هارون يحيى
منطقة الشرق الأوسط هي أرض الحضارات والتي ظلت لفترة كبيرة موطنًا لدول وإمبراطوريات لا تُعد ولا تُحصى، وهي مهد الديانات السماوية الثلاثة. تُعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من المناطق ذات الأهمية الكبرى في العالم، ويمكن أن نطلق عليها قلب العالم إن جاز التعبير، وقد أخذت هذه المنطقة على عاتقها الدور المحوري فيما يتعلق بالجوانب السياسية، والاستراتيجية، والاجتماعية، والاقتصادية وذلك على مدار التاريخ، وكانت هي أيضًا بمثابة الجسر الذي انتشرت وتطورت من خلاله النظم الثقافية والعقائدية.
ونظرًا لموقعها الجغرافي الذي يُوحد بين الشرق والغرب، وبين البحر المتوسط والمحيط الهندي، وبين روسيا والبحار الدافئة، هذا بجانب المواد الاستراتيجية التي تمتلكها المنطقة مثل البترول، والغاز، والماس، والذهب، واليورانيوم، فإن منطقة الشرق الأوسط تمتلك أهمية كبيرة وأصبحت بمثابة الهدف الرئيسي لتلك القوى الخفية الغامضة التي تسعى للهيمنة على العالم عبر التاريخ. وهي تلك القوى المعروفة من خلال دعمها للأعمال الإرهابية، واتباعها لاستراتيجيات الحرب النفسية، ودعمها للمنظمات غير القانونية، والأنشطة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية غير الشرعية. تسعى تلك القوى إلى تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وبسط السيطرة عليها من خلال تدمير عناصرها الطبيعية، وهو ما سوف يساهم بالتالي في وصول تلك القوى لموارد المنطقة بكل سهولة وهو الشيء الذي من شأنه تعزيز تواجد تلك القوى في المنطقة.
تُخطط أيضًا تلك القوى الغامضة إلى تقسيم المنطقة لدويلات صغيرة قدر الإمكان لإضعاف وزعزعة استقرارها، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُفقد المنطقة سلامتها، وأن تتحول لمجرد رُكام من الدول الخَربة المُدمرة، ومن ثم إبعاد شعوب المنطقة عن الدين واستحداث شرق أوسط جديد بدون الإسلام.
على الجانب الآخر، فقد أغفل واضعو تلك الخطة أمرًا وحقيقة حاسمة للغاية، وهي أن الشرق الأوسط - ومنذ آلاف السنين - قد عُرف بالأديان، وديانة الإسلام على وجه الخصوص. الدين هو العنصر الوحيد الذي جلب أنجع الطرق للحياة في هذه المنطقة الواسعة. في الواقع، فإن منطقة الشرق الأوسط هي موطن الأديان، وقد شُكّلت المنطقة منذ آلاف السنين بواسطة الدين. لذلك، فالإقرار بأن أهمية المنطقة على المستوى العالمي تنبع من موقعها الجيوسياسي، أو الجيوستراتيجي، أو بسبب مواردها أو خصائصها السياسية هو أمر يشوبه النقص. يجب التذكير دائمًا بأن المنطقة – وذلك إن جاز التعبير – هي عنوان وتجسيد للديانات السماوية الثلاثة الكبرى في العالم.
الشرق الأوسط، حرفيًا، هو بمثابة "جغرافيا للأديان"، فقد حدث امتزاج واختلاط بين الشرق الأوسط والأديان بطريقة يمكن من خلالها أن نرى انعكاسًا لهذا التوصيف في كل دولة من دول المنطقة. فالشرق الأوسط هو مهد الديانة المسيحية - التي شكّلت الأساس لقيام الحضارة في الغرب - وهو أيضًا المكان الذي انتشرت منه المسيحية لباقي أنحاء العالم. وبالإضافة إلى المسيحية، فإن الشرق الأوسط أيضًا هو مهد الديانة اليهودية والتي يدين بها ما نسبته 4% من مجموع سكان المنطقة.
وبالطبع، فإن الإسلام هو الديانة المُهيمنة على معظم دول المنطقة. على سبيل المثال، فإن نسبة 95% من سكان قطر يدينون بالإسلام، و99% من سكان السعودية يدينون بالإسلام. علاوة على ذلك، فإن تعداد المسلمين يصل إلى ما نسبته 99.5% في إيران، و99.7% في أفغانستان، 99% في العراق واليمن.
وكون الإسلام الديانة المُهيمنة على المنطقة منذ القرن السابع، فقد تجلى صدى الدين الإسلامي على جميع مناحي الحياة اليومية بما في ذلك السياسة، والاقتصاد، والقانون، والثقافة، والعلوم، والفنون، والتعليم. يستند كل شيء في منطقة الشرق الأوسط على التقاليد الإسلامية. وعلى الأغلب، فإنه يمكن تمييز وتوصيف المنطقة عن طريق الإسلام.
