في اليوم الثامن والخمسين منذ بدء عملية غصن الزيتون، التي شنتها القوات المسلحة التركية في 20 يناير/ كانون الثاني 2018؛ لتطهير مدينة عفرين والمناطق المحيطة بها في شمال سوريا من وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني وإرهابيي داعش، حققت العملية هدفها المنشود. ففي صباح الأحد الموافق 18 مارس/ آذار، تم تخليص مركز مدينة عفرين وقراها من جميع العناصر الإرهابية، ومن ثم التأكيد على السيطرة الكاملة للقوات المسلحة التركية.
وعندما تكبد إرهابيو وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني خسائر فادحة خلال المناوشات، هرب قادة حزب العمال الكردستاني، الذين ابتُعثوا من جبال قنديل للمساعدة في عفرين، من المدينة واتجهوا نحو الرقة ومنبج. وفي أعقاب فرار كبار القادة، تشتَّتَت بقية الميليشيات الإرهابية بسرعة أيضًا لتنضم إلى مشهد الهروب الجماعي.
وصل العدد الإجمالي للإرهابيين الذين تم القضاء عليهم خلال عملية غصن الزيتون إلى 4,000 إرهابي، ليتضح أن وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني، الذي دُفع به إلى واجهة المشهد باعتباره اللاعب الرئيسي الذي لم يُقهر في المنطقة وحليف الولايات المتحدة في مواجهة داعش، لم يكن سوى فقاعة كبيرة مبالغ فيها، إذ إن إرهابيي وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني المتخصصين في جوانب أخرى على شاكلة إرهاب السكان المدنيين والتطهير العرقي والابتزاز والنهب والتهريب، أثبتوا أنهم واهنون حرفيًا في مواجهة القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر بدلًا من أن يثبتوا تفوقهم العسكري.
نقلت بعض المنصات الإعلامية الغربية، منذ اللحظة الأولى للعملية، العديد من التقارير التي تتكهن بنتائج عملية غصن الزيتون، وتشدد بوجه خاص على احتمالية فشل تركيا. على الرغم من هذا، فإن انتزاع السيطرة على عفرين في فترة قصيرة من الزمن، التي أعقبها تطهير المدينة والمناطق المحيطة من جميع العناصر الإرهابية، أثبت خطأ العديد من المحللين الذين تناولوا الموضوع، وأبطل الجدالات المثارة بشأن الطريقة التي ستتحول بها عفرين إلى شبه «فيتنام» لتركيا.
إذ إن تنبؤات باتريك كوكبيرن، الصحفي بصحيفة الإندبندت، بشأن شنّ وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني هجومًا مضادًا على الجيش التركي في عفرين، وبأن عملية تركيا ستفشل في نهاية، قدمت على سبيل المثال لمحة موجزة لموقف الإعلام الغربي من العملية.
واستجابة للتقدم الحاسم والناجح للجيش التركي في حملة عفرين، لجأت هذه المؤسسات الصحفية إلى الأخبار الزائفة والدعاية السوداء. لتبدأ نفس المنظمات الإعلامية في نشر تلك التقارير الزائفة التي تزعم أن تركيا كانت تستهدف المدنيين، وتقصف المستشفيات، وترتكب المجازر والإبادة الجماعية. وبُذلت المحاولات الرامية لتأييد هذه الأخبار الزائفة عبر إجراء المقابلات الوهمية مع أشخاص مشكوك فيهم.
فقد ظهرت في وسائل الإعلام مثلًا صورة لطفل مصاب في حلب تعود إلى أغسطس/ آب 2016، إضافة إلى لقطة تعود إلى تدريب عسكري للجيش الروسي في 2012 ولقطة صُوّرت من طائرة إف 16 تعود إلى القوات الجوية الهولندية، جنبًا إلى جنب مع تسجيل صوتي متلاعب به لقائد شرطي ويعود إلى عام 2015، وصورة لجسد ممزق جراء انفجار وقع في مصر عام 2015، بل وصور أخرى من لعبة «ميدل أوف أونر»، لتُستخدم كل هذه الصور والوسائط مجتمعة لتشويه سمعة عملية عفرين في جزء من جهود الدعاية السوداء.
