لقد سمعنا جميعًا قصصًا عن أشخاص من مختلف أنحاء العالم يتحدثون عن الحلم الأمريكي، أو كيف يرغبون في الهجرة إلى الولايات المتحدة بحثًا عن حياة أفضل، ويرجع هذا الإعجاب السائد في أجزاء كثيرة من العالم إلى الحريات الجديرة بالثناء والمستويات المعيشية المرتفعة الموجودة في المجتمع الأمريكي.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأ ظهور اتجاه جديد آخر يشوه بالتأكيد تلك الصورة المشرقة، إذ بدأ المزيد والمزيد من الناس يغادرون الولايات المتحدة الأمريكية عامًا بعد عام بسبب التهديد الناجم عن تلك المشكلة التي من المفترض أنه تم القضاء عليها منذ عقودٍ بالفعل: العنصرية.
مرت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الكثير من مراحل التغيير على مدى تاريخها، فقد تورطت منذ نشأتها في مشكلة عويصة من الرق والعنصرية، واستمر الأمر لفترة طويلة ونتج عنه الكثير من الذكريات المؤلمة. ومع ذلك، مع بداية العصر الحديث، تمكنت البلاد من اقتلاع مشكلة العنصرية بمهارة، وكانت النتائج جيدة جدًا حتى أن أحفاد ضحايا العنصرية يمكنهم العيش اليوم حياة طبيعية نسبيًا دون الحاجة إلى المرور خلال نفس التجربة التي واجهها أسلافهم.
ومع ذلك، يبدو أن هذه المشكلة الخبيثة قد اتخذت شكلًا مختلفًا، يبدو أنها لا زالت تقبع داخل ذلك المجتمع، ولكنها قد اتخذت دورًا أكثر تخفيًا وخطورةً. نعم، لم تعد العنصرية مشكلة رسمية تدعمها الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها لا تزال تترنح في الخلفية ووجودها قوي بما فيه الكفاية لدفع بعض المجموعات من الشباب الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية خارج البلاد.
وبسبب هذه المشكلة الخفية، الموجودة كما ذكرنا، يسعى آلاف الشباب إلى إيجاد حياة جديدة في أماكن أخرى، إذ أظهرت المجتمعات الأمريكية الأفريقية سعي الأمريكيين الأفارقة الشباب للحصول على وظائف معلمين أو بدء مشاريعهم الخاصة في العديد من البلدان الأفريقية مثل السنغال، وغانا. وكثير من الوافدين الأمريكيين الذين غادروا البلاد أكدوا أنهم اختاروا مغادرة البلاد ووسائل الراحة التي تقدمها لأنهم يقدرون الاحترام أكثر من تلك الكماليات.
وهذا أمر غريب بالنظر إلى الكيفية التي يُنظر بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها مركز التقدم والحداثة، لكنها لا تزال الحقيقة! تسمع قصصًا عن أغنى الشخصيات السوداء، مثل أوبرا وينفري، تُطرد خارج إحدى المتاجر أو جاي-زي (شون كوري كارتر) لا يُسمح لها بشراء «شقة»، تحدث مثل هذه الأمور، ولا يهم إذا كنت من المشاهير، أم كنت مواطنًا من الدرجة الثانية.
تقول محمدية المهاجر، التي كانت تعمل في التسويق الرقمي في مدينة نيويورك قبل أن تنتقل إلى أكرا، عاصمة غانا: «كانت هذه تمثل المشكلة الأكبر بالنسبة لي»، شاطرها العديد من أقرانها نفس المشاعر وشكوا من أنه مهما بلغ الشخص من نجاح، كانوا يشعرون دائما مثل الغرباء في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقولون إنهم يشعرون بسعادة أكثر بكثير في أماكنهم الجديدة على الرغم من عدم وجود الكماليات أو وسائل الراحة المماثلة لتلك الموجودة في الولايات المتحدة. وتضيف المهاجر: «في أمريكا، يحاول الشخص منا دائمًا إثبات نفسه، لست بحاجة إلى إثبات نفسي بمعايير أي شخص آخر هنا، فأنا بطلة، ركضت طيلة حياتي حتى تمكنت من اللحاق بالجامعة، وأنا شخصية تحب النجاح والانتصار، لذلك أرفض أن أكون في وضعٍ لن أفوز فيه أبدًا».
