رغم كل شيء فالنساء السوريات صامدات
ucgen

رغم كل شيء فالنساء السوريات صامدات

2379

عدنان أوكطار

تصدرت الحرب الأهلية في سوريا الأنباء طوال الخمس سنوات الماضية، ويبدو أن المساعدة التي يتلقاها الشعب السوري لا ترقى لمقدار التغطية الذي اكتسبته تلك القضية، ولكن هذه قصة أخرى. ولكن هناك مجموعة بعينها لم يتم ذكرها بالقدر الكافي في الإعلام على الرغم من الإيذاء الواقع عليها في تلك الحرب والذي يفوق الاحتمال: هن – بالطبع – النساء السوريات. نحن الآن على علم بأن الصراع في سوريا قد أودى بحياة أكثر من 200 ألف شخص، وتسبب أيضًا في فقدان الملايين لأحبائهم ومنازلهم، وكل ما تبقى – في أثر هذا الدمار – هو بلد محطم مفرغ من أي شيء على الإطلاق. ومع ذلك، وعلى الرغم من تلك الضربات الجوية القاسية، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيميائية والاقتتال، إلا أن النساء – السوريات – ما زالوا بمثابة شعاع الأمل بالنسبة للكثيرين.

فقد فقدوا – في معظم الأحوال – أهلهن، أو أزواجهن، أو أولادهن، أو أقاربهن، ومنازلهن، وأرواحهن، ومستقبلهن المهني، فمن بين 2.8 مليون شخص غادروا سوريا في الثلاثة أعوام الماضية هناك ما نسبته 4 من كل 5 كانوا ينتمون لفئة النساء والأطفال، وطبقًا للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة فهناك حاليًا ما يقرب من 145 ألف أسرة سورية لاجئة ترأسها وترعاها امرأة في البلدان المجاورة وذلك لأن الرجال في تلك العائلات إما قتلى، أو جرحى، أو تم سجنهم. وبالإضافة إلى وجوب التعامل والتكيف مع هذه الفاجعة، والتي لن يتكبد الكثير من أبناء الغرب مشقة تصور مدى السوء الذي عليه هذا الأمر، فإن عليهن الآن – النساء السوريات –التفكير والحرص على مستقبل أسرهن.

وليس هذا فحسب، فمن الممكن – ولأسباب غير مفهمومة – أن يتعرضن للعديد من الجرائم الشنيعة،  فبالإضافة لأرواحهن التي تُزهق، وفقدانهن لكل ما يعرفوه، وعلى الرغم من الفقر والصعوبات التي يواجهنها كلاجئات في وقتنا هذا فهن مطالبات أيضًا بالتعامل مع تلك التهديدات المتعلقة بأعمال العنف الجنسي، فهن يتعرضن – وخصوصًا في سوريا – للكثير من الجرائم التي لا يمكن تخيلها على أيدى قوات النظام، ومن المألوف أيضًا حدوث بعض الأمور كالاعتقالات التعسفية، والاختفاءات القسرية، والتعذيب في مراكز الاحتجاز للحصول على الاعترافات. والأكثر من هذا، فإنه يتم ملاحقتهن بشكل دائم من قبل قوات النظام وذلك لوضع المزيد من الضغط على إخوانهن وأزواجهن، وفي بعض الأحيان يتم استخدامهن كدروع بشرية، وفي معظم الأحيان يتم احتجازهن في السجون بدون أية تهم والكثير منهن يلقى حتفه نتيجة التعذيب.

ومع ذلك، فهن لم تفقدن قواهن وقدرتهن على التكيف مع الأمور الصعبة، ولنأخذ مُزن المليحان ذات الـ 17 عامًا – والتي تعيش مع أسرتها في مخيم للاجئين في الأردن – مثالًا على هذا، فعلى الرغم من كونها مجرد فتاة في سن المراهقة، ورغم الحقيقة الراسخة والتي تُقر بأنها تعيش داخل مخيم قاحل في ظروف تفتقر للحد الأدنى من الآدمية إلا أنها دائمًا ما تتمسك بتلك الابتسامة الواثقة التي تشع من وجهها ذي الأعين المشرقة مع امتلاكها لذلك الحماس الجامح للحياة والرغبة في تقديم يد العون للآخرين، وفي استعراض سريع لهذه الشجاعة والتي يمكن أن تضع العديد من البالغين في الوضع الذي يشعرهم بالخزي والعار فقد أخذت مُزن المليحان على عاتقها حماية الفتيات الصغيرات في مجتمعها من الاستغلال، وسوء المعاملة، والحرمان من التعليم، ونظرًا لجهودها المحمودة فهي تُعرف في المجتمع الدولي باسم "ملالا السورية".

هي قطعًا ليست النموذج الوحيد، فدائمًا ما عُرف عن النساء السوريات تنظيمهن لتلك المسيرات المناهضة للنظام وذلك قبل اندلاع الحرب الأهلية، وفي الوقت الراهن فإن تركيزهن قد انصب على الجهود الإنسانية ومساندة الآخرين كي يحصلوا على المساعدات التي يحتاجون إليها، حتى أنه يُطلق عليهن في الكثير من الأحيان لقب "قادة الجهود الإنسانية"، فهن يُدِرن العديد من المدارس والأماكن الأخرى التي تأوي أعدادًا كبيرة من اللاجئين، وينظمن الكثير من الفعاليات التعليمية التي تستهدف النساء والأطفال.

ومع ذلك، فلا ينبغي على العالم الاعتقاد بأنه قد خلع عن نفسه مسؤولية تقديم يد العون لهؤلاء النساء العظيمات اعتمادًا منه على قوتهن وصمودهن. دعونا نتذكر كيف قالها العالم مجتمعًا "لن يحدث هذا الأمر مجددًا" وذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقالها مرة أخرى عقب الحرب البوسنية، وعقب أحداث دارفور ورواندا؟ فما الذي يحدث الآن؟ لماذا يسمح العالم لهذا الأمر بأن يمضي قُدمًا ويمتنع عن تقديم أي شيء للمساعدة؟ والأسوأ من هذا، كيف أنه أصبح من المحتمل أن يتعرض اللاجئون السوريون – وذلك في الكثير من الأماكن حول العالم – لسوء المعاملة بشكل صادم، وأن ينقلب العالم على عقبيه ويُلقي باللوم عليهم جراء تلك الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الإرهابيون؟ كيف يمكن لسياسي أوروبي قول "ينبغي أن نقصف النساء والأطفال لأن تنظيم داعش متواجد هناك" وأن يفلت من المحاسبة بعد قول هذا؟

دعونا نضع أمرًا واحدًا في الاعتبار وهو: إنه من الواجب علينا كبشر تقديم المساعدة للسوريين كي يتمكنوا من الخروج من هذا الوضع المُزري، وعلى الرغم من تلك الظروف المروعة التي يواجهها السوريون إلا أنهم يقومون بعمل رائع من أجل الحفاظ على كرامتهم وصمودهم.

http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=CBD36F0D-743B-4200-A459-813D1BC52511&d=20160109

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo