هارون يحيى
عاش الأتراك الليلة الأطول في حياتهم يوم 15 يوليو 2016، حين واجهوا بشجاعة محاولة الانقلاب الدموية، وأحبطوا هذا الخطر رغم خسارة المئات لأرواحهم، وإصابة الآلاف في هذه العملية.
كمواطنٍ في دولةٍ عاصرت عدة انقلابات ناجحة، يُمكنني القول وبكل ثقة بأنَّ فشل الانقلابات محتومٌ دومًا، ولنْ يأتي انقلابٌ بخيرٍ أبدًا للدول المنكوبة به. ففي الماضي، أدّت الانقلابات إلى شلّ دولتنا، وإعادتها للوراء، بسبب ما تُحدثه دومًا من فتنة، "وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" (سورة آل عمران آية 191). ولهذا، لن نسمح أبدًا لدولتنا بالسقوط في أيدي المتآمرين، نحن دولة ذات هوية إسلامية، ونعيش بروح التكافل، والحب، والأخوة. شعبنا عاقلٌ ويرفض نشوء الصراعات دائمًا، إذ نقف كأتراك جنبًا إلى جنب مع الجنود، وضباط الشرطة، والدولة، وهذا تحديدًا ما حدث في ليلة 15 يوليو، وقد دَفَعْتُ الناس من خلال البث التلفزيوني المباشر وبشكل متواصل، منذ اللحظة التي بدأت فيها الأحداث، حتى اليوم التالي، على التصرف بحسب ما تمليه عليهم الفطرة السليمة. لم يتصرف الناس بشجاعة غير مسبوقة فقط، بل بمنطق، وبتفكير فطري غير مسبوقين أيضًا، رغم الأحداث الصادمة في تلك الليلة.
أمتنا كتبت التاريخ
لن يأتي خيرٌ أبدًا من الإجبار، تُعدُّ حياة الإنسان عديمة القيمة في أنحاء عدة من العالم، ويتم إمطارهم بالرصاص في اللحظة التي يُصنفوا فيها كمصدر تهديد، لن يتقبل الأتراك أبدًا هذه المعاملة، أو أن تتحول تركيا إلى دولة مماثلة، إذ أنَّ الأتراك لهم كبرياؤهم، ويُحبون بلدهم، كان هذا انتصارًا للشعب، ولو لم تتصرف أمتنا كبنيان مرصوص، لنجح المتآمرون - لا قدر الله - بنصف القوة التي أعدوها في تلك الليلة، وعلى أيّة حال، لقد أظهر مواطنونا حبهم وتفانيهم لبلدهم.
كان هناك الجميع، بداية من الشباب الذي نام بشجاعة أمام الدبابات، مرورًا بالأمهات، وانتهاءً بالأجداد والجدات برعايتهم للأطفال، قاوم الأتراك بشجاعة، وانتصروا على الهجمة الضالّة، لن ننسى أبدًا الأبطال الذين واجهوا المتآمرين، أو الذين اصطفوا بسياراتهم في مواجهة الدبابات لمنعهم من التقدم للأمام، لقد بدأت الليلة ككابوس، لكنها وصلت لنتيجة أسطورية في اليوم التالي، بعد أنْ مهد أبطالنا الشهداء طريق النصر للديموقراطية.
لا مزيد من السياسة
وقف الناس يدًا بيد، وكتفًا بكتف، وكذلك كانت كل المنظمات غير الحكومية، والسياسيون، والأحزاب السياسية، وقفوا جميعًا في تضامنٍ متجاهلينَ خلافاتهم السياسية ضدَّ محاولةِ الانقلابِ، ولم يغادر أي من أعضاء البرلمان مبنى الجمعية، حتى بعدما كانت تُقصف من المتآمرين، تُعدُّ تلك لحظاتٍ ثمينةٍ حُفرت للأبد في ذاكرتنا.
الخلاصة
ستأخذ حكومتنا كل الإجراءات الاحترازية بدعم ومساعدة شعبنا بدءًا من هذه اللحظة، ومن مصلحة الجميع أنْ يتم حل الأمور بطريقةٍ معقولةٍ ومنطقيةٍ، لأنَّ التصرف بدون تعقل، وبشكلٍ عاطفيٍ، قد يؤدي لكارثةٍ لبلدنا، ولهذا سنُحافظ على روح الأخوَّة والهدوءِ بينما نمضي في اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية.