صوت الأمريكيون مرة أخرى في انتخابات رئاسية أخرى واختاروا دونالد ترامب ليكون رئيسهم المقبل. كانت الحملة الانتخابية صعبة حتى أثناء الانتخابات التمهيدية، حين تنافس مرشحو الحزب نفسه ضد بعضهما. وأصبح الأمر أشد وعورة حين أعلن ترشيح كل من ترامب وكلينتون لتمثيل حزبيهما لخوض عملية الانتخابات النهائية. عقد كلاهما حملات قوية للغاية، وبدا أن كلينتون تحوز قصب السبق، إذ كانت وسائل الإعلام الرئيسة تقف بجانبها، كما كانت تدعمها جميع التقارير والأخبار والتحليلات والبرامج التلفزيونية واستطلاعات الرأي، مما أعطى تصورا عاما أنها ستفوز.
ومع ذلك، أصبح ما هو غير متوقع واقعا وفاز ترامب بالانتخابات، وهو الذي تعرض لانتقادات بسبب بعض التصريحات التي أدلى بها خلال الحملة الانتخابية.
كانت إحدى أكثر الأفكار المثيرة للجدل التي وجدها الناس مزعجة أثناء حملته هي تصريحاته حول الإسلام والمسلمين، مثل هذه التصريحات ليست مقبولة تحت أي ظرف، ومع ذلك كان بيانه الأخير بعد الانتخابات مرضيا تماما، وألقى باللوم على الإعلام الأمريكي السائد والذي اتهمه - ترامب - بخلق حالة من الخوف بين المسلمين في بلاده. ومن المهم تصحيح تصريحاته الخاطئة وآمل أن يواصل القيام بذلك بمجرد توليه مقاليد السلطة رسميا. ما أعتقده هو أن ترامب ليس ضد الإسلام ولكنه ضد التعصب، ومن الإنصاف أن نعذره في خوفه هذا من العقليات المتعصبة، لأنه وفقا للمتطرفين، لا يحق لغير المسلمين الحياة. هذا الاعتقاد الخاطئ، الذي لا مكان له في القرآن، ليس فقط ضد غير المسلمين ولكن أيضا ضد أولئك الذين يدعون لحقوق المرأة والفن والجمال والحب والعلوم. لذا، فمن الأهمية بمكان أن يقدم له وللشعب الأمريكي الإسلام الدقيق كما جاء في القرآن الكريم.
يعتقد معظم المحللين في الولايات المتحدة أن السبب الرئيس لهذا التصويت كان الإحباط المتراكم لدى الناس من المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة ورغبتهم في تغيير الوضع الراهن. يتساءل الشعب الأمريكي لماذا تشارك الولايات المتحدة في العديد من الصراعات وتقيم باستمرار قواعد عسكرية خارج البلاد بدلا من التعامل مع الشؤون الداخلية. دول الشرق الأوسط أيضا ليست راضية عن العمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة. إذا كان قد تم انتخاب كلينتون، فمن المرجح أن تستمر سياسة الولايات المتحدة في تشددها ومن المرجح جدا أيضا أن تتصاعد العمليات العسكرية. وعلى خلاف ذلك، يبدو أن ترامب سوف يتبنى سياسة عكسية، فقد انتقد إنفاق الإدارة الحالية 6 تريليونات دولار على الحروب في الشرق الأوسط، والتي - كما قال - كان بإمكانها إعادة بناء أمريكا مرتين، وأضاف أن مئات الآلاف من الأرواح فقدت من كلا الجانبين.
عندما نعود إلى خطاب انتصار ترامب، سنرى رئيسا يرغب في وجود علاقات جيدة مع الدول الأجنبية والذي يفضل أن يكون جيدا معهم. ثم يتبادر إلى الذهن العلاقات مع روسيا. الأمر مفاجئ تماما أن يكون هناك رئيس أمريكي منتخب على استعداد لإقامة علاقات جيدة مع بوتين وروسيا. هذا من شأنه أن يكون فرصة جيدة لكلا البلدين للاستفادة: على سبيل المثال، قد يكون من المتوقع أن يتم رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا، لأنها تزيد من تفاقم سوء الوضع الاقتصادي على جميع الدول المعنية.
إن التحالف بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الأوسط يمكن أن يساعد في حل الأزمة في سوريا والعراق، وليس فقط مع روسيا ولكن من الضروري وجود علاقات وثيقة أيضا مع تركيا وإيران، لجعل الأمور في نصابها الصحيح في المنطقة. هنأ الرئيس التركي إردوغان ورئيس الوزراء يلدريم ترامب بفوزه في الانتخابات وقدما رغبتهما في تحسين العلاقات بين البلدين بعد أن توترت جدا في الآونة الأخيرة. وكان السبب الرئيس لهذا الاضطراب الدعم العسكري من قبل الإدارة الأمريكية لحزب الاتحاد الديموقراطي في سوريا، والذي يتبع مباشرة منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. عامل آخر مهم هو تجاهل طلب تركيا من الإدارة الحالية تسليم غولن، والذي تحمله تركيا المسؤولية عن محاولة انقلاب 15 يوليو الماضي، ويعتقد كبار المسؤولين الأتراك أنهم سوف يصلحون العلاقات المنقطعة مع الولايات المتحدة، وأن ترامب سيكون أكثر استعدادا للاستماع لطلبات تركيا. موقف ترامب الإيجابي لدعوة الرئيس إردوغان لتركيا يمثل تقدما مهما.
من ناحية أخرى، فإن إيران لاعب رئيس آخر في المنطقة، لديها بعض الشكوك حول كيفية تصرف ترامب عندما يأتي إلى السلطة حيال خطة العمل المشترك الشاملة (JCPOA). إذ كان ترامب غير محبذ للاتفاق النووي خلال حملته، لكن لهجته تغيرت بعد أن فاز، وأشار إلى أنه سيعيد التفاوض فقط في الاتفاق. بالإضافة إلى ذلك، أكد رودي جولياني - رئيس بلدية نيويورك السابق وأحد مؤيدي ترامب - أن ترامب خطط للإبقاء على العقد. إلى جانب ذلك، فإلغاء هذا العقد لن يفيد الولايات المتحدة، لأنه قد يبدأ رد فعل مناهض للولايات المتحدة في إيران.
أخيرا أود أن أهنئ الرئيس المنتخب وحكومته، وبصفتي مسلما، فأنا أدعو الله أن تجلب العلاقات الجيدة مع روسيا وتركيا والدول الإسلامية حماسة جديدة للعمل لتحقيق السلام. وآمل أيضا أن تساعد رئاسته في إعادة بناء أمريكا الدينية مع فكرة إحياء الحلم الأمريكي الذي كان الأمريكيون يتوقون إليه منذ زمن.