1- هل هارون يحيى، الذي يقدم أشرطة وثائقية طيلة 30 عاما، هو نفس الشخص الذي يجلس اليوم في تجمعات الرقص والنبيذ؟
بادئ ذي بدء، أود أن أوضح شيئا وأرفع التباسا ورد في سؤالك، فلا أصدقائي ولا أنا شخصيا، نشرب النبيذ أو أي نوع آخر من المشروبات الكحولية، بأي شكل من الأشكال، وهذا التزامًا بإيماننا بصفتنا مسلمين، نؤمن بأن الإسلام يُحرم تناول الكحول، وأعبر دائما في برامجي وفي حياتي اليومية، كلما أتيحت لي الفرصة، أن الكحول حرام لا يجوز تناوله، وأقدم شروحا وأدلة علمية تثبت الأضرار الناجمة عن استهلاكه. وكان هناك استوديو دأبنا على استخدامه لبث برامجنا الحية، وكان يظهر خلال البث، طاولات وُضع عليها زجاجات عصير جميلة وممتعة للنظر، على سبيل الزينة. ومثلما هو شائع على نطاق واسع، يعتقد الكثير من الناس أن المشروبات التي تكون في زجاجات جميلة وفي تعبئة مغرية، هي بالضرورة، في نظرهم، نبيذ أو أنواع أخرى من الكحول، ولهذا السبب اعتقد بعض الناس في البداية أن تلك الزجاجات من العصير هي مشروبات كحولية، ومن أجل تبديد الشكوك ورفع ذلك اللبس، قمنا على الفور بتصوير كل زجاجة على تلك الطاولات، عن قرب في كل برامجنا في البث الحي، لتمكين المشاهدين من التأكد بأنفسهم ورؤية علامات "عصير غير كحولي" المكتوبة عليها، وهي تباع عادة في جميع الأسواق تقريبا. ومع مرور الوقت، استطعنا توضيح الصورة ورفع اللبس بشأن هذه المسألة.
عودة إلى سؤالك الأصلي، إذا كنتُ قد فهمته جيدا، فأنت تقصد "إذا كان إعداد الأفلام الوثائقية ذات الصلة بالإيمان وتأليف الكتب حول مواضيع دينية، فذلك يتناقض مع الرقص واللهو". أولا وقبل كل شيء، ما أقوله هو أن القرآن الكريم، كتاب الله، هو المصدر الوحيد الذي ألتزم به، وأعتقد أن هذا ينبغي أن يكون الحال بالنسبة للجميع. ومن ثم، علينا أن نعود للقرآن، ونستنِد إلى تعاليمه، للتوصل إلى حكم فيما إذا كان هناك تناقض هنا، فعندما ندرس القرآن، نسجل أنه لا يوجد ذكر لمثل هذا التناقض أو الحظر.
في الواقع، لم يذكر القرآن سوى عدد قليل جدا من الأفعال غير المشروعة والممنوعة، وكل ما لم يذكره ضمن المحرمات، فهو مُباح، وفي هذه النقطة تحديدا، يقع معظم الناس في الخطأ، ويعتقدون أن الدين يجب أن يكون متشددا وشاقا، وأنه لا مكان للجمال والفرح والبهجة في الدين، وبالتالي، فكل ما يثير الفرحة في نفوس الناس يجب تحريمه. في حين، يؤكد الله تعالى في كتابه العزيز، القرآن الكريم، أن الدين يسرٌ وليس عسرا. والله يريد أن ينعم عباده بحياة سعيدة ومُريحة. وفي واقعنا الراهن، فقد نجم عن هذا الفهم الخاطئ، وضع بائس، يعاني فيه العالم الإسلامي من عدد لا يحصى من المحرمات والقيود والتعصب، عالم يفتقر إلى حد كبير للتقدم والتنمية في جميع النواحي تقريبا، ويعتمد في عيشه على القوى الغربية، التي أصبح يخضع لنفوذها بشكل علني وصريح.
وانطلاقا من هذا الفهم المضلل، تعتقد غالبية المسلمين أنهم يعيشون وفق تعاليم وقيم الإسلام، نلاحظ أن ممارسة دينهم تختلف عمليا، بل وتتناقض مع جوهر القرآن الكريم، وهو أمر لا يدركونه، ومنبثق في الأصل عن مفهوم ديني تقليدي متشدد، ومعقد إلى حد كبير، يعج بالتقاليد الخاطئة والعادات والخرافات والتفسيرات الدينية المشوهة والتناقضات وضروب التحريف والخلافات.
لكن رحمة منه تعالى بنا، لم يُحَمل الحكيم الرحيم، عباده المسؤولية عن مثل هذا الدين المتشدد والمعقد، الذي يستحيل الالتزام به وممارسته حتى في حالة العزلة التامة من الحياة الدنيوية، ويمكن أن نرى بوضوح في آيات القرآن الكريم، أن الإسلام هو دين يسر ودين صفاء، وأن ما يريده الله لعباده ليس المشقة أو الجدل أو التعقيد، بل يريد لهم أن ينعموا بالسلام والراحة.
إن عدد المسلمين الذين يشاطرونني رأيي في هذا الموضوع يتزايد باطراد كل يوم، وهناك عودة قوية في جميع أنحاء العالم نحو القرآن، وهو جوهر الدين النقي، الذي ظل مهجورا لعدة قرون. وفي هذا الصدد أجد من الضروري أن أذكر بأن العديد من الكتب التي ألفتها حول هذه المواضيع قد ساهمت هي أيضا بشكل كبير في هذا التطور المفرح.
قد يتطلب الرد على سؤالك، توضيحات مستفيضة تتجاوز في الواقع حدود هذه المقابلة، وربما تستحق أن يخصص لها كتاب بحاله، وبوسْع القراء الرجوع إلى كتابي حول هذا الموضوع، تحت عنوان "التعصب: الخطر المظلم"، وللحصول على أجوبة على جميع أسئلتهم، يجدون الكتاب على الرابط التالي التعصب: الخطر المظلم".
2.نعرف أن اسمك الحقيقي هو عدنان أوكتار. فما السر وراء اختيار اسم هارون يحيى؟
الله سبحانه عز وجل، يُخبر المؤمنين في كتابه العزيز، القرآن الكريم، أن بعثة النبي هارون (عليه السلام) والنبي يوحنا (عليه السلام) كانت بهدف مساعدة كل من النبي موسى (عليه السلام) والنبي عيسى (عليه السلام)، ومن نفس المنطلق، يمكن اعتبار المسلمين، سواء كانوا أصدقاء أو إخوة أو أخوات، بمثابة دعم وعون لرسول الله في تبليغ رسالته. فيما يخصني، أستعمل اسم الكتابة، هارون يحيى، كإشارة لدعواتي ونيتي، لأكون عونا ويدا مساعدة، لنشر دين ودعوة رسول الله في نهاية الزمن، وهو اسم اخترته بقصد، لكي أصبح الشخص الذي يساعد ويدعم ويحمي ويراقب، مثلما فعل الأنبياء، على غرار هارون ويوحنا عليهما السلام.
3- ما الذي تغير في هارون يحيى في غضون السنوات الأخيرة؟ وما هو السبب وراء هذا التغيير؟
منذ اليوم الأول الذي وهبت فيه نفسي لخدمة الإسلام، لم يحدث أي تغيير في عزيمتي أو تصميمي أو حماستي، التزاما بمبادئي الأساسية. وإن حدث تغير، فهو في تعاظم هذه العزيمة والتصميم يوما بعد يوم. ما هي مبادئي الأساسية؟ المضي قدر استطاعتي على طريقٍ يُقربني من رضا الله، وتنفيذ أوامره ما استطعت إليه سبيلا، والسعي الحثيث لنشر دين الله وسط الناس، وتقديم الأدلة المقنعة، مستخدما الأساليب العقلانية والعلمية، وتجسيد من خلال ممارساتي أرقى تصور للأخلاق السامية والمحبة التي يدعو إليها دين الإسلام، وذلك بأحسن الطرق الممكنة، وأخيرا، نشر كل هذه المفاهيم الجميلة، بين الناس في العالم بأسره.
