ظل تدفق المهاجرين من إفريقيا إلى أوروبا مشكلة مستمرة لفترة طويلة من الزمن. فالحروب التي لا تنتهي والفقر المزمن في أجزاء من القارة لم يؤد إلا إلى تفاقم المشكلة.
هؤلاء الناس الذين يمتلكون الحق بالتأكيد في عيش حياة كريمة ورغدة مثل نظرائهم الأوروبيين يخوضون رحلات خطرة باتجاه المستقبل المجهول، على أمل إيجاد حياة أفضل. لكن ما دام الفقر والصراعات مستمران ستكبر المشكلة وسيتطلع المزيد من الناس المعدمين والمسحوقين إلى أوروبا، على أمل إيجاد جنة آمنة وحياة كريمة.
نحن نعلم اليوم أنه إلى جانب ملايين الناس الذين يسعون للجوء إلى الدول الأخرى بسبب التهديد المباشر الواقع على حياتهم وكرامتهم، هناك عدد لا يستهان به منهم يريد فعل الأمر نفسه لتحقيق مستويات معيشية أعلى، ومن المؤكد أنهم يستحقون أن يعيشوا حياة رغدة مثل الباقين، لكن بما أنه من المستحيل حشر كل سكان العالم في مناطق معينة، يجب علينا العمل على تحقيق معايير الحياة الكريمة في كل مكان.
بعبارة أخرى فإن حل مشاكل الهجرة واللجوء يكمن في نقطتين رئيسيتين:
توفير ملجأ ومستقر عاجل للناس الذين يحتاجون الحماية والمساعدة.
تحسين شروط الحياة في المناطق الإشكالية حتى لا يشعر الناس بالحاجة لترك بلادهم وطلب حياة أفضل في أماكن أخرى.
ويجب ألا ننسى أن القوى الاستعمارية الأوروبية لعبت دورا مهما في حالة الفقر والتمزق التي تعاني منها الدول الإفريقية، في حين تطورت أوروبا وازدهرت وبنت حضارة تهتم بالثقافة والعلم والفن، فإن قادة أوروبا في ذلك الوقت، سعيًا وراء أحلامهم الاستعمارية، انتهكوا كل الحقوق الإنسانية والقيم الأخلاقية واستغلوا إفريقيا بشكل مريع. لدرجة أنه خلال الفترة ما بين 1881 و1914 وهي ما يطلق عليها الآن «التدافع نحو إفريقيا» سيطر الأوروبيون على أكثر من تسعين في المئة من القارة. مع الوقت وعلى الرغم من مواردها الطبيعية وجمالها وفنها وثقافتها، أصبحت القارة تعاني فقرا مدقعا. اليوم ورغم الموارد الطبيعية فإن أفقر 75% من دول العالم موجودة في إفريقيا. وما زالت آثار تلك الأيام بادية في أماكن معينة في القارة، على سبيل المثال ما زالت فرنسا تتلقى ما يسمى بالضرائب الاستعمارية من المستعمرات الإفريقية، التي تقدر بـ 500 مليار دولار في العام، ما زال العديد من الموارد في إفريقيا يخضع لسيطرة دول أوروبية معينة، والأدهى أن الصراعات التي لا تنتهي والحروب الأهلية المستمرة، تدمران القارة وتجبران الملايين على السعي لإيجاد الملجأ والمساعدة.
مع ذلك ما زال بالإمكان جعل إفريقيا مركزًا للثقافة والتحضر. من الممكن جعل مدينة لاجوس باريس أخرى ودار السلام روما جديدة وتحويل أديس أبابا إلى لندن، تمتلك القارة ما يكفي ويزيد من الإمكانات والثقافة لتحقيق ذلك. على سبيل المثال وفقًا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية في إفريقيا: فإن أفريقيا تنتج ثلاثة أرباع احتياجات العالم من البلاتينيوم ونصف ماسه وكرومه، وتحوز القارة خمس إنتاج العالم من الذهب واليورانيوم ويزداد فيها بشكل متزايد إنتاج البترول والغاز، مع دخول أكثر من ثلاثين دولة من القارة في هذه الفئة.
هذه الأراضي الرائعة كانت مهدًا لحضارات مذهلة في الماضي، بينما كانت أوروبا تغرق في ظلام العصور الوسطى، كانت تومبوكتو مستقرًا لأول جامعة في العالم. اليوم من الممكن جدًا تحويلها إلى مركز للثقافة والتعليم ومجمعًا للفن والموسيقى، جنة آمنة تعد بالحياة الجيدة والكريمة لمقيميها وزوارها.
بالفعل رأينا مثل هذا التحول مرات عديدة في الماضي. على سبيل المثال حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت المملكة المتحدة وأيرلندا والنرويج وإسبانيا والبرتغال مصدرًا أساسيًا لهجرة الملايين من المهاجرين إلى دول مثل الولايات المتحدة وأستراليا وبلجيكا. لكن مع ارتفاع معايير الحياة في هذه الدول انعسكت الآية وتحولت مصادر الهجرة إلى دول جاذبة للهجرة. لا يوجد سبب يمنع إفريقيا من تحقيق هذا، بالنظر إلى إمكاناتها ومواردها الطبيعية وخلفياتها الثقافية وتنوعها مقرونة برغبة عالمية للمساعدة، لكن أولًا على الاستعمار الحديث أن يتوقف فورًا، ثم بعد ذلك وتحت إشراف الأمم المتحدة بإمكان كل دولة وفقًا لحجم إنتاجها المحلي أن تساهم في تمويل صندوق لتطوير وتحسين معايير الحياة في إفريقيا، عندما يحدث هذا لن يستفيد فقط ساكنو هذه القارة الجميلة، بل الأوروبيون كذلك. سيتخلصون أخيرًا من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية التي تسببها الهجرات الواسعة وستكون لهذه الهجرات وجهة مختلفة تمامًا حيث بإمكانهم الذهاب والاستمتاع بمعايير مرتفعة للحياة في مشهد مختلف وثقافة مثيرة، لكن حتى يتحقق ذلك فإن تدفق المهاجرين سيستمر بالتأكيد.
إذن يجب علينا أن نتخذ خطوات جادة لحل جذور الأزمة وجعل كل تجمع سكاني بشري في العالم مكانًا جذابًا يعيش الناس فيه حياة رغدة متمتعين بكرامتهم الإنسانية.