على الرغم من أن الخوف الذي عرف بـ «الإسلاموفوبيا» قد ظهر في جميع أنحاء العالم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2011، إلا أن جذور هذه الظاهرة تعود إلى الحملات الصليبية أو في وقت أسبق من هذا.
انتشر الإسلام الآن عبر أنحاء العالم، ويمثل المسلمون نحو 6% من سكان أوروبا، وبلغ تعدادهم أكثر من 45 مليون مسلم. وبحلول عام 2050، سيشكل المسلمون نحو 10% من سكان أوروبا. وبحلول عام 2100، سيتجاوز المسلمون عدد المسيحيين في العالم، وفقا لمركز بيو للأبحاث.
ومع ذلك، فإن السبب الحقيقي وراء صعود الإسلاموفوبيا هو الجماعات الإرهابية المتطرفة التي خرجت إلى النور تحت راية الإسلام. هذه الحركات المتطرفة بعقليتها المنحرفة، ابتعدت كثيرا عن جوهر الإسلام وتسببت في وجود الخوف والكراهية تجاه الإسلام.
ولعبت الدوائر المختلفة التي تعارض الإسلام دورا فعالا في خلق هذا الخوف بداخل عقول الشعوب، وأدى ذلك عمليا إلى صناعة الإسلاموفوبيا، ويتضمن ذلك الأنشطة والنقاشات التي تدار حول هذا الموضوع، بالإضافة إلى ظهور الأمن والمخابرات وكل هذه الأجهزة التي تكلف تريليونات الدولارات.
وفي السياق نفسه، فإن مفهوم «الإسلام الإرهابي» في كل مجالات الحياة الاجتماعية تقريبا بالإضافة إلى فكرة الغرس المتعمد لمفهوم الإسلاموفوبيا في المراكز السياسية للعالم، يهدفان إلى منع صعود العالم الإسلامي الذي يمتلك مراكز قوة اقتصادية ومالية وموارد طاقة رئيسة، ويمتلك كذلك ثروات كبيرة تحت الأرض.
وكانت السياسات التي تبنتها الحكومات الغربية خاصة في أعقاب سبتمبر 2011 والتي استهدفت المسلمين بشكل عام، بالإضافة إلى القوانين التي مررت في هذا السياق، من العوامل التي أسهمت في تسارع نمو ظاهرة الإسلاموفوبيا.
ولعب التيار اليميني المتطرف دورا رئيسا في تشجيع المعارضة للإسلام. وتستخدم هذه الأحزاب خطاب الإسلاموفوبيا من أجل جمع أصوات الناخبين، وبذلك تصبح أقوى بفضل هذا الخطاب.
وتمثل أحزاب على غرار الحزب الوطني الديمقراطي في ألمانيا والجبهة الوطنية في فرنسا وقائمة بيم فورتاين في هولندا، بالإضافة إلى رابطة الشمال في إيطاليا وحزب الحرية في أستراليا، وكذلك حزب الدنماركيين في الدنمارك، بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة والتي تحظى بحصة كبيرة من الأصوات في أوروبا. وتستهدف هذه الأحزاب المسلمين المهاجرين على وجه التحديد، وبالتالي فإن المسلمين المهاجرين عليهم أن يقاوموا ضد الإكزينوفوبيا والإسلاموفوبيا أيضا.
وهذه العقلية الإثنية التي تعد المهاجرين مجرد غرباء وتستبعدهم وتحتقرهم وتجعلهم عرضة للاعتداءات النفسية والجسدية بسبب الاعتقاد بأن المهاجرين يشكلون خطرا على حياتهم الثقافية والاجتماعية، هي عقلية آخذة في النمو والاطراد في كثير من الدول الأوروبية.