وبطبيعة الحال، مثل الكثير من الناس، أجتهد لتحسين وضع نفسي وتوسيع أفق معرفتي وثقافتي، وأحاول التوصل إلى رؤية أعمق للقرآن، والالتزام بتعاليمه بكل ما أوتيت من قوة معرفة وتبصر، وأسعى باستمرار للتقرب أكثر من الله ومحبته أكثر بصدق، وفي الوقت نفسه خشيته كما ينبغي لجلال سلطانه. وهذا التوجه، يساعدني مما لا شك فيه، على الحصول على فهم أفضل والتعمق في استلهام تعاليم وأحكام وأوامر القرآن الكريم، والغوص في أعماقه وأسراره، وتحسين قدرتي التي تمكنني من تحليل أفضل للأحداث، وإنه لأمرٌ غير طبيعي تماما وخسارة فادحة، أن يقضي الإنسان حياته كلها دون أن يغير من نفسه نحو الأحسن.
وإن ما ينظر إليه بعض إخوتنا وأخواتنا، على أنه تغيير هو في الواقع مظهر رائع لمفهوم الارتقاء وعلامات على الجمال والذوق والحرية التي يوفرها القرآن. وهذا التغيير هو نتيجة مباشرة، لمساعي وجهودي المبذولة من أجل التوصل إلى فهم أفضل لهذا المعنى، مع كل يوم يمر من عمري ومحاولة تجسيده في حياتي اليومية.
4- هل تعتبر نفسك مفكرا أو واعظا إسلاميا أو مصلحا أو غير ذلك؟
أنا مسلمٌ متدينٌ صادقٌ في إيماني، أنا لست واعظا، ولا عالما، ولا زعيم طريقة صوفية، ولست عضوا في جماعة صوفية معينة، ولا أتقن حتى التحدث بالعربية، ولم أتلق أي تكوين ديني، ولذلك، لم يسبق لي أبدا أن ادعيت أيًا من هذه الأوصاف.
والسبب الذي جعل الكثيرون يوجهون لي هذا السؤال هو أنه في أول تقرير إخباري عني في الثمانينيات، ناداني مُعِدُ التقرير باسم (الحاج) عدنان هودجا [الواعظ عدنان]، وهو في واقع الأمر أمر شائع في المجتمعات الإسلامية، تعريف كل من يلتزم بتعاليم دينه ويعمل على نشر تلك التعاليم، باسم "الداعية" و"العالِم"، إلخ.
وهكذا، بسبب الاستخدام المتكرر للقب "عدنان هودجا" من قبل الصحافة، مع مرور الوقت صارت هذه التسمية ملازمة لي وشائعة بين الناس. وعندما أسير في الشارع، يقترب مني الكثير من الناس دون حتى أن أعرفهم، لتحيتي والتحدث معي وأخذ صور معي، ومخاطبتي باسم "هودجا"، لكن كما قلت من قبل، لستُ أنا من أطلق على نفسه هذا الاسم.
ولا ينظر إلي أصدقائي كشيخ طريقة أو زعيم طائفة، بل ينظرون إلي كصديق يحبونه كثيرا، وأراهم من جانبي أصدقاء أعزهم. أنا شخصُ يستمتع حقا بالمرح والفرح والجمال والفن، وأعتقد أنه يتعين على الناس عيش حياتهم بكل حماسة وشغف، حياة يملأها الحب والعاطفة، في سبيل الله، دون تجاوز الحدود التي رسمها الله في القرآن الكريم.
5 - الذين كانوا يشاهدون برامجك في الماضي يعتقدون أنك تواجه مشاكل نفسية اليوم، وهم يعتبرون أنك كنت من قبل تقدم لهم معلومات مفيدة، في حين، تقوم الآن بالرقص في تجمعات النبيذ، كيف يمكنك الرد عليهم؟
لقد ذكرت للتو أن لا أصدقائي المقربين ولا أنا نتناول النبيذ، وهو مشروب يحرمه القرآن الكريم، وأنصح دائما الناس بتجنبه. من جهة أخرى، يعتبر المفهوم الإسلامي التقليدي المتشدد، الذي يقوم على الأحاديث الموضوعة المنسوبة إلى نبينا (صلى الله عليه وسلم)، وعلى التفسيرات والخرافات الخاطئة، أن الرقص والترفيه حرام وغير جائز بالنسبة للمسلمين، وكنت أنا شخصيا في سنوات الشباب عندما كان زادي من العلم قليلًا، ولا أزال في خطواتي الأولى على طريق البحث في القرآن الكريم، كنت أنا أيضا أدعو وأتبنى نفس الفهم الخاطئ.
لكن، بفضل توسيع أفق معرفتي، أدركت أنه تماما مثلما هو الأمر بالنسبة للقضايا التي تعتبر محظورة وفق المفهوم الإسلامي التقليدي المتشدد، فليس ثمة ضرر في الرقص واللهو أو محل تحريم، طالما تم الاستمتاع بهما ضمن النطاق الذي يحدده القرآن الكريم. إلى جانب ذلك، يلاحظ أن العديد من الإخوة والأخوات الذين ينتقدوننا في هذا الصدد، هم أول من يهرع إلى قاعة الرقص في حفلات الزفاف أو غيرها من المناسبات، ويقومون برقصات وحركات متهورة.
ومع ذلك، لسبب ما، عندما يتعلق الأمر بأصدقائي أو بشخصي أنا، تعتبر نفس هذه الأعمال محظورة علينا. ويقولون لتبرير هذه المواقف "أنت واعظ وعالم، لا ينبغي أن تنجر نحو الرقص والترفيه"، وقد قلت مرارا وتكرارا إنني لست واعظا ولا عالما، وإلى جانب ذلك، حتى لو كان المرء واعظا أو عالما، لماذا يكون ما أحله الله من نعم لجميع عباده، محظورا على الوعاظ والعلماء؟
إذا ألقيتَ نظرة على برامجي التلفزيونية، التي تبث على قناة A9TV، سترى أنني أجيب على أسئلة الكثير من الناس، في مجالات مختلفة، سواء تعلقت بأمور دينية، أو عن حياتهم اليومية، أو شؤون سياسية أو اجتماعية أو شخصية، أو في أي مجال آخر، ويطرح الناس أسئلتهم عبر مقابلات الشارع أو البريد الإلكتروني، وأشاركهم معرفتي، وأحاول تقديم مساعدتي لهم مسترشدا بأنوار القرآن الكريم، بفضل ومشيئة الله. وبالإضافة إلى ذلك، يمكننا أن ندرك أن وجهة نظري وآرائي المتعلقة بالتطورات السياسية والاجتماعية الراهنة، تشاطرني فيها الرأي أيضا الدوائر والسلطات السياسية، بما أنها تضعها موضع التنفيذ في وقت قصير جدا، وهذه حقيقة أخرى تدل على أنها –باعتبارها نعمة من الله– آراء وأفكار ذات فاعلية وتأثير وأهمية، إلا أن بعض الناس وبعض الأوساط، تتجاهل كل الجوانب المفيدة والإيجابية لبرامجي التلفزيونية في البث الحي، وتطيل الحديث والتركيز على أشرطة الفيديو والرقص العرضية والقليلة، التي لا تشكل العُشر من برامجي، وتُلح في انتقادها لأنماط الملابس والفساتين القصيرة لبعض صديقاتي بين الجمهور، واستنادا إلى هذه الصور فقط، يشنون علي حملة تشويه مقيتة، تتجاوز إلى حد كبير حدود الانتقادات المقبولة.
وكما قلت مرات عديدة: "إذا واجهني أي شخص بآية واحدة من القرآن، تثبت أن أي تصرف من تصرفاتي لا يبيحه الدين، سأخضع لذلك وأقلع عنه على الفور، وآخذ بهذه النصيحة"، لكنهم لم يقدموا حتى الآن أي دليل من هذا القبيل، والسبب ببساطة، لأنه لا يوجد مثل هذا الدليل. وكل ما يصرحون به لا يعدو كونه مجرد انتقادات واتهامات تستند إلى مواقف متحيزة وغير منصفة، وفهم خاطئ للدين، لا يقوم سوى على الإشاعات التي تفتقر إلى أي أساس قرآني.
