يبلغ مجمل عدد سكان العالم حوالي 1.5 مليار نسمه (يشكل المسلمون حوالي ربع هذا العدد) أما من ناحية الموارد المعدنية، والأهمية الجغرافية الاستراتيجية، فإن العالم الإسلامي يشكل قوة عظمى لها وزنها.
إنطلاقاً من اندونيسيا الى تشاد ومن القوقاز إلى تنزانيا ، ومن المغرب لفيجي، فإن العالم الإسلامي يغطي مساحة شاسعة جداً وينتشر على معظم الأراضي التي إنبثقت منها أعظم الحضارات في التاريخ.كذلك ساهمت الصفات الجيوسياسية، والثقافية، والجغرافية والاقتصادية لهذا الإمتداد الواسع في وضع المنطقة وبصفة دائمة على جدول أعمال السياسات والعلاقات الدولية على السواء. ومن العوامل المهمة الأخرى التي ساهمت في وضع المنطقة على هذا النحو هو حقيقة أنها مفترق طرق وممرات عبور للتجارة العالمية منذ قديم الزمان.
وعلى إعتبار أن القنوات والممرات المائية تربط البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط، والمتوسط بالخليج الفارسي (العربي) إلى المحيط الهندي، بإعتبار أن هذه المجاري المائية وقعت تحت سيطرة المسلمين، الواقع الذي جعل أهمية العالم الإسلامي في وضع التوازن العالمي شيء واضح متفق عليه.إضافة إلى ذلك فإن أغنى وأهم المناطق في العالم، من حيث الأهمية الاستراتيجية والموارد الطبيعية مثل النفط والغاز الطبيعي، موجودة بالفعل في بلدان العالم الإسلامي. إن الاستخدام الفعال لهذه الموارد يمثل فرصة استراتيجية كبيرة جداً للعالم الإسلامي لزيادة التأثير على مجريات السياسة العالمية.
إن الأوضاع الحالية تشير إلى أن العالم الإسلامي سيكون له تأثير واضح على أحداث القرن الحادي والعشرين بشكل او بآخر. ولكن المسألة الأكثر لأهمية والتي تطرح نفسها هو أن هذا التأثير يجب أن يكون ذا تأثير إيجابي على العالم الإسلامي بشكل خاص وعلى الإنسانية بشكل عام. وكذلك الأمر الأخر الذي يتبادر إلى الذهن في هذه المرحلة هو ما إذا كان العالم الإسلامي يملك القدره على لعب مثل هذا الدور في الحالة الراهنة. مما لا شك فيه أن المسلمين لديهم القدرة والوعي اللازم لتحمل مثل هذه المسؤولية. ولكن بالنظر لأحوال الدول الإسلامية اليوم نجد أن هناك العديد من المشاكل التي تعوق لعب هذا الدور، من بين هذه المشاكل غياب الديمقراطية، وعدم القدرة على مواكبة التقدم التكنولوجي، والإقتصاد المتخلف.
لذلك، وليكون العالم الإسلامي قادراً على القيام بدور فعال في هذه الفترة الراهنة وما يعقبها، يجب عليه أولاً حل مثل هذه المشاكل العالقة وما شابهها. إن الإنقسام والتفتت في العالم الإسلامي مشكلة تلح في طلب الحل كأكثر ما يكون الإلحاح . إن قضية كون المسلمين غير قادرين على إنشاء إتحاد إسلامي قوي وفعال هو العامل الرئيسي لكثير من أمراض الأمه اليوم. عند تشكيل هذا الإتحاد الإسلامي على أسس سليمة متينة فإن المشاكل المذكورة لن تبدو كما هي عليه الأن وسيتم حلها باسرع من التوقعات الحالية. وهنا نذكر نقطة هامة يجب التنبه إليها وهي أن التنوع الموجود في العالم الإسلامي، فضلا عن وجود مدارس مختلفة من الفكر الإسلامي، ليست القضية صاحبة المشكلة. إن تحرير المسلمين من هذا الاختلاف لا يعني أن يتم حشر جميع الأطياف تحت إدارة واحدة أو نظام واحد. بل الذي يجب أن يكون هو أن تجتمع كل هذه الأطياف تحت مظلة جامعة واحدة هي مظلة الإيمان، وعلى أساس من التضامن والتسامح المتبادل.
