من يريد أن يخترق البحار ويجتاز الصعاب ، يحتاج إلى قوة تقوده إلى بر الأمان . هذا حال الإنسان، يحتاج إلى تلك القوة الخارقة كي تعينه على اجتيـــاز مشاق الحيـــاة ومصعابها .. إن هذه القوة تتجلى في أفضل الأعمال القلبية التي تُقرب كل إنسان إلى الرحمان: إنه التوكل على خالق الإنس والجان.. فلا حدود لشكوك وهموم ومخاوف من لا يتذوق معنى التوكل. فكل شيء يمثل تهديدا في نظر هذا الإنسان، لأنه لا يحسن ظنه برب الجنان. و يصبح يرى الضرر في كل شخص أو شيء، فيعيش في دوامة دائمة من الشك والقلق. لذلك، كل أنواع الاضطرابات تصاحبه لعدم إحساسه بالاطمئنان الذي يحس به المتوكلون على الله. فكل واثق بالله يعيش في جو مليء بالراحة، وينعم بصحة جيدة، لأنه يتوكل على ربه في جميع الحالات، فيتخذه وكيلا. وليس هناك ما يمكن أن يرهب ويرعب شخصا يعلم أن الله هو الخالق. فحسن ظنه بالله واعتماده عليه في شتى المواقف، يجعلانه يعيش في سلام تام دعما من قدرة الله المطلقة. ويتخذ ركنا في حياته ألا وهو اليقين في أن كون الأشياء تحدث بإرادة الله.
إن كثيرا من ذوي الإيمان الضعيف، يجهلون كثيرا من الحقائق ويصبح الضعف ميزتهم في ميادين عديدة. لأنهم يعتقدون خطئا أنه هناك حدود لصبر وتسامح الإنسان. خاصة في الحالات التي تكون فيها الظروف صعبة، أو في موقف يرفضه. لا يعيبون ردة فعله الصارمة على قضاء ربه. و هذا في الواقع، سلوك من السلوكيات الغير المستقرة و حالة شاذة إن صح التعبير.
ومع ذلك، فالسبب مشترك وراء هذا السلوك () ويمكن إيجاده في أمثلة عديدة، لأنه لا يمثل إلا نقصا في الثقة بالله. وهذا يدل على ضعف ونقص في إيمان المرء بربه. فكل شخص صادق ذو إيمان عميق بالله، يطيع ربه ويتوكل عليه. وهذا ما يجعله يشعر أنه أدى ما عليه فيكون قوي القلب بقوة الله عز و جل.
يخضع الله الناس إلى ابتلاءات مختلفة. على سبيل المثال، يختبرنا بالموت، و المرض، أو بخسارة وضياع ما نعزه من الممتلكات. فيعرضنا لصعوبات كفقدان أقربائنا أو حدوث حادث لم يكن في الحسبان. فمواجهة مثل هذه المواقف والحالات، تتركنا نسلم بوجود قدرة وحكمة ربانيتين في كل حادث. و بوضعنا كل الثقة بالله، نتمكن من مواجهة كل موقف بحزم. نحتاج أيضا في مواجهة هذه الحوادث، إلى مبادئ الرسول الأخلاقية وإلى طاعة الله التامة. فيأمرنا تعالى في كتابه الكريم : "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ" سورة الشعراء- آية 217
لا وجود لشيء يعيق إنسانا يطلب مباهج الآخرة الخالدة، ولا حتى مصالح الدنيا الفانية. فإذا ما عانى شخص من الخوف أو القلق اللذان لا يمثلان سوى مشاعر مرتبطة بفقدان شيء. وهذا الشيء لا يمثل إلا ارتباطا بهذه الدنيا الفانية. ومع ذلك، فإذا كان شخص ممن يضع ثقته بربه يريد تحقيق رفاه لا حصر له، مع خضوعه لأوامر ربه وطاعته وكسب رضاه. اختيار هذا الشخص لحياة الآخرة الأبدية يسهل عليه التحكم في قلبه ورضاه عن نفسه.
فالمسلمين الذين تخلقوا بأخلاق القرآن الكريم، هم أشخاص طاهرون ممن يتوكلون على الله في كل الأوقات وجميع الظروف. لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا له ولا يطلبون حوائجهم إلا منه ولا يرغبون إلا إليه ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه المتصرف في الملك لا شريك له ولا معقب لحكمه. هم في الواقع، تعرضوا لكل أنواع الظلم والاضطهاد والتعذيب الجسدي واللفظي. تعرضوا لابتلاءات شتى، ورغم ذلك عاشوا بكل حماس ومثابرة. و الحق سبحانه أشار إلى كمالهم الأخلاقي في القران الكريم في قوله: {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا و لنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون} سورة ابراهيم الآية: 12
وهذا السلوك النبيل المتجلي في التوكل على الحق سبحانه، يستحق أن يقتدي به كل مؤمن. فكل من يواجه أحداث غير متوقعة تعيقه عن تحقيق غاية من الغايات، أو من يعيش في كثير من النعم الميسرة، يتطلع إلى الله بنفس الإخلاص والمحبة. وكل منهم يتذوق نفس معاني الفرح والسلام.