ماذا سيجلب الاستفتاء إلى الأكراد؟
ucgen

ماذا سيجلب الاستفتاء إلى الأكراد؟

2507

في بلد يحتضن أبناء عدد كبير من العقائد والإثنيات المختلفة، يستجلب كل انفصال مشكلات جديدة وكبيرة. إذ إن تعرّض السلامة الإقليمية لأراضي العراق لأي خطر سوف يتسبب في معاناة الأكراد. وليس ما تحتاجه بلاد الشرق الأوسط هو رسم حدود جديدة بين الناس، بل تعزيز الصداقات والمحبة والأخوة فيما بينها، وهذا هو السبب الذي يجعل من الحفاظ على السلامة الإقليمية للأراضي السورية والعراقية أمرًا ضروريًا.

ففي جلسة حضرها 65 عضوًا برلمانيًا من أصل 111 عضوًا، قرر برلمان إقليم شمال العراق -الذي كان مغلقًا منذ عامين- إقامة «استفتاء على الاستقلال» في الخامس والعشرين من سبتمبر 2017، توجَّب على المقترعين من أهالي الإقليم الإجابة على سؤال يقول: «هل تريد أن يصبح إقليم كردستان والمناطق الكردستانية خارج الإقليم دولة مستقلة؟» وقد صوت 92% منهم بـ «نعم»، بيد أنه قبل أيام قليلة من الاستفتاء، كانت أحزاب المعارضة، وعناصر إثنية مختلفة في المنطقة مثل التركمان والعرب، واليزيديين في سنجار ونينوى، بل وأيضًا نسبة معتبرة من الأكراد الذين صوتوا لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني -الذي يقوده البرزاني- أعربت جميعها علانية وعلى نطاق واسع عن رفضها للاستفتاء، كما دشن بعض الساسة الأكراد والمنظمات غير الحكومية حملة رافضة للاستفتاء تحت شعار «ليس الآن». وكان الرأي الشائع يدور في إطار أن الاستفتاء لن يجلب أي منفعة جديدة للمنطقة، بل إنه على النقيض من ذلك سوف يؤدي إلى إثارة التوتر والصراعات.

في واقع الأمر، وصفت الحكومة المركزية في بغداد قرار الانفصال بغير الدستوري وغير الشرعي. وقد وصف نوري المالكي، النائب الأول لرئيس الجمهورية العراقي، الاستفتاء غير القانوني الذي أجرته حكومة إقليم كردستان بأنه «إعلان حرب على وحدة الشعب العراقي». لم تعبر المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ولا الدول النافذة في المنطقة، مثل روسيا والولايات المتحدة، عن دعمها للاستفتاء. كما عبرت أيضًا تركيا وإيران -وهما دولتان رئيسيتان في المنطقة وجارتان لإقليم شمال العراق- عن معارضتهما للاستفتاء معربتين عن قلقهما المشروع.

وعلى الرغم من جميع التحذيرات، كانت إدارة البرزاني مصرة على المضي قدمًا في قرارها بإجراء الاستفتاء. ويبدو أن القرار الذي اتخذ بدون استشارة تركيا أو الالتفات إلى النقد الذي وجهته إلى هذا القرار، وهي الدولة التي تقدم الدعم المالي لحكومة إقليم كردستان حتى تُدفع رواتب قوات البيشمركة ومسؤولي الحكومة، فضلًا عن تقديمها التدريبات العسكرية والمعدات إلى قوات البيشمركة، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الحكومة ولحماية البرزاني نفسه.

وعلى عكس ما جرى اقتياد الشعب من أجل تصديقه، لن يجلب الاستفتاء أي استقلال: بل على النقيض من هذا، سوف ينتج عنه خسارة الإنجازات الموجودة بالفعل في الجزء الشمالي من العراق، والأسوأ من هذا أنه سوف يمهد الطريق أمام صراعات جديدة في منطقة الشرق الأوسط المضطربة دائمًا، ففي ظل الظروف الحالية، لا تملك إدارة البرزاني القوة السياسية الكافية.

إذ إن التوترات التي سوف تزداد حدتها على الأرجح في أعقاب الاستفتاء قد تشكل تربة خصبة من أجل الإطاحة بحكومة البرزاني. وبعد الإطاحة بالبرزاني، من المعقول أن ينتقل حكم المنطقة إلى جماعة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، مثلما فعلت في شمال سوريا. فأي دولة شيوعية تؤسس من خلال دمج شمال العراق وشمال سوريا تحت حكم حزب العمال الكردستاني سوف تستبد بالسكان الأكراد المسلمين قبل أي طرف آخر. فوق كل هذا، إذا تأسست دولة شيوعية شبيهة بشمال كوريا في الشرق الأوسط، فسوف تعرض جميع الدول المسلمة لخطر كبير.

لا شك أن الأمة الكردية تحملت ابتلاءات بشعة خلال فترات عديدة عبر التاريخ، ولا سيما تحت حكم صدام حسين، بيد أن معالجة الجروح التي خلفتها هذه الصور من المعاناة كي يصلوا إلى المستقبل الباهر الذي يستحقونه لن تحدث من خلال حصر أنفسهم داخل قطعة أرض صغيرة. وبدلًا من أن يكونوا دولة صغيرة وصيدًا سهلًا ينتظر ابتلاعه، عليهم أن يتصرفوا برشدٍ وأن يفعلوا الشيء الصحيح من خلال العمل متحالفين مع البلاد المسلمة، وقبل أي شيء، مع تركيا التي طالما وقفت بجوارهم في كل أوقات المحن، ومن ثم سيكونون جزءًا من تحالف قوي.

http://www.raya.com/news/pages/be3331b0-a05a-4ea9-8615-a7ecc611276e

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo