كانت الثقافة القبلية وما زالت تلعب دورًا جوهريًا في تشكيل حضارات الشرق الأوسط، منذ قرون طويلة، إن لم يكن منذ آلاف السنين، على الرغم من أن العديد من المجتمعات في شمالي أفريقيا والمناطق العربية ووسط آسيا تبدو الآن كما لو كانت دولًا حديثة، فالعقلية القبلية لم تنجلِ بعد، وما زالت تؤثر بعمق في الحياة اليومية لتلك المجتمعات.
من المعلوم على نطاق واسع اليوم أن الطبقات الحاكمة في العديد من دول الشرق الأوسط تخضع لسيطرة بعض الأسر القبلية، وأن القبائل والعشائر تدعم تلك الطبقات بشكل كبير، ومن الخطأ الاعتقاد بأن القبلية أمر قديم ارتبط فقط بالنظام الإقطاعي.
يشير ريك دوكساي - كاتب ويعمل لدى وزارة الدفاع الأميركية - إلى المجموعات الحاكمة في العالم الإسلامي اليوم، فيقول "إن المجتمعات الأكثر قبلية في اليمن وأفغانستان وليبيا تعتبر تجسيدًا واضحًا تمامًا للحكم العشائري، أما في بلاد أخرى مثل باكستان وكينيا وجنوب السودان، فالعشائر والحكومة المركزية في صراع إرادة دائم بلا هوادة".
ويقول دوكساي "إن المكانة والهوية والمنصب وغيرها من أمور تخص الأفراد في تلك المجتمعات تتأثر إلى حد كبير بقيم وقواعد وعادات ومبادئ القبائل والتي تراكمت وامتدت عبر القرون"، ويضيف "يبقى أصل العشيرة وهويتها هو العامل المحدد الأقوى في العالم العربي، ويعتبر عائقًا أساسيًا أمام حرية الفرد في المجتمعات الشرق أوسطية".
مما لا شك فيه أن قيم وقواعد الثقافة القبلية المشوهة بشكل كبير لها أكبر الأثر على النساء، فتجد البنات في العديد من الثقافات الإسلامية تجبرهن عائلاتهن على تشويه أعضائهن التناسلية بالاستئصال بذريعة الحفاظ على عفتهن. وعلى سبيل المثال، عندما تُكرَه الفتيات على الزواج، وتعامل الفتاة كالجارية من قبل زوجها، فلا يقتصر الأمر فقط على عدم السماح لهن بالخروج من المنزل دون إذن الزوج، بل يمتد للعنف المنزلي الذي أصبح من الممارسات العادية اليومية ، فضلًا عن أن النساء في تلك الثقافة غير مسموح لهن بقيادة السيارة، وليس لهن الحق في التصويت أوالانتخاب، كما يتم إبعادهن عن التعليم والحياة العملية.
كل تلك القواعد والعادات ليست سوى مبادئ زائفة، الهدف منها حماية وتعزيز العقلية السلطوية الذكورية السائدة أصلًا في الثقافات القبلية، وكذلك إرضاء لعقدة النقص والغيرة التي تلاحظ عادة في مثل هذه البيئة، وكان من المحتم تحوّل مثل هذا الهراء في وقت ما إلى اعتقادات اجتماعية ودينية وفي بعض الأحيان صارت قوانين للدولة.
للأسف، تسيطر على العالم الإسلامي هذه العقلية البدائية المتخلفة، فضلًا عن أن تلك الصورة البشعة التي تشكلها هذه العقلية تنسب بشكل مجحف إلى الإسلام والقرآن الكريم. ولقد استرعى هذا المشهد المخجل انتباه العالم مرة أخرى عند فوز فيلم "بنت في النهر" بجائزة الأوسكار.
فلقد أظهر ذلك الفيلم الوثائقي قصة حقيقية لبنت من باكستان اسمها صبا قيصر. في باكستان تقتل حوالي 1000 بنت سنويًا، بذريعة ما يسمى "غسلا للعار"، وللأسف يفلت معظم مرتكبي تلك الجرائم من العقاب. بدأت قصة صبا عندما طلبت منها عائلتها الزواج من شخص لم ترغب هي فيه، وعندما رفضت تم استدراجها بلطف إلى سيارة أبيها حيث بدأ أبوها وعمها بضربها وأطلقوا النار على رأسها، لكنها نجت بأعجوبة.
بسبب هذه الثقافة القبلية السائدة في البلاد الإسلامية، ترتكب جريمة "شرف" كل 90 دقيقة. ومما يدعو للصدمة أن أولئك الذين يدَّعون حماية شرف العائلة باسم الدين، لا يتورعون عن ارتكاب جريمة أبشع، جريمة تعتبر من أكبر الآثام في الدين الإسلامي، ألا وهي القتل. وهذا يوضح جليًا أن الشخصية القبلية لا تمت بصلة لجوهر الدين الإسلامي وتقوى الله، وأن رجم الناس حتى الموت باسم الإسلام، والذي يستنكره القرآن في سورة هود، الآية 91، لهو مثال آخر على التناقض المعرفي الذي يعتري العالم الإسلامي.
يعدد التقرير العالمي حول الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، الاختلافات القائمة على أساس الجنس وفقًا لكل دولة. فالتقرير يبحث في الفجوة ما بين النساء والرجال في أربعة مجالات رئيسية: الصحة، التعليم، والاقتصاد والسياسة. ففي التقرير الصادر عام 2015، اتضح أن هناك 100 دولة إسلامية، أجريت عليها الدراسة في التقرير من مجموع 145 دولة حول العالم،وكانت الدول الإسلامية في الحضيض، فجاءت اليمن، وباكستان، وسوريا، وإيران، والأردن، والمغرب، ولبنان، ومالي، ومصر، وعمان،والسعودية، وموريتانيا وتركيا، من بين أسوأ الدول في تلك المجالات.
ولعله من الغريب أن تأتي الصين - حيث يقتل كل عام مليون بنت بمجرد ولادتهن - والهند - حيث تغتصب امراة كل 20 دقيقة - في أعلى القائمة، وحصلتا على أعلى النسب في ضيق الفجوة بين الجنسين.
وتصف شاهيناز وزير علي، المساعد السابق لرئيس الوزراء الباكستاني ورئيس معهد علي بوتو للعلوم والتكنولوجيا، الوضع المزري للمرأة في العالم الأسلامي بسبب الجهل بالقول "معظم النساء فقيرات ومتشردات ويعانين من سوء تغذية، كما أنهن محرومات من حقوقهن. إن 30% إلى 40% من النساء يناضلن بشكل يومي فقط للبقاء على قيد الحياة، فالعديد منهن يقضين حياتهن في قرى صغيرة ويتزوجن في سن الـ 13، ويبدون كما لو كن في الستين، وهن في الحقيقة لا يتجاوزن الـ 30 من العمر. كما أن هؤلاء النسوة لا يستطعن قراءة القرآن أو قراءة أي كتاب آخر، فالجهل منتشر بين النساء بنسبة لا تقل عن الثلثين، بالمقارنة مع الرجال".
يعد عزل الناس ومنعهم من الانخراط الكامل في الحياة اليومية الحديثة من أعظم أسباب تخلف الدول في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وركود تلك الدول وعدم التجديد فيها بشكل عام. إن الطريقة الوحيدة لخلاص الشرق الأوسط والنساء المسلمات، تكمن في تعرية الثقافة القبلية القائمة على العنف والبدائية والظلام والجهل، تلك الثقافة التي يدينها القرآن ويصفها "بدين الأجداد" وبـ "العصبية القبلية"الوحشية. يمكن تحقيق ذلك بالرجوع إلى جوهر القرآن، والذي يكسر القيود ويزيل الأعباء. إن لم يتم تبني أيديولوجية تهدف في الأساس إلى تغيير جذري، فإن أية ممارسات أو إجراءات وهمية لن تؤدي بالتأكيد إلى حلول فعَّالة.