قبل عقود قليلة من الآن كانت علاقات الجيرة بين البلاد تحدها العوامل الجغرافية، لكن التطور السريع في الحواسيب وتكنولوجيا الاتصالات وشبكة الإنترنت العالمية التي توسعت بشكل مهول في جميع أنحاء العالم، حولت جميع الدول إلى جيران افتراضيين، أصبحت الحواسيب وتكنولوجيا الاتصالات والإنترنت والتي هي عناصر جوهرية في عصر المعلومات الذي نعيش فيه، ضرورة من ضرورات إدارة العلاقات الدولية بين البلدان.
بدأت الحكومات بالاستخدام الواسع لأنظمة الإنترنت لتقديم خدمات أكثر جودة لمواطنيها منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بإمكان المرء استخدام الخدمات الاقتصادية مثل الخدمات البنكية بكف يده عن طريق أجهزة الهاتف المحمول، لكن برغم هذه المنافع الهائلة أدى استخدام الإنترنت لتعريض الحكومات والشركات لكل أنواع الهجمات الإلكترونية وسرقة المعلومات. بإمكان هجوم إلكتروني تعطيل أنظمة الطاقة وخطوط الغاز والسكك الحديدية والسدود أو المصاعد أو أنظمة الطيران وأنظمة النقل البرية والأنظمة المالية ومنظمات عديدة أخرى بالإمكان إصابتها بالشلل باستخدام هجمات كهذه، أنظمة الرادار والصواريخ وباختصار كل الأسلحة التقليدية عرضة للإصابة بهذه الهجمات.
حكومات الظل والمنظمات التي تسعى لتحقيق رؤى جذرية بإمكانها إحداث الضرر ضد الدولة التي تعارضها أو ضد مجموعة أو منظمة معادية عن طريق الإنترنت، بإمكانها أيضًا تشكيل الرأي العام عبر وسائل الدعاية على الإنترنت، باختصار بإمكانها تنفيذ هجمات إرهابية افتراضية.
تقدر الأموال التي أنفقت على الأمان الإلكتروني بـ 100 مليار دولار في 2016 ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 170 مليار دولار بحلول 2020. يعاني الفضاء الإلكتروني من نقص متجذر في الأمن وهو ما يخلق فرصًا هائلة للربح. يبدو أن الأموال التي تنفق على الهجمات الإلكترونية والحماية من هذه الهجمات في عالم اليوم حيث ما زالت الصراعات والحروب المشتعلة غير معلومة النهاية ستزيد بشكل مؤسف. ليس من الصعب التوقع بأن فداحة هذه الهجمات الإلكترونية ستزيد وأن الخسائر المالية والأضرار الناتجة عن مثل هذه الهجمات ستتضاعف بشكل كبير بالنظر للتقدم السريع في هذه التكنولوجيا.
من المعروف أن الدول والمنظمات والهياكل التي تقف خلف الهجمات والحروب الإلكترونية كما في الحروب العسكرية تتصرف دائمًا وفقًا لدوافع وأيديولوجيات معينة، هذه الدوافع يمكن تغذيتها عبر أيديولوجيات مثل الفاشية أو النازية الجديدة أو الرؤى المتطرفة في أي دين والتي تدعو للعنف.
على سبيل المثال فإن أعضاء مجموعة تقف خلف الهجمات الإلكترونية الهائلة يعرفون أنفسهم باعتبارهم "ليبراليين" أو "معادين للرأسمالية" لكن بالرغم من تصريحاتهم فإن الأساليب التي استخدموها ونشاطاتهم غير القانونية في العالم الافتراضي تشير إلى أنهم ينافحون عن رؤية متطرفة للعالم.
اليوم يكشف قراصنة العالم الافتراضي معلومات سرية للدول والأفراد كوسائل لتهديدهم وإرهابهم وإلحاق الضرر بهم، تمامًا كما أمر لينين، يسرقون الأموال من البنوك عبر هجماتهم الإلكترونية ويحاولون تحقيق أكبر ضرر ممكن لمؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة والشركات والبنوك والمراكز المالية، على رأس كل هذا يحاولون فرض حالة من الفزع العام واستثارة المشاعر العامة عن طريق إظهار مثل هذه التصرفات باعتبارها عرضًا للقوة ووسيلة لتحدي الآخرين عبر وسائلهم، الأدهى أن محتالي الإنترنت هؤلاء يقدمون دروسًا ومحاضرات على الشبكة عن كيفية تنفيذ الهجمات الإلكترونية، كما يقدمون برامج تدريب لأعضاء مجموعات الاحتيال الافتراضية هذه، باختصار يبدو أن حملة تسليح الفضاء الإلكتروني قد بدأت.
حل هذه المشكلة واضح: بالإمكان منع هذه الهجمات الإلكترونية عبر الكشف عن الأيديولوجيات المشوهة التي تقف خلفها وبيان عدم كفاءتها، تمامًا كما في الحروب الواقعية. رفع مستوى الوعي لدى الناس وإخبارهم بالتأثيرات العكسية لهذه الهجمات بالتشديد على أنهم في معركة عمياء بإمكانه المساهمة في القضاء على بيئة عدم الأمان، بهذه الطريقة بالإمكان توجيه ليس فقط الموارد بل والجهود التكنولوجية والوقت الذي يتم هدره في هذه القضية لتحقيق المنفعة والازدهار للناس.
بالنظر إلى أن 10 مليارات دولار كفيلة بإنهاء الجوع في قارة أفريقيا من الواضح أن بامكاننا القول بأن القضاء على التأثيرات العكسية والتكاليف التي تبلغ تريليونات الدولارات لهذه الهجمات الإلكترونية مهم جدًا لتحقيق الازدهار للمجتمع العالمي.
على خلاف ذلك فإن طريقة "الحرب مقابل الحرب" سواء كانت واقعية أم افتراضية ستقود إلى ترد مشترك للأوضاع الاقتصادية، والنتيجة ستكون دمارًا عالميًا دون فائز بالنظر إلى القدرات المعرفية والتكنولوجية والاستخباراتية المتساوية للأطراف والتحالفات المتحاربة، لن نكون مخطئين إذا توقعنا أن ينتهي الأمر بمأساة تكنولوجية لن يستفيد فيها أحد من الانتصار على الآخر، لذا أولئك الذين يدعمون اليوم هذه التحديات عبر الدعوة للحرب يجب عليهم التركيز على البحث عن التوافق والازدهار.