وإذا اعتبرونني مختلا عقليا لأنني أستند إلى كتاب الله كأساس في جميع أعمالي ولأنني أتبنى موقفا يناهض دين التعصب الذي يفرضه الإنسان على الناس، ففي هذه الحالة أتشرف بذلك وأفتخر به، ولنا في تاريخ البشرية الطويل أمثلة على ذلك، فقد اتُهِم كل رسول ونبي بعثهم الله إلى عباده، وجميع أتباعهم من المؤمنين، ومن الذين يلتزمون بقناعة وثبات بما جاؤوا به من عند الله، إما بالجنون أو المس أو التيه.
6- هل ما زلت تؤلف الكتب؟ وكم هو عدد الكتب التي ألفتها حتى الآن وبأي لغة؟
لا زلت أواصل بذل الجهود بلا كلل أو ملل، في تأليف الكتب السياسية والعلمية وذات الصلة بالإيمان، ونشر الكتيبات والأفلام الوثائقية، وقد كتبت حتى الآن، أكثر من 300 كتاب تمت ترجمتها إلى 73 لغة، وهي متوفرة في المكتبات في أكثر من 100 دولة، وتم بيع 30 مليون نسخة من كتبي على الصعيد العالمي، وتم توزيع العديد منها مجانا في العديد من البلدان. وهناك حوالي 1000 موقع على شبكة الإنترنت، تستند إلى هذه الكتب وإلى محادثاتي في البرامج التلفزيونية. وتتلقى هذه المواقع 47 مليون زائر شهريا من 167 بلدا وأكثر من مليون زائر يوميا، ويشاهد هذه الأفلام والأشرطة الوثائقية التي تظهر في هذه المواقع أكثر من 10 ملايين شخص كل شهر.
وتُنشر مقالاتي بانتظام في 216 صحيفة أو مجلة، أو موقع على شبكة الإنترنت، في 47 بلدا، ويتابع برامج البث المباشر التي أعِدُها، ملايين المشاهدين يوميا باللغة الإنجليزية والعربية والروسية والفرنسية. وبفضل الله ومشيئته، تمخض عن هذا الجهد الكبير، نتيجة طيبة، حيث تقلص إلى حد كبير عدد الذين يعتقدون في النظرية الداروينية، بل حتى أكثر المدافعين عن الداروينية شهرة، تراجعوا عن مواقفهم، وهذا ما تؤكده بوضوح الدراسات الاستقصائية التي تمت بهذا الخصوص. الحمد لله، لقد ساهمت جهودي وجهود أصدقائي، في نشر الإسلام القرآني في العالم.
7- لقد صُدم العرب والمسلمون في السنوات الأخيرة بعد مشاهدتهم أشرطة الفيديو التي تظهرُ فيها مع الفتيات، يُقال إنهن راقصات، هل هن حقًا راقصات؟ وما هي علاقتك بهن؟
تلك السيدات لسنَ راقصات محترفات، فهن من جملة أصدقائي، ويعشقن الرقص والموسيقى والترفيه تماما مثل الكثيرين منا، وبعضهن من ذوي المهارات والكفاءات في هذا المجال، ولا تخفي هذا السيدات استمتاعهن وبهجتهن في ممارسة هذه اللوحات الفنية الرائعة خلال برامج البث التلفزيوني على قناة A9
ويسعدهن كثيرا رؤيتي أيضا، ويعتبرونني شخصا يعزونه ويحبونه، ويرقصون معه أحيانا. وهناك الآلاف من الذين يشاهدون بلهفة وعشق أشرطة الفيديو التي تظهر فيها السيدات أثناء الرقص، ومما يؤكد لنا ذلك، ما يعبرون عليه من مشاعر ووجهات نظر، من خلال ما نتلقاه من رسائل تهنئة وتمجيد.
وما أكاد لا أفهمه حقا ويصيبني بالدوار هو لماذا يُصدم العالم العربي بهذه الأشرطة التي تظهر السيدات الراقصات، علما بأنه منذ العصور القديمة، كان الرقص والموسيقى والترفيه من بين الأمور والممارسات المرتبطة بالعالم العربي، وهناك العديد من الراقصين والمغنيين العرب المحترفين، وكلهم يحظون بحب كبير بين شعوبهم، ويُحتفل بهم على نطاق واسع جدا.
إلى جانب ذلك، نشأ الرقص الشرقي أصلا في العالم العربي، ومن المغرب وتونس والجزائر إلى مصر ولبنان ودبي، يشاهد الملايين من الناس حفلات الرقص الشرقي على التلفزيون، ولا يقتصر أمر الاستمتاع بالرقص والغناء في قاعات الحفلات والترفيه، فقط على الفنانين، بل يشمل ذلك الآلاف من الناس العاديين، ويقومون بالرقص والغناء مع المطربين في الحفلات الموسيقية، وكثيرا ما نجد هذه الصور تبث على القنوات التلفزيونية العربية ونشاهدها باعتزاز.
لهذا السبب، لا أعتقد أن المجتمع العربي -باستثناء بعض المجموعات- تُصدم بهذه الصور على قناتنا، بل على العكس من ذلك، أعتقد أنهم يعتبرون هذه الأشرطة مسلية ويرقصون على إيقاعها، ونحن نعرف أن العرب ودودون جدا، وذوو مستوى راق، ومعظمهم من المسلمين المتدينين. ولذلك، فلا يعقل أن نقول إنهم يشعرون بالذنب وكأنهم يرتكبون خطايا لدى قيامهم بالرقص والاستمتاع خلال هذه المشاهد الترفيهية، والسبب هو أن هذه السلوكيات لا تتعارض بتاتا مع تعاليم القرآن والإسلام، بل على العكس من ذلك، فهي طبيعية تماما ومشروعة، ولدي عدد كبير من الأصدقاء العرب في العديد من الدول العربية، وجميعهم يوافقونني في هذا الرأي.
لقد دخل العالم العربي مؤخرا مرحلة جديدة، تناهض التعصب، على غرار ما يجري في المملكة العربية السعودية، وهي دولة معروفة بشكل خاص بموقفها وقوانينها الصارمة والمحافظة تجاه المرأة، وقد اتخذت مبادرات حداثية وتحررية، من خلال إلغاء الحظر والقيود المفروضة على المرأة بشكل تدريجي. ويمكننا اعتبار أن الرسالة التي تمررها السلطات السعودية، التي تبين أن هذه المبادرات ليست مؤقتة، تشكل نوعا من التطورات الواعدة فيما يخص المستقبل القريب للمجتمع الإسلامي. وبالمثل، فقد سمعنا مؤخرا أخبارا مرضية مماثلة من مصر ولبنان والأردن وحتى إيران.
8- كيف يمكنك الجلوس معهن بهذه الطريقة والرقص أحيانا معهن؟ أليس محرمٌ في الإسلام التبرج والعري؟
لقد عبرت عن آرائي فيما يخص الرقص والموسيقى والترفيه بالتفصيل، لا يوجد وفقا للقرآن، أي خطأ في اجتماع الرجال والنساء في نفس المكان، وفضلا عن ذلك، فأنا لا أنفرد بهن، بل أظهر أمام مئات الآلاف من المشاهدين خلال البث الحي لبرامجي، ويمكن للجميع المشاهدة في أي لحظة، أي حركة مني وأي خطوة أقوم بها أو أي كلمة أقولها، ولا يمكن أن يقع في مثل هذه الظروف أي شيء سري، أو أمور مريبة أو غير مقبولة.
ومرة أخرى أحيلكم إلى القرآن الكريم الذي يعلمنا ما المقصود بالعري، ويحدد لنا المعايير التي تحكُم لباس المرأة وتغطية جسمها، فعندما ننظر إلى القرآن، نرى في الآية 31 من سورة النور أن المرأة لها الحرية الكاملة، ووفقا للقرآن، تكون المرأة ملزمة بتغطية جسدها مؤقتا، من الرأس إلى أخمص القدمين، فقط عندما تخشى التعرض للتحرش. أما إذا كانت تشعر بالأمان، يكفيها تغطية مجرد مفاتنها، أي صدرها وعورتها الغليظة، كما جاء في الآية 31 من سورة النور. ويمكننا أن نستنتج بوضوح الطريقة الأساسية لتغطية المرء جسمها، من الآيات التي تصف تغطية آدم عليه السلام وحواء، أجزاء الجسم ذات الصلة، بأوراق كبيرة من الأشجار، وترد هذه المعلومات التفصيلية بشكل خاص في القرآن الكريم.
