دخل الاتفاق التركي-الأوروبي لمعالجة أزمة اللاجئين رسميا حيز التنفيذ الأسبوع الماضي . وبناءا علي هذا الاتفاق فان اللاجئين اللذين يدخلون الاتحاد الاوروبي عن طريق اليونان وبشكل غير قانوني سوف يتم ارجاعهم الي تركيا. وبالنسبة لكل سوري يقيم حاليا في مخيمات لجوء تركية سوف يعاد توطينه في دولة اوروبية . ويبدو ان الجانب الأكثر قلقا في هذا الاتفاق هو ذلك المتعلق باللاجئين الغيرسوريين واللذين يحظر دخولهم مطلقا الي الأتحاد الاوروبي . ولان 40 بالمائة فقط من اللذين يصلون الي دول الاتحاد الاوروبي ، هم سوريون ، فان استثناء اللاجئين العراقيين والسوريين يمثل في حد ذاته ازمة خطيرة تكاد لا تذكر بالمرة .
فالامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان تعارضان تفاصيل الاتفاق. فما تردد دول الاتحاد الاوروبي ازاء ازمة اللاجئين والاهتمام فقط ببعض السوريين في هذا الاطار ، وارجاع اولئك اللذين وجب عليهم الهجرة من بلاد اخري ، يعتبر بحد ذاته صورة مزعجة.
ان الأتحاد الاوروبي لديه عدد من السكان يفوق ال 500 مليون نسمة بنسبة ناتج محلي اجمالي للفرد تقارب ال $27,000.. فتركيا وحدها والتي يصل عدد سكانها الي 75 مليون نسمة ، لديها ناتج محلي اجمالي يقدر ب $9,000 . اذا افترضنا ان مليون لاجئي تقدموا بطلبات تأشيرة دخول الي الأتحاد الاوروبي ، فان هذه النسبة اجمالا لا تمثل سوي اقل من 0.2 بالمائة من مجموع سكان دول الاتحاد الاوروبي كافة. لم تسمح حكومات الاتحاد الاوروبي بدخول سوي 800 تركي منذ شهر يناير 2016. اما تركيا والتي يعتبر عدد سكانها سبع عدد سكان دول الاتحاد الاوروبي، فانها وحدها تستضيف علي اراضيها وبشكل رسمي ، 2.7 مليون لاجئي سوري.
هل يمكن لسوريا ان تبرم اتفاقا اكثر انسانية ؟ من المحتمل انه عندما يؤخذ التردد الاوروبي تجاه اللاجئين بعين الأعتبار، فان الاتفاق المبرم يعتبر ذات اهمية قليلة نسبيا لجعل الاتحاد الاوروبي يدخل المعادلة حتي لو بحاسبات مالية كبيرة .في الحقيقة ، لطالما نأت الواقعية السياسية الأوروبية بنفسها عن المشكلة وادعت بانها لم توجد اصلا.
لقد باتت اوروبا تدرك بأن العالم اليوم لم يعد هو نفس العالم في الماضي، فالمشاكل لم تعد تهم العالم الأسلامي وحسب ، بل العالم بأسره. من المؤكد ان تلك المشاكل سوف تتفاقم بأشكال متعددة ان استمرت الدول في حماية حدودها واراضيها فقط، عوضا عن حماية "بني البشر"
ان ما لابد مناقشته الان هو طبيعة الدور الذي ممكن ان تضطلع به تركيا التي تتصدي بشكل جوهري لحل مشكلة اللاجئين . من الضروري جدا تعديل بعض القوانين القائمة في تركيا والتي دفعت اللاجئين الي وضع صعب. فانه وبسبب اضافة ملاحظة الي اتفاقية اللاجئين لعام 1951 ، فان هؤلاء الناس يتم التعامل معهم كونهم طالبي لجوء سياسي وليسو لاجئين وبذلك فانهم محرومون من بعض الحقوق الأساسية مثل العمل والحصول علي المواطنة والتعليم الجامعي . ولكي ينظر الي تركيا علي انها "بلد ثالثة آمنة"، من الضروري جدا وضع قانون يتم بموجبه منح تلك الحقوق .
وكانت الحكومة التركية في السنوات الأخيرة ،قد وضعت مثل هذه القوانين وخصوصا فيما يتعلق باللاجئين السوريين ولكن باتت بعض المباردرات الشاملة اكثر ضرورية . من الأفضل لتركيا ان تظهر للعالم بأسره بان مسألة اللجوء والتي يعتبرها العالم مشكلة ، ماهي الا "عاملا ايجابيا".
في الوقت الذي نبدأ فيه التعامل مع الاجئين من خلال نظامنا الاجتماعي وفي الوقت الذي نبدأ النظر فيه الي الفوائد الأنسانية ، فضلا عن اعتبارهم عبئا، سوف نستطيع حينها استضافتهم كضيوفا بشكل ملائم ومحترم . ربما يتصرف العالم ضمن واقعية سياسية ، ولكن ما نحتاجه نحن هو النضال من اجل انسانيتنا . وفي نهاية المطاف ، الراجحون هم الرابحون.