونتواصل مع الآخرين، إذ إن الشباب الذين يكبرون مع هذا الإحساس بالوحدة سوف يقودون العالم قريبًا ولا ينبغي أن يكون استقرارهم وصحتهم العقلية متأثرَين بشعور الوحدة والعزلة.
وبطبيعة الحال تحمل الوحدة آثارًا أسوأ على كبار السن، إذ يعاني ملايين من المواطنين الكبار في جميع أنحاء العالم من حياة الوحدة لأن عائلاتهم أو مجتمعاتهم تخلت عنهم، كما يرتبط الاكتئاب والعته عادةً بالعزلة والوحدة، ويعاني كثيرون من هذه المشاكل لأن المجتمع وعائلاتهم فشلوا في أن يظهروا لهم العاطفة المطلوبة.
رغم هذا، يمكن التوصل إلى حل لأي مشكلة، والوحدة ليست بكل تأكيد مشكلة من دون حل.
أولاً، من المهم أن نمنع غرس الأفكار المادية المتمركزة حول الذات في المجتمع، وبدلاً من هذا ينبغي على الناس أن يحرصوا على أن يكونوا أكثر اهتمامًا بالآخرين، واعتناءً بهم، وألا يكونوا أنانيين. ينبغي عليهم أن يفهموا الفوائد الصحية لإظهار العاطفة، والاهتمام، وأن يكوّنوا صداقات حقيقية، ينبغي أن يُدعم هذا الوعي بالحملات التي تبلغ الناس بالمخاطر الصحية للوحدة، إضافة إلى آثارها المستقبلية على المجتمعات.
يمكن أن تُبنى دور المسنين في نفس أماكن الجامعات حتى تتمكن المجموعتان من التفاعل. وبهذه الطريقة، سوف يكون الشباب قادرين على الاستفادة من الحياة والخبرات الثمينة لكبار السن، بينما يتم إنقاذ كبار السن من فخ الوحدة ويمكنهم حينئذ الاستمتاع بسنواتهم الآتية في وجود صحبة جيدة.
عانت بريطانيا على وجه الخصوص من المشكلة واستجابت عن طريق تأسيس وزارة لمواجهة الوحدة والعزلة. وقد أعلن عن أن وزارة الرياضة والمجتمع المدني سوف تعمل على استراتيجية وطنية لمواجهة الوحدة في كل الأعمار، وابتكرت طرقًا لتقييم الوحدة وأنشأت صندوقًا لتطوير استراتيجية أكبر من أجل حل هذه القضية.
بعبارة أخرى، ليست الوحدة من المشاكل التي يصعب حلها، ولكن من الواضح أنه ينبغي ألا تترك من دون التعرض لها.