بالإضافة إلى ذلك، في الآية 59 من سورة الأحزاب، يأمر اللهُ النساءَ الاعتماد على ضميرهن وحُكمهن لتغطية أجسادهن، بشكل تام في بعض الحالات والظروف مثل حرصهن على تجنب التحرش والضرر أو في أماكن غير آمنة.
ولكن لا بد من الانتباه إلى أمر بالغ الأهمية وهو أن الله يترك الأمر لضمير المرأة أن تقرر بنفسها في أي ظروف ينبغي لها أن تغطي جسمها بالكامل، وإذا شعرت المرأة بالأمان وتعتقد أنها برفقة أشخاص تثق بهم من ذوي الحكمة والإيمان والضمير، يمكنها حتى ارتداء البيكيني في هذه الظروف.
ليس هناك شيء يدل على أن هذا الوضع يتنافى مع القرآن. في الواقع، ترتدي الملايين من النساء المسلمات لباس البيكيني على الشاطئ والسباحة، وليس فقط في العالم الغربي، ولكن أيضا في العالم العربي والبلدان الإسلامية، وطالما أن سلامتهن وأمنهن وحياتهن وعفتهن لا تتعرض للتهديد، يمكنهن استخدام حريتهن بما تشتهيه أنفسهن. (لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، يمكن لإخواننا وأخواتنا الرجوع إلى كتابي: التعصب: الخطر المظلم).
إن النظر إلى النساء كمذنبات محتملات، وفرض عليهن ما يجب فعله وما لا يجب القيام به، ومحاصرتهن بالمُحرمات والقيود، هو في الواقع جزء من تقليد كريه، متوارث عبر الأجيال في المجتمعات الإسلامية من خلال الثقافات القبلية المتعصبة القديمة، في حين يريد الله للمرأة أن تتحرر من كل الضغوط ويمنحها حرية واسعة في القرآن الكريم. إن قمع النساء والحد من حرياتهن والنظر إليهن بوصفهن قاصرات أو بشر من الدرجة الثانية وحصرهن في حياة العبودية وتحويلهن إلى شبه مخلوقات من الأحياء الأموات، نتيجة للممارسات المعتمدة في مناطق معينة من العالم، يرقى ليكون نوعا شنيعا من القمع الرهيب والجريمة الخطيرة بحق الله. ويمكن للمرء أن يستنتج من الكارثة التي تحوم سحبها الملبدة في أفق العالم الإسلامي لعدة قرون، العواقب الناجمة عن تجاهل المسلمين أوامر وهدي القرآن، واتباع دين بدلا منه يختلف تماما عما جاء به الأنبياء والرسل من عند الله.
9- أنت تحب الذهب وترتديه أيضا، بينما الإسلام لا يجيز للرجال ارتداء الذهب، ما رأيك؟
الذهب والحرير من نعم الله التي أشاد بها القرآن الكريم، ولا توجد آيات في القرآن الكريم تمنع الرجال من ارتداء هذه النعم كالمجوهرات والإكسسوارات وما إلى ذلك، ومن ثم فهذا الحظر، تماما مثل آلاف المحظورات الأخرى، لا يفرضها الإسلام، وإنما هي محرمة وفق المفهوم الإسلامي التقليدي المتشدد، البعيد كل البعد عن تعاليم القرآن الكريم.
كان النبي صلى الله عليه وسلم هو القائد، أي رئيس الدولة الإسلامية خلال عصره. وبقدر ما يمكننا أن نستخلصه من المعطيات التاريخية، نلاحظ أنه نظرا لما كانت تفرضه أجواء الحروب والصعوبات الاقتصادية في ذلك الوقت، كان الذهب على الأرجح جزء من الاقتصاد، ولهذا السبب لم يُستخدم للزينة، لكن، هذا المنع عن ارتداء الذهب لا يشير بأي حال من الأحوال إلى أن الذهب محرم على الرجال، وإلى جانب ذلك، لم يكن النبي (عليه الصلاة والسلام) مخول بتعديل أو إلغاء ما هو مشروع أو غير مشروع من قبل الله في القرآن الكريم. ولذلك، كانت مسألة الذهب قرارا مؤقتا اتُخذ كإجراء مالي وفق ما تقتضيه ظروف المرحلة.
إن التسوية بين الأوامر والممنوعات الصادرة عن نبينا (عليه الصلاة والسلام) بصفته رئيس الدولة في ذلك الوقت، وبين الأوامر القطعية الواردة في القرآن الكريم، والخلط بينهما، يُعدُ من أكبر الأخطاء التي يقترفها الفهم الديني التقليدي المتشدد، وعلى سبيل المثال، نجد في قصة طالوت (عليه السلام) التي يرويها لنا القرآن الكريم، أن طالوت، بصفته قائد المؤمنين آنذاك، حذر أفراد جيشه من الإفراط في شرب الماء من نهر عبروا منه خلال حملة عسكرية، والسماح لهم فقط بالشرب بكميات صغيرة.
ومن الواضح تماما أن ذلك المنع كان مجرد حظر مؤقت واحتياط في وقت الحرب، ولا يعني أنه يمنع شرب الماء في جميع الأوقات. ومن هذا المنظور، إذا كان نبينا (عليه الصلاة والسلام) قد منع مؤقتا شرب الماء من مكان ما لغرض مماثل، سيدعي المتشددون وفقا لمنظرهم التقليدي المتعصب أن المياه قد أصبحت محرمة إلى يوم القيامة، ومن الواضح أن هذه العقلية غير منطقية بتاتا.
10- هل تعتقد أن أفكارك مقبولة في المجتمع التركي؟
نعم، في الواقع، تحظى أفكاري بقبول كبير وبشكل متزايد، خاصة في وسط الشباب الذين يبدون اهتماما كبيرا وتقبلا ودعما لما أنشره من أعمال، ويتجلى ذلك أيضا في العدد الكبير من المقابلات التي أجريناها في الشوارع وتجاوزت مئة ألف، على مدى السنوات القليلة الماضية، ونتلقى أيضا رسائل الدعم والتقدير من جميع فئات الشعب وأطيافه.
ومن خلال وجهة نظرنا وأسلوب حياتنا القائم على القرآن، أظهرنا ليس في تركيا فحسب ولكن في العالم كله أن المسلمين يمكنهم عيش حياة جميلة، مفعمة بالحيوية، وذات جودة عالية، تولي الفنون والعلوم أهمية كبيرة. وبفضل الله ومشيئته أصبحنا نقدم الوجه المشرق للمسلمين، بعد أن كان الإسلام يرتبط بأشخاص غير اجتماعيين، مستهترين في نمط عيشهم، منطويين على نفوسهم، يزاولون حياة غير صحية في بيوت الصفيح، لا يقَدرون قيمة الموسيقى، واللوحات الفنية والمنحوتات، ولا يكترثون لحياة السعادة والجمال.
لقد أظهرنا أن هذا النمط من العيش لا يمثل الإسلام الحقيقي، وأن الإسلام هو الدين الموصوف في القرآن. إن الإسلام دين راق يجلب الجمال في حياة الناس، وبفضل ما قمنا به، قضينا على تأثير نظام الشر الذي ينفر الناس عن الإسلام ويدفع بهم في أحضان الإلحاد، وكانت هناك مجموعة كبيرة من الناس الذين ابتعدوا عن الإسلام عن غير قصد بسبب التحيز ضد الإسلام والنموذج الذي قدمه المفهوم الديني التقليدي المتشدد، وبفضل الله ومشيئته، قمنا بدور مهم في بعث الحياة من جديد في تعاطفهم وحماسهم وشغفهم للإسلام.
11- كيف تعمل مؤسسة هارون يحيى؟ من أين تتلقى التمويل؟ خاصة وأن لديك قناة فضائية في تركيا وعشرات الموظفين العاملين في مؤسستك؟
إن قبض المال مقابل نشر تعاليم دين الله ممنوع في القرآن الكريم، في سورة ياسين، يقول الله عز وجل "اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا ..." لذلك، فلا أصدقائي ولا أنا، نطلب من أحد قط المال مقابل التعريف ونشر الإسلام ولن نفعل ذلك أبدا، لأن هدفنا الوحيد هو إقامة حكم القيم الأخلاقية الإسلامية، من محبة وسلام وأخوة في جميع أنحاء العالم من خلال توجيهات القرآن. وللإشارة، فمعظم أصدقائي هم من التجار ورجال الأعمال الأثرياء المعروفين، وأنا شخصيا لا أطلب أي رسوم أو حقوق الكاتب عن الكتب التي أؤلفها، مما يسمح لدور النشر بتوزيع الملايين من النسخ المجانية في جميع أنحاء العالم.
