مثلمَا هو معرُوف ظلّت العراق وسُوريا في فوضى عارمة طيلة أربع سنواتٍ كاملةٍ، ولم يتدخّل التحالف الدولي، لكن في السّنة الماضِية عندما أصبحت كوباتي هدفًا لتنظيم الدّولة هبّ التحالف على جناح السّرعة، وتمّ مد وحدات حماية الشّعب الكرديّة بالسّلاح.
وفي الفترة نفسها عبرَ إلى تُركيا المُجاورة لكوباني في يوم واحد حوالي 250 ألف مواطن كرديّ، ولكن بالرّغم من ذلك فقد تمّت مُمارسة ضغط شديد على تركيا من قبل المُجتمع الدّولي. بيد أنّ تركيا أبدت موقفًا قويّا من مسألة تزويد هذه الوحدات بالسّلاح، إذ هي تُعدّ الفرع السّوري لحزب العمال الكردستاني.
وفي الفترة نفسها كنّا نبهنا إلى أنّ وحدات حماية الشّعب الكرديّة تُعتبر أكثر خطرًا من كلّ الجماعات المسلحة في سُوريا. والولايات المتحدة الأمريكية ربّما غير مُدركةٍ أنّها بعملها هذا تدعم منظّمة شيوعية إرهابيّة. وبالرّغم من هذه التحذيرات فإنّ مُقاربة الولايات وقوات التّحالف الأخرى في هذا الشأن لم تتغيّر شيئًا خلال العام الماضي .
قوات التّحالف تقول إن هناك اعتداءات من تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الطّريقة الوحيدة التي تم التعامل بها مع الموضوع هي إلقاء القنابل والقصف من الجوّ، قوات حماية الشعب الكردية تسخدم الشّفرة نفسها، وهي تحسن استخدامها جيّدًا. وكلّما تقدّمت في منطقة إلا واستخدمت هذه الذّريعة ثمّ تطلُب من قوات التّحالف قصف تلك المواقع، وبهذه الطّريقة تتمكّن من كسب مزيد من الأراضي.
وبما أنّ الإعلام العالمي ينقل الأحداث على هذا النّحو فإنّ ما تقوم به هذه الوحدات يُصوّر على أنّه نصرٌ، أمّا المدنيّون الأبرياء العُزّل الذي يُعانون الأمرين بسبب ممارسات القوات الكردية فيتم تجاهلهم بشكل كامل. وفي الوقت الحاضر يتكرّر نفس السّيناريو في منطقة تلّ أبْيض، ففي يوم واحد عبر إلى تركيا نحو 15 ألف لاجئ، والسبب هو هجمات الوحدات الكردية. ومن جديد تم استخدام ذريعة "داعش" لتبرير ما يحدث؛ طائرات قوات التحالف تحولت إلى كابوس على رؤوس الأهالي في تلّ أبيض.
الشّيء الذي الذي يثير الاسغراب في هذا الأمر أن هذه المنطقة كانت تحت سيطرة تنظيم الدّولة الإسلامية لمدة عام كامل، والشيء الوحيد الجديد في المنطقة هو أن وحدات الشعب الكردية وقصف قوات التّحالف حوّلا حياة أهالي المنطقة إلى كابوس ورُعب .
لاشك أنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال تأييد وتصويب ما يقوم به تنظيم الدّولة الإسلامية على الحدود السّورية والعراقية من عنف وإرهاب، لكن ما ينبغي التّنبيه إليه هنا هو استخدام وحدات الشّعب الكرديّة لورقة "داعش" لتبرير أعمالها. والمسألة الأشدّ خطورة في كلّ هذا أن هناك جهات في الدوائر الأمريكية تسعى إلى مساعدة الأكراد في إقامة كردستان الكُبرى، وهو الحلم الذي ظلّ يراودهم منذ 100 عام.
تصريحات الأهالي البُسطاء الذين فرّوا إلى الأراضي التّركية من منطقة تل أبْيض تحمل دلالاتٍ مختلفة تمامًا؛ خَلَفْ درويش لجأ مع أطفاله الثّمانية إلى تركيا، وقد لخّص الوضع على النّحو الآتي: لقد توقّفت الحياة هناك، طائرات التّحالف تقصف بلا هوادة، وقد فررنا إلى الحدود من أجل النجاة بأرواحنا "ليس لنا إلا الله ثم تركيا...، ونحن نشكر جميع المسؤولين لأنهم قبلوا استقبالنا".
أما جَلال الذي هرب من قرية سلُود الواقعة شرق منطقة تل أبيض فصرّح بالقول: "كان الأمريكيون يردّدون أنهم لا يقتلون المدنيّين، لكن النّاس في منطقة "سلوك" يُقتلون، وقد ذكر أنّ عائلتين مجاورتين له متكوّنتين من 12 فردا قضَتا في هذا القصف"1.