يمكننا أن نذكر مزيدًا من الأمثلة، بيد أن الأكثر تشويقًا نشر وحدات حماية الشعب على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي هجومٍ شنته على مستشفيين تركيين وعرضه على أنه هجومٌ شنّه الأتراك.
بيد أنه من المعروف تمامًا أن وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني هم في الواقع من يمارسون الاضطهاد والتطهير العرقي ضد السكان المدنيين في المنطقة، وهي حقيقة يشهد عليها عدد لا يحصى من الشهود ومن منظمات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية. أوضح المحامي فهد موسى، الذي يجري دراسات دبلوماسية إنسانية في سوريا، أن أكثر من ألف مدني اعتقلتهم وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني وأن المجموعة توقع أشد أنواع التعذيب على المنشقين الأكراد. وذكر أيضًا أنه عرض جميع تفاصيل هذا الاضطهاد على منظمات الأمم المتحدة، والوفود في أستانا والمنظمات غير الحكومية، ولكن لم يحصل على أي نتائج حتى الآن.
علاوة على ذلك، يعتبر استخدام المدنيين دروعًا بشرية لإنقاذ حياة هذه المجموعة، بل وترحيل المدنيين في القرى المحيطة إلى داخل مركز مدينة عفرين، بعضًا من الممارسات غير الإنسانية التي تلجأ إليها وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني خلال حملة عفرين حسب ما أكدت عليه أيضًا الأمم المتحدة.
تؤكد شهادات السكان المحليين لمدينة عفرين، التي تخلو الآن من الإرهابيين، على قسوة ووحشية وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني. يعلق عبد المنان محمد قائلًا: «كانت الحياة صعبة هنا، كانت المنظمة تطلب من كل فرد أطفاله، وبعد قضاء عام في السجن، غادرت متجهًا إلى تركيا. ولم أتمكن من العودة إلا بعد ثلاث سنوات». فيما يقول إسماعيل هليل: «كانت المنظمة هنا لخمس سنوات، لقد أساؤوا معاملة العرب بطريقة فظيعة، لكن تركيا موجودة هنا الآن».
وعلى الجانب الآخر، بدلًا من سوء معاملة المدنيين، أطال الجيش التركي من فترة تنفيذ العملية، التي كان من الممكن في المعتاد أن تنتهي بدون مجهود عبر نشر قوات المدفعية الثقيلة؛ بهدف التخطيط للتقدم وفقًا للتدابير المتبعة للتأكد من عدم إلحاق الضرر بالمدنيين. وبعبارة أخرى، لم تتبع القوات المسلحة التركية طريقة شن القصف المدفعي بدون أدنى اعتبار لخسائر الأرواح في صفوف المدنيين كي تستولي على المدينة بأي تكلفة، مثلما فعلت الولايات المتحدة في الرقة وتل أبيض، وغيرهما.
ومن أجل هذا حظي الجيش التركي وقوات الجيش السوري الحر التي صاحبته بترحاب عند دخولها عفرين، إضافة إلى التعبير عن المودة والبهجة.
وفي النهاية، نُفذت عملية غصن الزيتون بأسلوبٍ يعكس القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد والضمير السامي والمبادئ التوجيهية التي يحظى بها الجيش التركي والأمة التركية بأكملها، جنبًا إلى جنب مع الوضع في الاعتبار سلامة وأمن جميع الأبرياء من المدنيين والنساء والأطفال والكهول على السواء. اختُتِمَت العملية بنجاح عن طريق التركيز الحصري على استهداف الإرهابيين ومواقعهم ومخابئهم وإمداداتهم ومعداتهم. أما فيما يتعلق بحملة التضليل وجهود الدعاية السوداء التي اضطلعت بها وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني وبعض المنصات الإعلامية الغربية التي تدعم هذه المنظمة الإرهابية ضمن جهود عملياتها الدعائية، فقد أثبتت أنها لا تستند نهائيًا إلى أي أساس واقعي سليم.