ومثل جميع المؤسسات الأخرى المماثلة في تركيا، فكل من دار النشر وقناة التلفزيون A9 هي مؤسسات رسمية ومسجلة وتخضع لمراجعة دورية من قبل الوكالات الحكومية ذات الصلة.
12- ما هو هدفكم من هذه الأنشطة؟
هدفي هو الحصول على رضا الله وخوض كفاح من خلال العلم والمعرفة والمحبة حتى يتم القضاء على الأذى واجتثاثه من على وجه الأرض وإقامة حكم على أساس القيم الأخلاقية القرآنية، في العالم أجمع.
13- هل تتابعون الأوضاع السياسية في الدول العربية؟ وكيف تنظرون إلى النزاعات والانقسامات بين المسلمين؟
نعم، أتابع ما يحدث عن كثب، وأقوم أيضا بإطلاع المشاهدين على قناتنا، على التطورات في العالم الإسلامي، وأعرب خلال ذلك عن وجهة نظري وآرائي واقتراحاتي في هذا الصدد، وأقدم باستمرار مقترحات بشأن التدابير والأساليب والسياسات التي يمكن تنفيذها، والتي قد تفيد المسلمين وتقيهم من الأذى.
تنبع الانشقاقات والنزاعات والصراعات التي تعصف بالعالم الإسلامي، من تخلي الأمة الإسلامية عن واجب تشكيل مجتمع واحد موحد، مجتمع متماسك حول مبادئ القرآن. إن إصرار المسلمين على تجاهل مسؤوليتهم إزاء هذا الواجب الديني الأكبر الذي يأمر به الله في كتابه العزيز، القرآن الكريم، هو خطأ يستوجب غضب الله وينزل بالعالم الإسلامي كوارث لا نهاية لها. إنه من مكائد الشيطان الكبرى وحيله الماكرة، أن بعض المسلمين يولون اهتماما وحرصا شديدين على الأوامر الملفقة التي لا ذكر لها في القرآن، في حين، يتصرفون في تجاهل تام، وعدم اكتراث بأعظم واجب ديني. يسعى الدجال إلى إبعاد المسلمين عن القرآن ووحدة صفوفهم، بهدف تمزيق المجتمع الإسلامي، عن طريق تفكيك أوصاله وتشتيته إلى عدد لا يحصى من الفصائل والجماعات، ويحاول إبليس تدمير العالم الإسلامي من خلال تأليب الإخوة ضد بعضهم البعض.
تستخدم حركة الدجال، أي الدولة البريطانية العميقة بعبارة أخرى، الشيعة البريطانيين والسنة البريطانيين للتحريض على مزيد من الخلاف والشقاق. إن الشيعة البريطانيين يحتقرون السنة، والسنة البريطانيين يحتقرون الشيعة، وكل فئة تعتقد أنه من واجبها قتل أعضاء الطائفة الأخرى، في حين لا ينبغي للمسلم أبدا قبول مثل هذه العقلية الشريرة؛ تجمعنا عقيدة تقوم على رب واحد وقبلة واحدة ونبي واحد.
إنه الوقت الذي ينبغي أن يستيقظ فيه المسلمون ويتخلون عن هذه الأفكار الشريرة.
ومع ذلك، فبالنظر إلى الأحاديث والأخذ في الاعتبار تلك الحالة الجارية التي ظلت غير قابلة للحل لسنوات، نلاحظ أنه من الصعب تحقيق الوحدة المنشودة إلا من خلال خروج المهدي المنتظر. فقط بحضرة المهدي (عليه السلام)، الذي من المتوقع ظهوره قريباً، سوف يتمكن المسلمون من تشكيل وحدة إسلامية كبرى، لم تُر على مر التاريخ، في حين سيواجه نظام الدجال هزيمة مدمرة، ومحوًا من على وجه الأرض إن شاء الله.
14- هل تسافر خارج تركيا؟ هل أديت فريضة الحج؟
أنا لم أسافر إلى الخارج أبدًا، أمكث في إسطنبول منذ ما يقرب من 40 عاماً، مارست خلالها أنشطتي من نشر الإسلام في إسطنبول. في غضون الـ 40 عاماً تلك، وبجانب أنني لم أسافر إلى الخارج قط، لم أمكث أيضاً خارج إسطنبول أكثر من 10 أيام تقريباً.
إننا نمر حالياً بفترةٍ حاسمة بالنسبة للمجتمع الإسلامي ككل ولتركيا أيضاً، ويبدو أن الحوادث والتطورات الرئيسية باتت قاب قوسين أو أدنى. قد نواجه أوقاتاً صعبة للغاية، ولا أقصد هنا نحن فقط، ولكن العالم كله. وفي مثل هذا الجو، أعتقد أن المكان الذي أعيش فيه الآن هو المكان الذي يمكنني فيه أن أكون أكثر فائدة، وأن أشارك آرائي ووجهات نظري ومقترحاتي على الجماهير، وأن أبذل قصارى جهدي بالفعل بهذا الصدد. قد يكون هناك وقت في المستقبل للسفر، ولكن في هذه الأوقات الحرجة، ليس لدي الوقت الذي يسمح لي بالسفر.
وكما ذكرت عدة مرات، أعتبر نفسي طالباً روحياً لحضرة المهدي، وأدعو أن أستطيع أن أصبح واحداً من طلابه عندما يخرج. الأحاديث حول نهاية الزمان تشير إلى أن حضرة المهدي لن يظهر من خارج إمبراطورية الروم، الإمبراطورية الرومانية، أي الأراضي البيزنطية في الوقت الحاضر تشير إلى إسطنبول الحديثة وجزء من تركيا. وبالمثل، يتنبأ حديث آخر بأن حضرة المهدي سوف يظهر في القسطنطينية، أو بعبارة أخرى، إسطنبول. واستناداً إلى ما تقوله الأحاديث عن علامات ظهور حضرة المهدي، أعتقد أنه قد ظهر بالفعل ويقوم بتنفيذ (مباشرة) أعماله هنا في إسطنبول.
لذلك، تركي المكان الذي يوجد هو فيه بالفعل، ولو لمدة ثانية واحدة، ما لم يكن لدي حاجة ملحة لذلك هو أمرٌ خارج النقاش.
لم تتح لي الفرصة للوفاء بواجبي الديني، بالذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، آمل أن يمنحني الله القدرة على أداء هذه الفريضة الرائعة قريباً.
15- هل لديك أي رسائل توجهها إلى العرب والمسلمين؟
العرب هم إخوتنا وأخواتنا، هم شعب نقي وجميل. ونحن نحيا الآن الفترة التي تسبق ذلك الزمن المبارك الميمون. والكرب والكوارث التي لا زال يعاني منها العالم، لا سيما المجتمع المسلم والأمة الإسلامية، ما هي إلا آلام المخاض -إذا جاز التعبير- التي تُنذر بولادة ذلك العصر. معاً، سنشهد قريباً جداً نهاية لنظام الدجال، السبب الرئيسي خلف كل هذه الكوارث، وسيتبع ذلك انبثاق فجر عصر المهدي المنتظر، حيث سيتعافى العالم من كل الآلام والبؤس المحيط به الآن ويدخل في فترة من السلام والهدوء والسعادة والازدهار والرغد إن شاء الله.
لقد ظهرت بالفعل الغالبية العظمى من علامات نهاية الزمان، التي أخبر بها نبينا (صلى الله عليه وسلم) منذ أكثر من قبل 1400 سنة، في السنوات الـ 40 الماضية، ولا تزال مستمرة في الظهور، كل هذه التطورات المعجزة تدل على حقيقة أننا أصبحنا عشية (قاب قوسين أو أدنى) هذا العصر المبارك.
