مثلما شكّلت الانقلابات وأعمال الإرهاب على مر العصور أجزاءً لا تنفصل عن بعضها البعض، في تاريخ الشرق الأوسط، فإن الأمر نفسه ينطبق للأسف على تركيا أيضاً، لقد كانت محاولة الانقلاب التي عاشتها تركيا في 15 يوليو 2016 درساً حاسماً من حيث أنه جعل تركيا تدرك حجم التحديات التي تواجهها نتيجة أعمال المنظمات الإرهابية وما تسرّب من أيدٍ آثمة عميقاً داخل هياكل الدولة للغدر بها. أدت محاولة الانقلاب هذه إلى الإدراك بأن تركيا لا تواجه فقط تلك المنظمات الإرهابية التي لا تخفي ألوانها ونواياها الحقيقية، بل أيضاً المنافقين الذين تسللوا داخل هياكل الدولة، مثل منظمة فيتو (حركة رجل الدين فتح الله جولن).
بطبيعة الحال، لم يكن أمراً مفاجئاً، صلة حركة فتح الله جولن بالمنظمة الإرهابية لحزب العمّال الكردستاني، الذي ارتكب هجمات شرسة داخل حدود تركيا على مدى السنوات الأربعين الماضية من أجل الاستيلاء على جنوب شرق تركيا. وكانت «عملية الحل» التي انطلقت في عام 2014، وتقوم على التفاوض مع المنظمة الإرهابية الستالينية، المتمثلة في حزب العمّال الكردستاني، عرضت امتيازات مختلفة لهذا الحزب، مقابل إلقاء أفراد تنظيمهم أسلحتهم. وخلال تلك الفترة، بمناسبة مناقشة هذه المسألة، شدّدنا التركيز على الأخطار المحتملة التالية:
1 - أن منظمة إرهابية ستالينية تعتمد حصراً على الأسلحة، لن تضع الأسلحة أبداً.
2 - لن تتحقق وعود إلقاء السلاح والانسحاب من البلد أبداً؛ لن يخرج من البلاد سوى الإرهابيين المرضى والمعطوبين، وخلال هذه المرحلة، ستعيد المنظمة الإرهابية تنشيط كادرها، في الوقت الذي ستتظاهر فيه بأنها تنسحب من البلاد.
3 - وفي الوقت نفسه، سينتشر أعضاء المنظمة الإرهابية في المدن، ويشكّلون الهيكل الحضري للمنظمة.
4. وتسمح لهم هذه الطريقة بالتظاهر أنهم ألقوا أسلحتهم في حين يرسّخون وجودهم في المدن تحت تهديد الأسلحة، وبسط هيمنتهم في المنطقة.
وفي الوقت الذي بدأت تتكشف الحالة بنفس الترتيب الذي كنا نتوقعه، أخذت الحكومة التركية على محمل الجد تحذيراتنا ومن خلال مناورة مفاجئة، علقت عملية التسوية التي كانت متوقعة، ويبقى السؤال المطروح، إذا كان الكفاح المسلح لن يسفر إلى النتيجة المرجوة والتفاوض غير وارد، هل هذا يعني أن المسألة غير قابلة للحل؟ بالتأكيد لا. وكما هو الحال بالنسبة لجميع المسائل المتعلقة بالإرهاب، فإن معضلة حزب العمّال الكردستاني تشكّل في جوهرها، مشكلة أيديولوجية.
ولذلك، فإن الأسباب الأيديولوجية التي تدفع هذه المجموعات إلى براثن الفوضوية والشيوعية يجب دراستها بدقة والتصدي لها بطريقة علمية مدروسة، وتحقيقاً لهذه الغاية، لا بد من تحديد دقيق للطرق الكفيلة بإيجاد رد علمي مناسب وناجع، فضلاً عن تربية الشباب، وغرس ضمير وطني متطور في نفوسهم. وعلى الرغم من أن الضمير الوطني التركي قد تجلى بطريقة شجاعة مثيرة للإعجاب، رداً على محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز، إلا أن هناك حاجة ماسّة إلى سياسة تعليمية وطنية تتمحور حول هذا الهدف.
والشيء نفسه ينطبق على منظمة فيتو، التي يمكن اعتبارها من المنظور الأوسع، منظمة إرهابية تعمل بموجب الأوامر ومشكلة لتنفيذ مطالب بعض القوى الأجنبية السريّة، ومن هذا المنطلق نفّذت أوامرهم وسعت إلى تقسيم تركيا. ومما يزيد من خطورة الوضع ويصعب من مهمة التصدي لهذه التهديدات، ما تستخدمه هذه المنظمة من طرق عمل خبيثة، تتقن فن المكر، ما يضع كلاً من الحكومة التركية والأمة التركية أمام تحديات جمّة. ولكن هناك خطوات حاسمة وأساسية يجب على تركيا اتخاذها من أجل تجنب مواجهة هذه الأنواع من الهجمات مرة أخرى. وبالنظر إلى أن الذين خانوا تركيا، يشكّلون جزءاً لا يتجزأ من الشعب التركي، ممن تربوا وتدربوا في تركيا، فقد أثار ذلك مسألة كيف تم النفاذ إلى أفراد هذه المجموعات وتوظيفهم ضد بلدهم.
إن الأشخاص الذين يسهل التلاعب بهم ليتحولوا إلى خونة، عادة ما يتربّون ويكبرون في بيئات تنتشر فيها سلوكيات التملق الذليل على حساب المشاعر الوطنية. ولهذا السبب، من الأهمية بمكان تنشئة الشباب من الناحية الأيديولوجية، واتخاذ إجراءات لتحقيق هذا الهدف في البلد.
http://www.raya.com/news/pages/0b685b78-9e15-4bff-ba05-ba66719557f9