وقال جمعة أحمد أحد التركمان القاطنين في المنطقة أن وحدات حماية الشعب الكردية قدِمت واستولت على بيوتهم وأغراضهم وأحرقت وثائقهم الشّخصيّة، وقالوا إنّ المنطقة ملك لهم، وأضاف: "لقد أجْبرونا على ترك قرانا وقالوا لنا من الآن فصاعدًا هذه القرية اِسمها الحقيقي "روجوفا"2.
منظّمة العفو الدوليّة في تقريرها عن "سِنجار" كشفت أن حزب العمال الكردستاني اِرتكب جرائم شاملة في المنطقة، كما بينت المنظمة أن العناصر المسلحة لحزب العمال الكردستاني دخلت القرى العربية وقتلت القرويّين دون استثناء، نساء وأطفالاً. واتهمت الأهالي بتقديم الدعم لتنظيم الدّولة الإسلامية، وقامت بجمع الرّجال في ساحات القرى أمام أعين أُسرهم وعمدت إلى تصفيتهم، وكل من يقف ضدهم إمّا أن يقتلوه أو يتم اعتقاله. وبالنسبة إلى النّساء اللاّتي تم اِعتقالهن فإنّهن اِختَفين ولا يُعرف عنهنّ شيئًا.
حزبُ العمّال الكُردستاني، هذه المنظة اللينينيّة الإرهابية يُمارس القتل في تركيا منذ 40 عاما تقريبًا، وقد شرع في انتهاج سياسة التّطهير العرقيّ نفسِها في تلّ أبيض بسوريا.
في الوقت الحالي تغضّ قوات التحالف الطرف عمّا تقوم به هذه المنظمة الإرهابية، وتمطر الأهالي بالقصف وتعمل على تسهيل سيطرة وَحدات حمايةِ الشّعب الكرديّة على المنطقة.
وهكذا يكون الهدف المتمثل في إقامة 3 كنتُونات كرديّة المُخطط له منذ وقت بعيد في طريقه إلى التحقق بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. وهو خطوة أولى من أجل إنشاء دولة كرديّة على الحُدود التّركية، وهذه الدّولة الكرديّة لن تكتفي بزرع الرّعب في المنطقة بل سوف يمتد شرّها في نشر النّموذج السّتاليني الشّيوعيّ لتشمل منطق كثيرة من العالم.
عجبًا، لماذا قاتلت الولايات المتّحدة الأمريكية سابقًا في الفيتنام وفي كوريا؟ ماذا كان الهدف من الحرب الباردة مع روسيا السّوفياتية؟ هل تخلّت الولايات المتحدة الأمريكية عن جميع قيمها بعد أن خاضت صِراعًا وجوديّا مريرًا مع الشّيوعية من خلال صُنعها بيديهَا لهذه الدّولة الشيوعيّة؟
نأملُ ألاّ تصحّ توقّعاتنا، ونأمل ألاّ تعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحويل أراضيها والعالم أجمع إلى قطعة من الجحيم من خلال تنفيذ هذا السّيناريو.
في هذا الصّدد نودّ أن نذكر بالحقيقة التالية؛ لا شكّ أن تنظيم الدولة الإسلامية يُمارس أعمال عنف إرهابيّة غير مقبولة تماما، لكن هذا الأمر ينبغي ألا يصرف نظرنا عن الخطر الحقيقي المتمثل في مخططات حزب العمال الكردستاني، فمثلما فعل في كوباني سوف يمدّ الآن بَصرهُ إلى كلّ من حماة وحمص وحتى الشّام، وإذا حدث هذا فإنّنا سوف نكون إزاء مشهد أكثر بشاعةً ممّا رأيناه في كوباني.
عند الأخذ في الاعتبار هذه الحقائق يُصبح من الضّروري إخراج وحدات الشّعب الكردية من المنطقة وطردُهم من هناك، وتسليم زمام الأمور في المنطقة إلى مجموعات أكثر اِعتدالاً مثل الجيش السّوري الحر.
إنّ مقترحاتنا للولايات المتحدة الأمريكية ولقوات التّحالف هو تقييم الموقف المتعلّق بالخطر الذي يمثله حزب العمال الكردستاني بالتّعاون مع تركيا التي لديها تجربة كبيرة في هذا الخصوص. وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تُدرك أنّها بدعمها لحزب العمال الكردستاني تقوم بإنشاء كورية شماليّة جديدة في المنطقة.
حزب العُمال الكردستاني سوف يستخدم جميع الطّرق ويستخدم كلّ أنواع العنف والإرهاب حتى يحقّق هدفه المتمثل في إقامة دولة شيوعيّة. وعلى الولايات المتّحدة أن تنتبه لهذا الأمر. آمال هذا الحزب خابتْ في تركيا، ولذلك وجّه اهتمامه لتنفيذ خططه في سوريا، لكن المؤسف أن ذلك يتم بمساعدة من الولايات المتّحدة الأمريكية نفسها.