الابتعاد عن الإسلام هو بمثابة الكابوس بالنسبة لشعوب المنطقة. ولهذا السبب، فإنه لمن غير المُجدي إقناعهم بوضع الدين جانبًا من أجل بعض الوعود والمكاسب الاقتصادية أو السياسية. في الواقع، فإن واحدة من أبرز السمات لشعوب المنطقة هي إخلاصهم لدينهم. فقد عاش هؤلاء البشر مخلصين لدينهم للعديد من القرون، وقد حافظوا على إيمانهم تحت أقصى الظروف ومُختلف المناخات حتى يومنا هذا. فتصور منطقة الشرق الأوسط بدون الدين، بدون الإسلام، هو أمر بمثابة الوهم الذي لن يتحقق أبدًا. بمعنى آخر، فإن فكرة "شرق أوسط بدون الإسلام" وبالتالي "عالم بدون الإسلام" – وهي الفكرة التي تسعى وراءها تلك القوى الغامضة منذ العديد من السنوات – هي جزء من خطة واهية وغير مُحكمة، وغير واقعية، وبالتالي فمن المستحيل الوصول إليها.
وبالإضافة إلى الأوصاف الجغرافية المختلفة لمنطقة الشرق الأوسط، فإنه لمن الضروري ذكر تلك الأمور التي تتعلق بالتاريخ والثقافة المشتركة التي تتقاسمها شعوب المنطقة، فضلًا عن المصير المشترك. يعتمد نجاح أو فشل تلك الخطط الهدامة – والتي تم إعدادها منذ سنوات عديدة وهناك محاولات لإدخالها حيز التنفيذ هذه الأيام – على تعزيز هذه القواسم المشتركة بين الشعوب. ينبغي على شعوب المنطقة ألا تُستفز بواسطة القوى الخارجية، ينبغي عليها ألا تصبح بيدقًا أو أداة للعنف والصراعات التي تعصف بالمنطقة، من الواجب عليهم – شعوب المنطقة – بذل الكثير من المحاولات لتخطي تلك الأفخاخ التي نُصبت لهم.
دفع ملايين البشر حياتهم ثمنًا للاضطهاد المستمر في المنطقة على مدار قرن من الزمان. واليوم، فلا يوجد مكان في المنطقة لا تعصف به الصراعات. وبمناسبة مرور 6 سنوات على بدء الحرب الأهلية فيها، فقد لقي ما يقارب من 250 ألف شخص مصرعهم في سوريا. وفي أثناء تلك المحاولات لمحو هذه الأمة من على وجه الأرض تمامًا، فإن ما تبقى هو بلد خرب مُدمر تتقاتل فيه العديد من القوى المتناحرة. شُرد ما يقرب من 400 ألف ليبي في جميع أرجاء البلاد نتيجة الصراعات المحتدمة منذ سقوط نظام القذافي في ليبيا والحرب الأهلية التي حدثت بعد ذلك. والآن، فقد قُسمت اليمن تمامًا نتيجة الصراعات المُحتدمة بين قوات الحوثي الشيعية وإدارة البلاد السنية. أدت الصراعات المذهبية في العراق إلى فقدان أكثر من 15 ألف شخص لحياتهم، من بينهم الكثير من المدنيين.
إنه لمن المستحيل تفشي هذه الآفة في المنطقة إذا ما تخلت شعوب المنطقة عن الصراعات، والتوحد لإحلال السلام والأخوة في المنطقة. وبالإشارة إلى حقيقة أن الدين هو العنصر المُوحد للشرق الأوسط، فإنه من الواجب على المنطقة المحافظة على مكانتها كجزء من ذلك العالم الذي تستطيع خلاله جميع طبقات المجتمع – بمختلف الديانات والمذاهب – التعبير عن معتقداتهم بحرية تامة، وهو أيضًا ذلك المجتمع الذي تتمكن فيه كل مجموعة من الدفاع عن معتقداتها، وقبل كل شيء احترام المختلفين معهم في المعتقدات. ينبغي على الجميع الاتحاد تحت مُعتقد وحدانية الله وتجنب حدوث الدمار في المنطقة.
هناك ضرورة مُلحة لخلاص منطقة الشرق الأوسط مما هي عليه الآن والتي تتلخص في بناء ذلك المجتمع القائم على الأخوة، والصداقة، والتسامح، والتعاطف، وهي تلك القيم التي تحثنا عليها جميع الأديان. ليس هناك مجال للشك أو النقاش بأن ذلك المجتمع الذي تسوده المحبة والقائم على الدين سيكون هو الركيزة الأساسية لتعزيز قوة الشرق الأوسط.