تُظهر الدراسات التي تُجرى في جميع أنحاء العالم بكل أسفٍ أن معدلات الانتحار حول العالم تأخذ في الارتفاع، وفي الوقت الذي يعمل فيه الباحثون كي يكتشفوا الأسباب التي تقف خلف هذا الاتجاه المزعج، تجري المناظرات والمناقشات أكثر من أي وقت مضى حول المشكلات التي تقود الناس نحو النقطة التي يحاولون فيها إنهاء حياتهم.
كان العام الماضي مقلقًا على نحو خاص من ناحية معدلات الانتحار، فقد حاول أكثر من 21 ألف شخص في اليابان إنهاء حياتهم، حتى أن هذه الأرقام كانت أكبر من هذا في الكوريتين. وعلى الرغم من أن معدلات الانتحار في أمريكا ليست بدرجة الارتفاع التي هي عليها في دول الشرق الأقصى، تعاني الولايات المتحدة من نفس المشكلة، حتى أن عدد الشباب الذين ينتحرون كل عام يبلغ الآن ضعف عدد الأشخاص الذين قضوا في هجمات مركز التجارة العالمي. ومن يمكنه أن ينسى ذلك اليوم المظلم الذي أنهى فيه 22 من قدامى المحاربين الأمريكيين حياتهم في يوم واحد؟ غير أنه لا ينبغي أن يندهش أي شخص من هذا؛ لأن اضطراب ما بعد الصدمة يعرف بأنه حالةٌ شائعةٌ بصورة مقلقة بين أفراد الجيش الأمريكي. وبطريقة مماثلة، يأتي الانتحار في المرتبة الثالثة بين الأسباب الأكثر شيوعًا للموت في كندا، كما تتعامل بعض الدول الأوروبية، مثل ليتوانيا والمجر، مع نفس المشكلة وبأرقام مرتفعة للغاية. من المؤسف أن نعرف أن باقي دول العالم ليست مُحصنة من هذه المشكلة، فقد كشف تقرير حديث صادر عن منظمة الصحة العالمية أن شخصًا ينتحر كل 40 ثانية في جميع أنحاء العالم، ولكن ما الذي يدفع كثيرين إلى النقطة التي يقررون فيها أن ينهوا حياتهم بأنفسهم؟
وفقًا لما يشير إليه عدد من الدراسات، ترتفع معدلات الانتحار في البلاد التي يكون سكانها أقل تدينًا، إذ إن الحرمان من الدعم القوي والحماية التي يقدمها الدين لصحة الفرد العقلية يؤدي إلى تعرض الأفراد في هذه البلاد لمواجهة كلية مع حقائق الحياة المؤلمة، وفي معظم الأوقات لا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من السقوط في بئر الاكتئاب العميق. وما يسوء من موقفهم هو السلوك العام لدى الناس تجاه بعضهم بعضًا، مثل تخلي الصغار عن الكبار، والاكتئاب والوحدة التي يعاني منها الشباب لأنهم لا يستطيعون على ما يبدو أن يجدوا الحب الحقيقي أو الثقة أينما بحثوا عنه. في مثل هذه المجتمعات التي تكون بعيدةً عن الدين، تعتبر مبادئ مثل الوفاء نادرة الحدوث، كما أن الصداقات تكون في المعتاد متقلبة ومبنية على أسس مراوغة ويمكن أن تتدهور مع حدوث أبسط صور التعكير فيها، وليست ثمة وظيفة للحقيقة التي مفادها أن غير المتدينين لا يعتبرون أن الانتحار يستحق عقوبة دخول النار، سوى أنها تزيد الطين بلة.
على الرغم من أن الحكومات تسعى دائمًا للوصول إلى حلول وطرق كي تقلل من معدلات الانتحار، وتحضير التقارير العلمية، واستحداث خطوط ساخنة للمساعدة والدعم النفسي المجاني، يبدو أن كل هذه الأشياء لا تؤدي أثرها حقًا. وعلى الرغم من أنه يمكن إبعاد شخص ما عن فكرة الانتحار مؤقتًا، فليس من الممكن إعطاؤه الأمل أو سرور العيش الذي يحتاجه طالما يفتقر هذا الشخص إلى الإيمان. وعندما يغيب السرور، سوف يكون هذا الشخص دائمًا عرضة لمخاطر العودة إلى الاكتئاب بل وقد يكون عرضةً لما هو أسوأ من هذا.
إذ إن الطريق الوحيد الحقيقي لإنقاذ الناس من الاكتئاب والحزن يكون عبر مساعدتهم على فهم المعنى الحقيقي للحياة واستيعاب حقيقة أنهم ليسوا كائنات محدودة. وبمجرد أن يستوعبوا أن أرواحهم خالدة، وأن هذه الحياة محطةٌ مؤقتةٌ حيث نُختبر فيها قبل أن يبدؤوا حياتهم الأبدية، سوف يدركون المحبة الحقيقية التي ستسعى أرواحهم إليها دائمًا، وذلك من خلال محبة الله، فإن عادوا إلى الحب المطلق والنعم التي أنعم الله عليهم بها عن طريق بذل المحبة لله بكل قلوبهم وعقولهم، يمكنهم أن يرجوا حينئذ دخول الفردوس، وهو المكان الأبدي للسعادة والمحبة الحقيقية، وهذا بفضل الله سوف يمنحهم كلًا من السعادة والمحبة في هذه الحياة الدنيا وفي دار الآخرة، وإنها هي الحياة الحقيقية.
http://www.raya.com/news/pages/aefe53b2-e293-4f59-a20e-833060d1bf45