هارون يحيى
لقد قيل وكُتب الكثير عن قمة منظمة التعاون الإسلامي التي عُقدت مؤخرًا في إسطنبول، ولن نقوم هنا بعمل تقييم جديد لشكل ونتائج هذه القمة، بل إن لشرح الموجود في هذا المقال يتعلق بما قامت هذه القمة بتذكير تركيا والعالم الإسلامي به.
الإسلام قوة عظيمة في ذاته، والبلاد والزعماء والمنظمات والأفراد الذين يمثلون الإسلام هم جزء هام من هذه القوة الضخمة، وهم يدركون جيدًا أنهم لن يستطيعوا فرض هيمنتهم على مجتمع مسلم متوحد، وأن دعايتهم المعادية للإسلام ستكون هي الفعالة، ولهذا السبب فلطالما مثلت الأعمال التي تتضمنها الاتفاقيات التي تعقدها الدول الإسلامية والأنشطة التي تؤكد على تضامنهم مصدر إزعاج لهم. وسيكون للجيش الإسلامي، ولاجتماع منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد مُؤخرًا على مستوى القيادة، نفس التأثير أيضًا.
تعتبر هذه القمة في غاية الأهمية من حيث أنها تُظهر التركيز على التضامن، ويجب على الدول الإسلامية أن تنحي الخلافات جانبًا وتقوم بتقوية أواصر المحبة وحل مشكلاتها من خلال قوتها وتضامنها. عند هذه المرحلة، من الضروري أن نعيد إلى الأذهان العامل الوحيد الذي جمع تلك الدول مع بعضها في ذلك الاجتماع، وهو الإسلام، فطالما لا تقيم الدول الإسلامية وحدة مبنية على القيمة المشتركة بينهم وهي الإسلام، فلن يكونوا قادرين على التحول إلى تلك القوة العظيمة التي ذكرناها سابقًا، وعلى الرغم من أن الشراكات التجارية والاتفاقات العسكرية مفيدة إلى حد معين، فهي ليست ضمانًا أبدًا على التحالف العميق المرغوب.
ولكن الإسلام هو الضامن لمثل هذا التحالف عميق الجذور، فهو يجعل هذه الدول قوية لا تقهر، وهو يحل النزاعات، ويساعد على أن تزدهر الدول معًا، ويجعل المجتمع الإسلامي ممثلًا للسلام.
من المهم للدول الإسلامية التشديد على أهمية الدول القومية والحدود الدولية خلال هذا المؤتمر، وتؤكد المقاومة ضد بعض الحضارات الغربية التي تعتبر الانفصال ميزة، بالإضافة لمقاومة الطائفية التي تقوم بتفتيتنا داخليًا، وهذا الأمر هو أحد أهم المواضيع التي يجب أن نتذكرها وتتذكرها الدول الإسلامية. ومن الآن فصاعدًا، فالمجتمعات الإسلامية مُلزمة بأن تثبت للعالم أن "الانفصال ليس هو الحل الوحيد".
والآن فلنذهب إلى تركيا، قامت هذه القمة بتذكير تركيا بقيمة مهمة غابت عنها لمدة وهي روح التصالح، وبينما كانت تصريحات الرئيس أردوغان "يجب أن نقوم بتقوية التحالفات وليس النزاعات، والتسامح وليس الحقد" بمثابة تأكيد على هذا الأمر، فالصورة المُقدمة في القمة كانت إشارة على ذلك، وقد تعززت العلاقات بين تركيا والسعودية باستضافة ملك السعودية، وأصبح التوافق بين مصر وتركيا ممكنًا عن طريق - مرة أخرى - وساطة الملك سلمان، حيث تم استضافة وزير الخارجية المصري في إسطنبول، وتعززت العلاقات الثنائية مع العراق، كما تم التأكيد على أن جميع الدول الإسلامية لديها حليف بغض النظر عن الاختلافات بين الشيعة والسنة، وكل تلك الأمور هي تطورات ومبادرات كانت تحتاجها تركيا منذ وقت طويل.
وإذا كان هناك درس مهم تعلمناه من القرن الحادي والعشرين، فهو حقيقة أنه من المستحيل حل المشاكل من خلال الغضب أو الضغينة أو العنف، وأن التحالف والالتفاف حول بعضنا البعض يؤدي دائمًا إلى نتائج إيجابية وبناءة.
وانطلاقًا من هذه النقطة، على تركيا أن تضع هذه المواضيع التي طرحتها في القمة التي استضافت الدول الإسلامية موضع التنفيذ في شؤونها الداخلية كذلك، ونحن كأبناء أمة واحدة علينا أولًا أن نبني روح التضامن داخليًا، ثم نحملها كمثال للعالم.
وليست هذه ضرورة حيوية لتركيا فقط، ولكنها أيضًا ضرورة لكل الدول الإسلامية الجميلة في الشرق الأوسط، وهي حقيقة معروفة أن الاستقطاب والنزاعات والعداء الذي لا ينتهي يستخدم كوسيلة لفرض السيطرة على كل تلك الدول، وهو ما أدى للوضع الحالي لسوريا. وبالتالي، فحل المشكلة الرئيسية داخليًا سيقوم بإحباط مخططات أصحاب الدوافع الخفية. وكدول إسلامية علينا أن نتمسك بمبادئ الوفاق، والتوافق بين أحدنا الآخر، وأخيرًا المصالحة مع العالم. كما يجب أن نحل المشاكل بين بعضنا البعض من خلال الألفة، ثم الوصول إلى مرحلة الحكمة والقوة التي تسمح لنا بتعليمها للعالم، وهو ما يأمرنا به ديننا قبل كل شيء. والطريقة الأولية لتحقيق ذلك هي ألا ننسى أبدًا أن هناك قاعدة واحدة حقيقية مشتركة وقوية بيننا، وهي بالأساس ما يقربنا من بعضنا، وتلك القاعدة القوية هي ديننا الإسلامي الحنيف.