إن الإختلافات في الفكر والتطبيق، أو في وجهات النظر هي ظاهرة طبيعية وموجودة في جميع المجتمعات. الأخلاق الإسلامية الصحيحة تتطلب أن لا ننسى أبداً كمسلمين أن جميعاً أخوة وأخوات، بصرف النظر عن الإختلافات. أياً كان العرق أو اللغة أو الأصل أو المذهب الذي يعتنقه المسلم، فإن الحقيقة الذي يجب ان تربطنا هو حقيقة أننا جميعاً مسلمون. ولذلك، فإن هذا التنوع يجب قبوله على إعتبار أنه نوع من الثراء الإجتماعيبدلاً من إعتباره مصدراً لإحتمالات الصراع والتشتت. إن النظرة الخاطئة بخصوص هذا التنوع والإختلاف يحوُّل إنتباهنا وطاقاتنا عن القضايا الرئيسية الملحَّة ويؤخر بل ويحبط التقدم في سبيل حل هذه القضايا، والحاجة للقيام بمبادرات لمنع حصول أزمات مستقبلية في إطارها.
إن الحل يكمن في تشكيل الاتحاد الاسلامي، هذا الإتحاد يجمع كل المسلمين بجميع مذاهبهم وأطيافهم وطوائفهم ويقودهم إلى طريق النصر. ولأهمية هذا القرار الإسترتيجي، يجب على كل مسلم وعلى جميع المستويات العمل من أجل تحقيقه على أرض الواقع.
1. ينبغي على جميع الدول والحكومات الإسلامية العمل من أجل الإعداد لتحقيق هذا الإتحاد الإسلامي من خلال تطوير علاقاتها مع الدول والحكومات الإسلامية الأخرى، وتنظيم الأنشطة الثقافية التي من شأنها المساهمة في ترسيخ القيم والأخلاق الإسلامية الحقيقية في بلدانهم.
2. يجب على جميع المنظمات الإسلامية غير الحكومية والجمعيات والمؤسسات الخيرية، و أعضاء المؤسسات الإعلامية، والمفكرين عليهم بذل جهود حقيقية لحل الخلافات بين المسلمين ومحاولة تحقيق التقارب والوحدة والتضامن ووضع كل ذلك هدفاَ منشوداً.
3. ينبغي على جميع المسلمين وعلى جميع المستويات العمل على تحقيق هذه الوحدة الإسلامية، بغض النظر عن المذاهب أو الطوائف التي ينتمون إليها، وعلى إختلاف ميولهم ومشاربهم، بل وحتى على إختلاف المساجد أو المدارس التي يحضرونها، أومواقع الانترنت التي يزورونها، أوالجمعيات الخيرية أو المؤسسات التي ينتمون إليها. وعليهم كذلك تشجيع المسلمين الآخرين على أن يحذو حذوهم.
وليكن غاية المسلمين جميعا هي عودة الحضارة الإسلامية العظيمة إلى الإزدهار من جديد، تلك الحضارة التي جلبت وستجلب الخير والعدل والسلام للمسلمين ولكافة الناس على حد سواء. وسيكون تشكيل الإتحاد الإسلامي هو السبيل لتحقيق كل ذلك ان شاء الله.
جميع المسلمين الذين يرغبون في لعب دور في هذا الواجب المقدس، ينبغي عليهم أن يدعوا هذا الدعاء ويعملوا به:
تعالوا لرأب الصدع بين المسلمين. لنسد الخلل بين المسلمين الذين تفرقهم الكتب الفكرية المختلفة، وتفرقهم المساجد المختلفة. و لننبذ العداوات بسبب الخلافات الايديولوجية الصغيرة. دعونا نتخلص من هذه التفرقة المصطنعة. لنجعل بيوت الله، جميع المساجد مكان خالصاً للعبادة ليس مخصصاً لهذه المجموعة أو تلك الطائفة ولكن لجميع المسلمين على السواء. لنجعل جميع المسلمين يحيِّ بعضهم بعضاً وينبذون الفرقة بينهم وبين المسلمين جميعهم على حد سواء. دعونا ننه النزاعات بين جميع الجماعات أو الأفراد، ونجعل جميع المسلمين يتعاونون يدا بيد في تواضع وتسامح لخدمة دين الله.
ولا ننسى قول الله تعالى في كتابه العزيز:
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)
سورة آل عمران - 103