لذلك، فإن هجمات على غرار الضرب الجسدي ورشق المساجد وأماكن العمل بالحجارة وإلقاء قنابل المولوتوف، وضرب أصحاب العمل والعاملين، بالإضافة إلى رسم الصلبان المعقوفة وكتابة الشعارات المهينة على الجدران وتخريب المقابر والاعتداء على البيوت وكذلك تعرض الأسر للضرب والتهديد والتحرش اللفظي، كل ذلك يمثل بعض الأشياء التي يتعرض لها المسلمون كثيرا في أوروبا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المسلمين وكما هو الحال مع المهاجرين الآخرين، قد تركوا منازلهم ويسعون إلى الاندماج في الدول التي ذهبوا إليها، ويقومون بمساهمة اقتصادية كبيرة في مجتمعاتهم الجديدة.
إن التمييز والعداء اللذين يتعرضون لهما يتناقضان بالتأكيد مع حقوق الإنسان والديمقراطية الحديثة، فضلا عن كونهما ظالمين ومتعصبين.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ أن ننظر إلى الكراهية والعداء تجاه الإسلام والمسلمين في أوروبا باعتبارهما ضمن تصنيف واحد، فثمة من يرى أن المسلمين يأخذون الوظائف والمزايا الأخرى من المواطنين في الغرب، ويوجد أولئك الذين يلعبون بشكل متعمد على هذه المخاوف من أجل تشجيع الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، كما أن هناك من يعتقدون أن تزايد أعداد المسلمين في الغرب من شأنه أن يقضي على المسيحية ويقوض الثقافة الغربية. وأخيرا يوجد أولئك الذين يساوون بين الإسلام والإرهاب والتطرف، كل هؤلاء يجب أن ينظر إليهم على حدة.
يوجد طريق واحد فقط للتغلب على كل هذه المخاوف، وهي أن يشرح المسلمون الحقيقيون معتقدهم والتحلي بالصبر والاعتدال عند أداء هذه المهمة، عليهم أن يشرحوا ويظهروا أن الإسلام بريء من كل هذه الأكاذيب، وأنه لا يتعارض مع العالم الحديث ومتوافق مع العلم والديمقراطية والمنطق، كما أنه مستنير وتقدمي ويعارض الإرهاب ويأمر بالحب والإخاء والسلام.
يجب على المسلمين توضيح أنه ليس لديهم أي نية لتقويض المسيحية وأن القرآن يمتدح المسيحيين. يجب عليهم توضيح أن العقلية التي تتوافق مع الهجمات الإرهابية والذبح والانتحار، وتتعارض مع الفن والعلوم وسائر الجمال وتعادي معتقدات الآخرين، يجب عليهم توضيح أن كل هذه الأمور ليست مستمدة من الإسلام بل من المتعصبين المضللين. تحت تأثير هذه الأقلية المتعصبة، يتصور الغرب أن الإسلام يرفض المنطق والتسامح والحداثة ويدعو إلى الإرهاب والتطرف، ويتصورون أن القيم الإسلامية لا تتفق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لذا، يجب على المسلمين الانخراط في حملات منظمة لرفع الوعي، وعليهم أن يضعوا في اعتبارهم أن المعلومات الخاطئة ربما تكون هي السبب الرئيس وراء الإسلاموفوبيا، إذ إن معظم من يخشون من الإسلام يعرفون القليل للغاية عنه، كما أن أغلب ما يعتقدونه عن الإسلام أمور غير حقيقية. إن الغرب الذي يفتخر بالأهمية التي يعلقها على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكيف يتعامل مع جميع المعتقدات على حد سواء، عليه مسؤولية كبيرة أيضا. أول ما يحتاج إليه الغرب هو اتخاذ تدابير قانونية ضد الإسلاموفوبيا والأنشطة العنصرية الأخرى، يجب اعتبار الإسلاموفوبيا جريمة كراهية كما هو الحال مع معاداة السامية.
يجب أن تكون أولوية الغرب الآن هي مسألة تنمية وعي ثقافي قائم على الحب والاحترام والصداقة والأخوة، دون احتقار للغرباء والآخرين، يجب على الدول الغربية والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني أن توضح مدى حساسية هذا الموضوع. إنه أحد أكثر الأمور إلحاحا فيما يتعلق بالسلام العالمي عندما نتحدث عن ضرورة وضع قوانين جديدة، أو مدى أهمية تنمية وعي الجمهور حتى تتحرر الأجيال القادمة من هذه التحيزات.