ولكن قبل ذلك، فإن حركة الدجال، التي على وشك الهزيمة، ستطلق هجماتها اليائسة والشرسة النهائية. ولهذا السبب، سننتقل بوضوح إلى مرحلة من الاختبارات الصعبة في السنوات القليلة المقبلة. هذه الاختبارات الرائعة هي الواجبات الدينية التي يعهد بها الله إلى المسلمين في كل عصر. إن الأحاديث والدلالات القرآنية واستنباطات (تنبؤات) العلماء المشهورين مثل سعيد نورسي المتوافقة بصورة معجزة مع المسار الحالي للأحداث العالمية كلها تشير إلى هذه الحقيقة الحيوية، وكيف لا وقد أحاط الله بكل شيء علما.
ما أوصي به جميع إخوتي وأخواتي المؤمنين خلال هذه الفترة هو الحفاظ على الأمل، وأن يبقوا صامدين ومعتمدين على الله. إن المؤمنين الصادقين الذين يخشون الله وحده، الذين يخدمونه فقط ويرجون مساعدته، أولئك الذين يعتمدون عليه فقط ويثقون به، والذين يصبرون على ما أصابهم، سوف يعبرون تلك الاختبارات بنجاح ودون أي ضرر. وبإذن الله، هناك أيام رائعة في انتظارنا قريباً.
يمكن لإخوتي وأخواتي الأعزاء الوصول إلى كتبي حول نهاية الزمان وتحميلها مجاناً من الموقع "harunyahya.com" وكذلك للحصول على مزيد من المعلومات الأكثر شمولاً حول المواضيع التي ذكرتها أعلاه.
16. ذكرتَ أن ظهور المهدي قريبٌ وأشرت إلى أنه قد يكون موجودا في إسطنبول! نريد أن نفهم رأيك بوضوح وأن تشرح لنا بالتفصيل ما تقصده من هذا الكلام، وهل تعتقد أنه قد ظهر بالفعل أم أنه لم يظهر حتى الآن؟
عندما نتمعن القرآن الكريم، نرى أنه كان للمسلمين على مر تاريخهم الطويل قادة وزعماء، ولم يسبق أبدا أن عاشوا من دون قيادة. وندرك انطلاقا من حياتنا اليومية، استحالة استمرار سواء الشركات الصغرى أو أكبر المجتمعات، ومواصلة نشاطها من دون أن يكون لهم من يتولى منصب القائد. الكاثوليك لديهم البابا، والمسيحيون الأرثوذكس لديهم البطريرك، والماسونيون لهم أسياد، وحتى مجتمع النمل له ملكة، في حين نشهد العالم الإسلامي البالغ عدد أفراده 1.5 مليار نسمة، يُراوح مكانه ويتخبط في دوامة من دون قائد يتولى أمرهم، ولا ينبغي للمسلمين أن يعتبروا ذلك أمرا طبيعيا. إن الالتفاف حول قائد، من سنن الله في الكون، التي أعلنها الله في القرآن الكريم، ونحن نطلق على الشخص الذي يدرك هذه السنة في نهاية الزمن، ويُجسدها على الأرض ويصبح زعيم العالم الإسلامي، اسم المهدي، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو من أخبرنا بأن العالم الإسلامي سيجتمع وتتوحد صفوفه فقط حول المهدي. وفي الوقت الراهن، لن تقبل أي طائفة بأن يتزعمها قائد من طائفة أخرى، ولا فرقة تريد قائدا من فرقة أخرى. إن الشخص الوحيد الذي يُجمع عليه المسلمون بمختلف مشاربهم، هو حضرة المهدي المنتظر الذي بشرتنا الأحاديث بقدومه.
أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصفات التي يملكها المهدي وبطبيعة أنشطته والمكان الذين سيظهر فيه. وقد وصف لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) المهدي بقدر كبير من التفاصيل، بدءًا من الأحداث التي ستجري في زمنه، إلى مظهره الخلقي وأخلاقه. وعندما نمعن النظر في الأحاديث، نطرح أسئلة مثل "أين سيكون المهدي؟ وأين سيباشر عمله؟" نصل في نهاية المطاف إلى جواب واحد: إسطنبول. هناك العديد من الأحاديث التي تشير إلى أن المهدي سوف يظهر في المدينة حيث تقع الآثار المقدسة، وما هي هذه الآثار المقدسة؟ إنها البقايا المباركة من زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مثل رداء رسول الله ورايته التي حملها في المعارك. وأين توجد هذه الآثار المقدسة: في إسطنبول. وبالإضافة إلى ذلك، ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أيضا بوضوح اسم إسطنبول بصفتها المدينة التي سيباشر فيها المهدي أنشطته:
وفق رواية ابن عمرو، في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة، أشار إلى أن هناك ستة أشياء من شأنها أن تحدث، وقبل حدوث هذه الأشياء الستة، لن تقوم القيامة، وأن سادس هذه الأشياء الستة، هو فتح المدينة. وعن السؤال "أي مدينة؟" كان الجواب: القسطنطينية. (علام محمد بن رسول الحسيني البرزنسي من المدينة، علامات يوم القيامة ، 204 رموز الأحاديث، 296).
يمكن الاطلاع على مزيد من الأحاديث ذات الصلة على الرابط التالي.
ويمكنني القول، استنادا إلى الأحاديث النبوية وروايات كبار علماء الإسلام، وانطلاقا من الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في العالم، أن المهدي يزاول أنشطته في الوقت الراهن. وكل من ينظر بعناية إلى الأحداث الجارية يرى بوضوح أن المهدي يقوم بما هو ملقى على عاتقه من واجبات، وأن هناك صراعا فكريا تاريخيا بين أتباع الدجال والمهدي، وأكاد أجزم أنه بعد 3 إلى 5 سنوات، سوف يفهم إخواننا وأخواتنا ما أعنيه بشكل أوضح.
17. إذا كان الأمر كذلك، ما هو دليلك على ظهور المهدي المنتظر؟
من خلال أكثر من 600 حديث، رسم لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) جدولا زمنيا للأحداث التي ستقع في زمن المهدي، وعرض بالتفصيل ما هي هذه الأحداث التي ستجري تباعا وانتظاما، وعند مشاهدة هذه الأحداث سيدرك المؤمنون أن المهدي قد ظهر.
تكمن السمة الرئيسية لهذه الأحداث التي ستقع في نهاية الزمن، في تسلسلها المنتظم، مثل عقد من الخرز، وهو أمر بالغ الأهمية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه الأحداث ربما سبق أن حدثت في وقت آخر، لكن المهم في هذه الحالة، هو أن هذه الأحداث ستقع للمرة الأولى، كلها بالتسلسل بحيث تتبع بعضها البعض وفق ترتيب محدد، في نهاية الزمن، والتي أصبحنا نشاهدها الآن. ذرونا الآن نلقي نظرة على بعض الأحداث التي ذُكرت في الأحاديث وحدثت منذ سنة 1400 هجرية (أي 1979 ميلادية):
1. جفاف نهر الفرات.
2 - احتلال أفغانستان.
3. الغارة على الكعبة وسفك الدماء فيها.
4. الحرب بين إيران والعراق.
5. الكسوف القمرية والشمسية التي وقعت على التوالي خلال شهر رمضان.
6. ولادة المذنب هالي.
7 - احتلال أذربيجان.
8 - ظهور نجم ذي ركنين يشبه القرون (مذنب لولين).
9. مرور نجم بيت لحم بالقرب من الأرض.
10. الحرب الأهلية السورية.
11 - احتلال العراق.
12 - حريق بغداد.
13. الاضطرابات في دمشق.
14. الأحداث في منطقة هاريستا في دمشق.
15. الاضطرابات في دمشق والعراق والمملكة العربية السعودية.
16 - الحظر على العراق ودمشق.
17- القضاء على ملوك دمشق ومصر.
18 - الفوضى والإرهاب في كل مكان.
19 - الأزمات الاقتصادية الكبرى.
20. ظهور العديد من الأفاقين الذين انتحلوا شخصية المهدي أو المسيح.
21 - اختفاء السلام على الأرض.
22 - تدمير المدن الكبرى في الحروب.
23- الصراعات في الكوفة وتدمير القبة وجدار مسجد الكوفة.
24 - الفوضى والقلاقل في مصر.
25 - زيادة المذابح.