لديها بالتأكيد وجهة نظر، فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، توجد في نيويورك جماعات تحض على الكراهية أكثر من جورجيا، أو ولاية ألاباما أو غيرها من الولايات التي تُعتبر عادةً أقل ودية تجاه السود. وبالإضافة إلى ذلك، فقد بلغ عدد جرائم الكراهية في مدينة نيويورك 380 جريمة في عام 2016، وهي أعلى نسبة في جميع أنحاء البلد، وهو أمرٌ مقلقٌ حقًا إذ من المفترض أن تكون نيويورك واحدة من أكثر الولايات تقدمًا في البلاد.
تبدأ قضية العنصرية في وقت مبكر من حياة الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، ووفقا لتقرير نشرته وكالة أنباء يو إس نيوز، فإن الأطفال السود في مرحلة ما قبل المدرسة أكثر عُرضة للفصل أو الإيقاف من الأطفال البيض بكثير، في حين يبلغ إيقاف الأطفال السود في مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثاني ثلاثة أضعاف أقرانهم البيض. أما في مرحلة البحث عن عمل، فإن صعوبة عثور خريجي الكليات من المواطنين السود على وظائف ضعف قرنائهم البيض.
ووجدت دراسة أن الأشخاص الذين لديهم فقط «أسماءً تبدو كأسماء السود» عليهم أن يرسلوا طلبات عمل بنسبة 50% أكثر من الأشخاص الذين لديهم «أسماء تبدو مستخدمة لأشخاص بيض» لمجرد الحصول على رد. ويملك حوالي 73% من البيض منازل خاصة بهم، مقارنة بـ 43% فقط من السود، ناهيك عن الفجوة المذهلة في الثروة، إذ يبلغ متوسط الثروة للبيض (حوالي 91 ألف دولار) مقارنة بالسود (حوالي 7 آلاف دولار)، وقد تضاعفت هذه الفجوة ثلاث مرات خلال السنوات الـ 25 الماضية.
ويبلغ متوسط القيمة الصافية للأسر البيضاء حوالي 265 ألف دولار، في حين تبلغ 28500 دولار للسود. ومن المرجح أن يتم توقيف وتفتيش الرجل الأسود في محطات المرور ثلاث مرات مقارنةً بنظيره الأبيض، ومن المرجح أيضًا أن يذهب إلى السجن من السود ستة أضعاف من يذهبون من البيض، أضف إلى ذلك أن احتمالية رفع المدعين العامين المحليين القضية لجناية القتل إذا كان المتهم أسود أكثر عمّا إذا كان المتهم شخصًا أبيض، أما المحلفون السود المؤهلون فيتم رفضهم بشكلٍ غير قانوني في أغلب الأحيان – بقدر 80% من الوقت – في عملية اختيار هيئة المحلفين.
وبالنظر إلى كل هذه النتائج المثيرة للقلق، فإنه ليس من المستغرب جدًا أن نرى أن العديد من الأمريكيين الأفارقة يشعرون بأنهم سيكونون أكثر سعادة في بلدان أخرى، وغني عن القول أن هذه المواقف التمييزية العنصرية لا يمكن تعميمها على أنها سلوك عام للمجتمع الأمريكي بأسره، ولكن من الصحيح أيضًا القول، أنه ينبغي أن يكون هناك شيء من هذه العقليات القبيحة في هذا البلد الجميل. لذلك، يجب معالجة المشكلة بسرعة وفاعلية قبل أن تجرّ إلى مزيدٍ من الضرر وتخلق فجوة أكبر بين مختلف المجموعات في المجتمع الأمريكي.
https://www.sasapost.com/opinion/african-americans/