يتحكم الإنسان جزئيًا في جزء يسير جدًا من جسمه، فهو مثلاً يستطيع المشي والحديث أو القيام بعمل باستخدام يديه، ولكن آلاف العمليات الكيميائية والفيزيائية التي تجري في أعماق جسمه تتم بدون علمه وإرادته، ولنتناول عملية نمو الجسم كمثال على ذلك .
إن رضيعًا في العام الأول من عمره يبلغ وزنه ضعفي وزنه عند ولادته تقريبًا وطوله يزيد بنسبة 50%، ومع مرور السنوات يزداد وزنه وطوله بشكل سريع.
هذا النمو المعجز يتحقق عن طريق التواصل البديع بين الخلايا، ويدار جسمنا عن طريق نظام اتصالات كيميائي، وعناصر هذا النظام الناقلة للأوامر والمسماة الهرمونات تنقل أوامر استمرار حياتنا بين الخلايا، وعن طريق هذا التواصل يتحقق نمو متزن في جسمنا .
إن الطفل يكبر ويصبح بوزن 70-80 كغم وبطول 170-180 سم في ظرف عشرين إلى خمس وعشرين سنة، أما الذي يؤمن ذلك فهو تلك المادة المعجزة التي تفرزها الغدة النخامية أي هرمونات النمو، ولنرى تأثيرات هرمونات النمو في الجسم عن طريق التعرف على الغدة النخامية أولاً .
الغدة النخامية هي قطعة لحمية زهرية اللون صغيرة بحجم حبة الحمص، مرتبطة عن طريق مستقيم صغير بمنطقة هيباتالاموس الموجودة تحت الدماغ، وعن طريق هذا الارتباط تتلقى الأوامر المباشرة من الهيباتالاموس حيث تنتج الهرمونات اللازمة وفقًا لهذه الأوامر، وتؤمن القيام بالترتيبات التي يحتاجها الجسم.
ونمو الجسم هو من الترتيبات التي تقوم بها الغدة النخامية في الجسم.
الخلايا التي تتحرك وفقا لأوامر الغدة النخامية
إن عملية نمو جسم الإنسان تتم بشكلين مختلفين أحدهما عن طريق زيادة حجم بعض الخلايا، أما الآخر فعن طريق تكاثر بعض الخلايا بالانقسام، وهرمون النمو هو الذي يؤمن ويتحكم بهاتين العمليتين.
يؤثر هرمون النمو الذي تفرزه الغدة النخامية على كل خلايا الجسم، وكل خلية تفهم معنى التعليمات التي تصلها من الغدة النخامية وإذا وجب عليها النمو تنمو، وإذا وجب عليها التكاثر بالانقسام تكاثرت.
مثلا قلب الطفل عند ولادته يكون بحجم جزء من 16 جزءًا من حجمه عند الكبر تقريبًا، ومع ذلك فإن إجمالي عدد الخلايا بنفس عدد خلايا قلوب الكبار، وهرمون النمو يؤثر على كل خلايا القلب في مرحلة النمو، وهكذا فإن كل خلية تنمو بقدر ما أمرها هرمون النمو. وهكذا أيضا ينمو القلب ليصبح قلب إنسان ناضج.
يكتمل تكاثر خلايا الأعصاب في نهاية الشهر السادس والطفل في رحم أمه، ويبقى عدد خلايا الأعصاب ثابتًا في الفترة من هذه المرحلة حتى الولادة ومن الولادة حتى الكبر. وهرمون النمو يأمر خلايا الأعصاب أيضا بالنمو حجمًا، وهكذا يأخذ نظام الأعصاب شكله النهائي مع انتهاء مرحلة النمو.
والخلايا الأخرى في الجسم -مثل خلايا العضلات والعظام- تتكاثر بالانقسام طوال مرحلة تطورها، وهرمون النمو هو أيضًا الذي يبلغ هذه الخلايا الكم الذي يجب أن تنقسم إليه.