26 – تفاقم الحروب والصراعات الأهلية.
27 – الاقتتال بين الإخوة.
28 - قتل الأطفال الأبرياء.
29 - قتل الناس بلا سبب.
وقد حدثت هذه الإشارات فضلا عن أكثر من 600 علامة أخرى وما زالت تحدث، وكل من يقوم بتقييم الوضع بشكل منطقي وعقلاني سيخلص إلى أن المهدي حي ونشط الآن. ولو فكرتَ في الأمر، تجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضح لنا ما سيحدث بطريقة من شهد الأحداث بعينيه والأشياء التي أخبرنا عنها تحدث تماما كما ذكرها. وهذا شيء يجب أن يثير حماسة المسلمين ويملأ قلوبهم سعادة، لأنهم محظوظون كونهم يشاهدون معجزات النبي (صلى الله عليه وسلم). نلاحظ أنه عندما يتحقق شيء مما قاله نوستراداموس، يُحدث أثارا هائلة في جميع أرجاء العالم، بينما نحن نشهد وقوع أكثر من 600 من الأحداث التي تنبأ بها رسولنا صلى الله عليه وسلم، أمام أعيننا، والغريب المذهل، أن بعض المسلمين لا يريدون منا أن نتحدث عن تلك الأشياء. إن الأحداث التي بشر بها النبي صلى الله عليه وسلم تقع وتتحقق أمام أعيننا، وهي حقيقة لا يمكن أو يحق لأحد إخفاؤها.
يمكن مطالعة المزيد من المعلومات في كتابي، بشائر وميزات المهدي المنتظر.
18. في المقابلة السابقة، كنت تستدل في معظم الحالات بالقرآن الكريم وتقول إنك "قرآنيٌ" ولا تؤمن بالأحاديث المنسوبة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، في حين أن كل الأدلة التي قدمتها فيما يتعلق بالمهدي مصدرها الأحاديث، وهي في الواقع أحاديث مشكوك فيها من قبل معظم المتخصصين، ما تفسيرك لذلك؟
أنا لستُ من الذين ينكرون الأحاديث، وأعتقد أنه وقع نوع من سوء الفهم بشأن هذه المسألة. إن ما أقوله هو أن القرآن هو كلام الله وكلام الله لا يعتريه النقصان، والقرآن كامل وكاف. ومع ذلك، لا يوجد شيء اسمه أحاديث غير صحيحة تماما. هناك طريقتان لمعرفة ما إذا كان الحديث صحيحا أم لا. أولا، ننظر إلى ما إذا كان الحديث يتفق مع القرآن، ونحن نعلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام لم ينطق بكلمة واحدة لا تتفق مع القرآن، ولم يضف نبينا أمرا واحدا من أوامر الدين خارج نطاق القرآن، فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك حديث يقول أن النساء مخلوقات قاصرة أو نصف إنسان، فمثل هذا القول لا يتفق مع القرآن الكريم، وهو افتراء على رسولنا (صلى الله عليه وسلم). وربما يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد حرم مؤقتا الحرير والذهب على ذكور أمته بسبب ظروف الحرب في ذلك الوقت، فهذا لا يعني أن الحرير والذهب محرمان على المسلمين، إن رسول الله لا يحرم شيئا غير محرم في القرآن الكريم. وهناك طريقة أخرى لمعرفة صحة الحديث، من خلال النظر فيما إذا كانت الأحداث الواردة في الحديث قد تحققت أم لا. إذا تحقق حدث ما نبأنا به النبي صلى الله عليه وسلم، لنقل على سبيل المثال "ستشب نزاعات في بلاد الشام"، ونحن نرى أن هذا يحدث الآن، فمعنى ذلك يؤكد صحة الحديث. ومن هذا المنطلق نخلص إلى أن أحاديث نبينا (صلى الله عليه وسلم) عن يوم القيامة والمهدي المنتظر صحيحة.
19. هل توجد أدلة في القرآن على ظهور المهدي؟ هل يمكنك أن تحدثنا عن ذلك؟
القرآن وحركة المهدي يتكاملان مع بعضهما البعض؛ لقد منحنا الله إشارات تدل عن حركة المهدي في آيات عديدة لا حصر لها في القرآن الكريم، أما ردا على الذين يقولون "إن القرآن لا يشير إلى حركة المهدي، ولا يوجد مخلص في الإسلام"، فقد قدم لنا ربنا أفضل وأعمق الجواب. يذكر الله في القرآن الكريم، أن المؤمنين طلبوا مساعدا، ومنقذا من الله في أوقات العسرة، بما يبين للمسلمين حقيقة، وهي أن توقع ورغبة مجيء المهدي أمر حقيقي، في الآية 75 من سورة النساء، يقول المولى عز وجل: "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا".
تشتق كلمة مهدي في اللغة العربية من كلمة "هدي" وتعني الذي يسترشد على الطريق المستقيم، ويستخدم هذا الاسم للإشارة إلى الزعيم الروحي الذي سيأتي قبل يوم القيامة. وفي القرآن، كثيرا ما تستخدم كلمات "الهادي" (الذي يوجه إلى الطريق الصحيح) و"المهتدون" الذين هم على الطريق الصحيح) كمرادف للمهدي. على سبيل المثال، في الآية 21 من سورة ياسين، يقول الله عز وجل "اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُون"، تشير هذه الآية بوضوح ودون ريب إلى حركة المهدي، وهناك العديد من الآيات مثلها. ثم نؤكد مرة أخرى، أن كل آية من آيات القرآن الكريم، التي تبلغ المسلمين بضرورة التوحد، وتبشرهم بالأخبار السعيدة، عن سيادة القيم الأخلاقية الإسلامية في العالم، هي في الواقع تشير إلى حركة المهدي. وعندما يتحدُ المسلمون ويحكم الإسلام في الأرض، سيكون المهدي هو قائد الأمة حينذاك. ومثلما هو مبشرٌ به في الأحاديث، في قصص الأنبياء، من سليمان، ويوسف عليهما السلام، وتجارب أهل الكهف، وكفاح ذي القرنين، فكل هذه النماذج تحتوي على رمزية كبيرة، وإشارة واضحة على حركة المهدي المنتظر.
20. هل صحيح أنك قلت أنك المهدي؟ ولماذا؟
هذا غير صحيح، لم أزعم يوما ولا في المستقبل، أنني المهدي. لقد أقسمتُ بالله مرات عديدة أنني لم أدّع أنني المهدي. أنا مسلم مخلص لدينه وربه، أحب الله كثيرا، وأريد من الناس أن يحبوا الله أيضا، والعيش في سلام والاستمتاع بالحياة كإخوة وأخوات، وأستمتع بنعم الحياة من فنون وجمال وكل ما هو أنيق وراق، لم أدّع يوماً أنني واعظ أو عالم أو المهدي.
حتى لو اجتمعت جميع الدلائل المشار إليها في أحاديث نبينا (صلى الله عليه وسلم) في شخص ما، لا يمكن لهذا الشخص أن يدعي أنه هو المهدي، لأن مثل هذا الادعاء لا يجوز في ديننا، ومن يفعل ذلك يرتد في واقع الأمر عن دينه، لأن قول الشخص "أنا المهدي" يعني "أنا طاهر، وشخص بريء، ومن ثم لن أحاسب لأنني أستحق بالفعل الجنة"، ولا يمكن للمسلم أن يصرح بمثل هذا التصريح لبقية حياته.
إلى جانب ذلك، فمرتبة المهدي، لا يمكن الوصول إليها من خلال مجرد الزعم. نعم، بالفعل أن العديد من صفاتي البدنية تتناسب تماما ومواصفات المهدي (عليه السلام) كما هو مبشر به في الأحاديث. ومع ذلك، فإن الشخص الذي له عيون خضراء ومائلة قليلا، وأنف صغير، وحاجبين منحنيين، وجسم عريض، ورأس كبير، ومجموعة كاملة من الأسنان، وشامة فاتحة اللون على الخد، وخط عبوس، ويحمل العديد من أوجه التشابه الأخرى، لا يشكل بأي حال من الأحوال ما يعطي لصاحبه الحق في الادعاء بأنه المهدي. ولا يمكننا أن نعرف بالتأكيد أن الشخص هو فعلا المهدي، إلا بعد أن يسود الإسلام الأرض، وتتحقق الوحدة الإسلامية، تزامنا مع بعثة المسيح عليه السلام من جديد ليؤدي الصلاة خلف المهدي.