وفي هذه الحالة يجب علينا أن نسأل السؤال التالي :
كيف يمكن للغدة النخامية أن تعرف المعادلة اللازمة لانقسام الخلايا أو نموها؟ إن هذا إعجاز لأن قطعة لحمية بحجم حبة الحمص تتحكم بكل الخلايا الموجودة في الجسم وتؤمن نمو أو انقسام هذه الخلايا.
عظمة خلق الله
في هذه النقطة يظهر الكمال في خلق الله، فالخلايا الموجودة في منطقة صغيرة، تؤمن نمو أو انقسام تريليونات الخلايا ضمن نظام معين. مع أن هذه الخلايا لا يمكنها رؤية جسم الإنسان من الخارج ولا معرفة مدى ضرورة نمو الجسم وعند أي مرحلة يجب أن يتوقف. إن هذه الخلايا اللاشعورية تنتج هرمون النمو بدون معرفة حتى ماذا يفعلن في غياهب الجسم، والأدهى أنهن يوقفن الإنتاج في الوقت الواجب توقفهن عنده. كما يلاحظ أن نظامًا بديعًا خلق في الجسم، لدرجة أن كل مرحلة من النمو وإفراز الهرمونات تكون تحت السيطرة.
إن قيام هرمون النمو بإصدار أوامره لبعض الخلايا بالنمو حجمًا ولبعضها بالانقسام هو معجزة بذاته، لأن الهرمونات التي تصل لكلا الخليتين هي نفسها، لكن كتب على الشفرة الجينية للخلية التي تتلقى الأوامر كيف يجب عليها أن تتحرك، وهرمون النمو يأمر بالنمو ومكتوب في تلك الخلية كيف يتم ذلك. يثبت هذا مرة أخرى مدى القدرة والعظمة في خلق كل نقطة في جسم الإنسان.
إن تأثير هرمون النمو على كل خلايا الجسم معجزة عظيمة. ولو أطاعت بعض الخلايا هرمون النمو وعصته البعض منها لكانت النتيجة مصيبة. مثلا إذا نمت خلايا القلب بالشكل الذي أمرها به هرمون النمو، ورفضت خلايا القفص الصدري التكاثر والنمو، ماذا كان سيحدث؟ بالتأكيد سينحشر القلب النامي في القفص الصدري الصغير وتكون النتيجة موت الإنسان.
أو إذا نما عظم الأنف وتوقف جلده عن النمو، فإن عظم الأنف سيمزق جلد الأنف ويخرج. إن كل العضلات والعظام والجلد والأعضاء تنمو بشكل متناسق، وهذا الانسجام التام يتم نتيجة طاعة كل الخلايا لهرمون النمو.
التطور المعجز للعظام
يأمر هرمون النمو بتطور أنسجة العظم اللينة في أطراف العظام، وهذا العظم اللين يشبه قلب طفل ولد حديثًا، وطالما لا ينمو العظم اللين لا ينمو الطفل، والخلايا الموجودة هنا تنمي العظام طوليًا، ولكن كيف تعرف هذه الخلايا الموجودة ضرورة تنمية العظام طوليًا؟ إذا نمت هذه العظام جانبيًا فإن الفخذ لن يطول، حتى أن عظم الفخذ عندها سيمزق الجلد في هذه المنطقة ويخرج. ولكن كل شئ تم حسابه وتم وضع المعلومات الخاصة بهذا الحساب في الشفرة الجينية للخلية، وعن طريق هذه المعلومات تعرف كل خلايا العظام كيف يجب عليها أن تتصرف، وبالتالي تنمو العظام طوليًا.
يجب أن لا ننسى عند دراسة نشاطات هرمون النمو أن نجاحها ناتج عن توحد مجموعة من الذرات وأنها جزيئات جامدة لا شعور ولا يد ولا عين ولا دماغ لها.
إن كل هذه التفاصيل المتعلقة بهرمون النمو وكل هذه التوازنات الحساسة المتداخلة تظهر حقيقة واحدة: أن الإنسان خلقه الله دفعة واحدة وبشكل متكامل، والله ذكر قدرته على الخلق في القرآن الكريم كما يلي:
" وله من في السماوات والأرض كل له قانتون . وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم . " (سورة الروم 26-27) .