21. يعتقد الكثيرون أن فكرة المهدي خرافية، ويتشبث بها اليائسون ليوهموا أنفسهم بقدوم يوم من دون بذل أي جهود. ألا تعتقد أنهم على حق؟
هذا الخطاب غير العقلاني وغير المعقول يلجأ إليه الذين يسعون للتستر على حركة المهدي. لو كان الأمر محفوفا بالمخاطر حقا أو أنه من الخطأ انتظار المهدي، هل كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) يبشر بالخبر السعيد بمجيئه؟ لقد خطط الله لنهاية الزمن وفقا لحركة المهدي، ويُمكننا رؤية ذلك من خلال الحوادث التي وقعت تباعا. وذكرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بحضرة المهدي (عليه السلام) في مئات الأحاديث. وسينزل المسيح عليه السلام، وهو من أولي العزم [الذين يمتلكون مسؤولية كبيرة] من السماء لمساعدة المهدي (عليه السلام). إن حركة المهدي هي الموضوع الأكثر حيوية في نهاية الزمان، ونلاحظ أن الذين لا ينتظرون مجيء المهدي يتخبطون في حالة من الخمول واللا مبالاة، في حين أن الذين يتوقعون مجيئه مفعمون بالحيوية والحماس والاجتهاد. إن عدم انتظار ورفض مجيء المهدي هو في الواقع ما يؤدي إلى هذا الوضع من الخمول.
وكل من ينتظر مجيء المهدي المنتظر يبذل جهدا هائلا ليسخر نفسه لمساعدته ويصبح أحد تلاميذه، ومثل هذا الشخص يكون دائما مفعما بالنشاط والحماس. ويزف نبينا عليه الصلاة والسلام إلى المؤمنين البشرى السارة عن مجيء حضرة المهدي، ويخبرهم بأنه من قبائل قريش ومن أهل البيت. (كتاب البرهان في علامات المهدي آخر الزمان، ص 13) وكان كبار العلماء المسلمين مثل عبد القادر جيلاني والإمام الرباني، قد توقعوا وبشروا بمجيء المهدي المنتظر، بتشوق كبير. من يستطيع إذن الادعاء بأن هؤلاء العظماء كانوا في حالة من الخمول؟ ومن يستطيع اتهام هؤلاء العلماء بأنهم شجعوا المسلمين على الكسل والاتكال؟ بل على العكس من ذلك، جميع العلماء الذين توقعوا وبشروا بخبر مجيء المهدي قد أسدوا خدمة جليلة للمسلمين. وقد ساهم توقع مجيء المهدي في تعبيد الطريق لنماء قدرات المؤمنين وازدهارها. وقد توقع أصدقائي وأنا شخصيا مجيء المهدي ونريد أن نصبح من تلاميذه، وهذا هو السبب الذي من أجله نخوض كفاحا فكريا بكل ما أوتينا من قوة، ويمكنك أن ترى كذلك الأثر الرائع والنجاح على مستوى العالم، الذي منحنا الله إياه نتيجة هذا الإيمان بمجيء المهدي.
22. في المقابلة السابقة التي أجريناها معك، كنت تركز على الشيعة البريطانيين، وأنهم يتآمرون ضد أمتك. لماذا تركز فقط على الشيعة في بريطانيا، في حين أن أهم دولة شيعية هي إيران؟
أعتقد أنه قد وقع سوء فهم هنا، ما قصدته لم يكن انتقادا للشيعة الذين يعيشون في بريطانيا، فالشيعة شعبٌ مستنير مثل الضوء الرباني، وهم مخلصون تماما لنبينا (صلى الله عليه وسلم) وأهله، كان انتقادي موجه لفلسفة معينة، وذهنية تسمى "الشيعة البريطانية"، وهذه الذهنية تشكل مؤامرة خبيثة تخطط لها الدولة العميقة البريطانية، بهدف إذكاء الصراع بين الشيعة والسنة. وفي واقع الأمر، تشعر إيران أيضا بالقلق إزاء الشيعة البريطانيين. لقد حذر الإمام خامنئى في الكثير من خطبه الجمهورَ من بعض القنوات التلفزيونية الشيعية بوسط لندن، ووصف خامنئي هذه القنوات بأنها "مجموعة من المرتزقة الذين يؤججون لهيب الصراع السني الشيعي".
وتعتبر مفاهيم الشيعة البريطانيين والسنة البريطانيين من الأيديولوجيات التي صاغتها الدولة العميقة البريطانية لتقسيم المسلمين وتشتيت صفوفهم، والهدف من ذلك هو إذكاء الخلاف بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة وتمزيق منطقة الشرق الأوسط والتحريض على سفك الدماء هناك من خلال إشعال لهيب الحروب الطائفية، إن هذه الحروب الطائفية التي تقف خلفها الدولة العميقة البريطانية من أخطر المخططات وأكثرها غدرا في تاريخ الأمة الإسلامية، لم يسبق لها مثيل، قصد إحداث انهيار في العالم الإسلامي.
ويقع على عاتق المسلمين واجب إحباط هذه الخطة، ولا ينبغي أن نسمح لهذه المخططات العدائية، التي تجري في إطار مفاهيم الشيعة البريطانيين والسنة البريطانيين، لمناكفة الإسلام، أن تحقق هدفها. ويعود لتحالف المسلمين، شيعة وسنة، واجب إجهاض هذه المخططات الماكرة، وفي حالة تضافر جهود إخواننا الشيعة والسنة، يمكن للدول الشيعية والسنية أن تشكل تحالفا وتوقع اتفاقيات صداقة جديدة، بما يسمح للمسلمين التعاون فيما بينهم لحل مشاكلهم، ويجهض دسائس الدولة العميقة البريطانية، ومن المهم تعزيز هذه التحالفات، بحيث تكون ذات عمق جماهيري.
23. لماذا هذا التركيز على بريطانيا، وليس على أمريكا أو أي بلد آخر؟
أولا وقبل كل شيء، يجب أن أوضح أن المسألة لا تتعلق ببريطانيا أو بالشعب البريطاني. والأمر لا يتعلق بالدولة البريطانية، بل هي الدولة البريطانية العميقة. إن الدولة البريطانية العميقة ليست هي الدولة البريطانية نفسها، بل هي منظمة سرية تشكلت داخل الدولة البريطانية وما زالت تحافظ على وجودها منذ عدة قرون، مسببة الاضطرابات والحروب والبؤس في العالم. ومن الضروري الإشارة إلى أن الدولة البريطانية والشعب البريطاني هم أيضا ضحايا هذه المنظمة المعتمة، والأمر ينطبق كذلك على أي دولة أخرى قد تشير إليها، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
وما كنا لنشهد هذه الفوضى والصراعات والظلم في أي مكان، لولا التحريض والضغوط والتلاعب الذي تخطط له الدولة العميقة البريطانية. وعند النظر إلى الأخبار في العالم، ترى بروز اسم بلد ما، لكن عند إمعان النظر والتدقيق فيما يحدث، تشاهد آثار وبصمة الدولة العميقة البريطانية واضحة وراء هذه الأحداث.
وقد تمكنت الدولة البريطانية العميقة من إخفاء آثارها والتواري عن أنظار الناس حتى الآن، لأنها تحسن في واقع الأمر فن التمويه إلى حد الإتقان، لكن، بعدما أوضحنا المعنى الحقيقي وخلفية الأحداث وكشفنا حقيقة هذه المنظمة، من خلال الآلاف من الوثائق الإثباتية، فقد تمخض عن جهودنا، صحوة في العالم بشكل عام.
فلا بد إذن من كشف خطط هذه المنظمة الخبيثة، التي تحاصر شعب بريطانيا نفسه وشعوب البلدان الأخرى، ولا مناص من عرض دسائسها بشكل مستمر، لأنه من شأن هذه الجهود أن تسهل عملية القضاء على تأثير المنظمات التي تتآمر في الظلام، ووضع حد للخلافات بين الدول والشعوب، وبدلا من ذلك تكريس نظام حكم قائم على المحبة والإخاء.