تفاجأ الكثيرون جراء النتيجة التي أسفر عنها الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بالنسبة لبلدٍ قوي مثل إنجلترا، فإن اتباع ذلك المسار – الذي سيؤدي في النهاية لتفريقها – ليس بالأمر الطبيعي. ساهمت تلك الخطابات المتزايدة في كل من لندن واسكتلندا، فيما يتعلق بمسألة الانفصال، في تفجير مسألة الانفصال عن الاتحاد في باقي الدول الأوروبية بما في ذلك فرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وهولندا. فاكتساب الجماعات اليمينية المزيد من النفوذ داخل الاتحاد الأوروبي وتزايد الخطابات الداعية للانفصال هو أمر مُقلق للشعوب الأوروبية.
ولكن مسألة الانفصال تلك لن تعود بالنفع على أيّ من الدول أو الشعوب.
يواجه الاتحاد الأوروبي العديد من المشكلات، فهناك رغبة مُلحّة في الانفصال من قبل بعض الشعوب المُنضمة للاتحاد من ذوي العقليات المختلفة. ولا بد ألا يُساء فهم ذلك، فالاختلاف شيء جيد على العديد من الأصعدة. تساهم الوحدة بين الأمم من مختلف الأديان، والعادات، والأذواق في ازدياد التنوع والتقدم، وإذا كانت هذه الوحدة مُستمدة من الاختلاف في القيم، فإن الرّداءة، التي ستجد للفضيلة سبيلًا، لن تجلب لنا شيئًا سوى الصعوبات والغضب والخِصَام.
في بادئ الأمر،عندما تم تأسيس الاتحاد الأوروبي، فإنه تم الجمع بين أعضائه ضمن الإطار الذي تحكمه بعض المعايير ذات الطبيعة الخاصة للغاية. وتُعد تلك المعايير هي السبب وراء تقدير الاتحاد الأوروبي للعلوم والفنون والفنانين، واعتبار الجماليات الراسخة والفضيلة هما شرطا تأسيسه الرئيسية. لا يوجد شك في أن الشعوب الأوروبية ليست بالشعوب الخالية من العيوب. ومع ذلك، فهم يمثلون القدوة للعالم بأسره وذلك لما أعطوه من أهمية لقيمة الفضيلة.
وبالتالي، سيكون من الجيد ذكر النقاشات المحتدمة – التي حدثت مؤخرًا – حول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. في هذه الأثناء، هناك تراجع ملحوظ داخل تركيا – والتي وقفت لفترة طويلة على أبواب الاتحاد الأوروبي تنتظر الانضمام إليه، فيما يتعلق بعضويتها في الاتحاد الأوروبي (حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجع نسبة أولئك الداعين إلى ضرورة "استمرار تركيا في مساعيها نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي" إلى 14% فقط)، ويأتي هذا في الوقت الذي تزداد فيه الاتهامات الموجهة للاتحاد الأوروبي يومًا بعد يوم. والسؤال الذي يُطرح بشكل متكرر في هذا الصدد هو "لماذا كان على تركيا أن تنتظر طوال الـ 50 عامًا الماضية؟".
وقد كان السبب الأبرز الذي تم اقتراحه مؤخرًا فيما يتعلق بهذا الصدد "هو أن تركيا بلدًا مسلمًا" لدرجة أن ما تصل نسبته لحوالي 60% يعتقدون أن عملية التسويف التي يمارسها الاتحاد الأوروبي بشأن انضمام تركيا له سببها "أن تركيا بلدًا مسلمًا".
ومع ذلك فإن هذا التقييم خاطئ، ففي الوقت الذي تم فيه دفع ثمن إعطاء المصداقية لتلك الخرافات، فقد انحرف غالبية المجتمع الإسلامي - لسوء الحظ - عن النمط اللائق، وعن مستوى الحياة الراقي الذي يتعارض بقوة مع الفنون. بالتأكيد ليس جميع المسلمين على هذا النحو، فهناك بالتأكيد بين المسلمين من يتميزون بسبب كياستهم وخُلقهم. ومع ذلك، فإن مسألة تجاهل المواطنين الآخرين - والذين أصبحوا أغلبية - داخل المجتمعات المُسلمة للخُلق والفضيلة، باعتباره واجبًا دينيًا أصبحوا أغلبية، أصبح أمرًا واقعيًا وصحيحًا.
من المخيب للآمال أنه - وعلى الرغم من النظام الديمقراطي العلماني الذي تتبعه تركيا - فهي تستضيف إحدى تلك الجماعات التي تتميز بافتقارها لهذا النوع من الفضيلة. فقد أدى تواجدهم إلى حدوث حالة من القلق بين غالبية الشعب التركي بالإضافة إلى أوروبا.
إن الإسلام ليس مصدر القلق الرئيسي لأوروبا، فهذا الأمر مجرد خرافة. إن المجتمعات الملتزمة تمامًا بالقرآن تكون - بطبيعة الحال وحتمًا - هي المجتمعات التي تقود أنماط المعيشة ذات الفضيلة الكبيرة، إن الفضيلة تُعد الاسم لجمال الحياة لأن معنى الحياة لا يكون إلاّ من خلال الفضيلة. إن مخلوقات الله الجميلة تستحق الأهمية من خلال الفضيلة. الفضيلة هي النُبْل، أما الغرور والأنانية والرغبة في الانتقام فلا مكان لهم في الفضيلة، لذلك فإن المجتمعات ذات الخُلُق الرفيع لا تلجأ إلى العنف والغضب، ولا تتنازل عن احترامها، ويتحلون بالصبر والاعتدال. إنه لأمر ضروري للمجتمع الإسلامي أن يتبنى الفضيلة باعتبارها نمط حياة، وينبغي عليهم ألا يُفسحوا المجال للمتعصبين لهدم هذه الركيزة الرئيسية.
إذا كنا نريد الحديث نيابة عن تركيا، ونظرًا لجميع الأسباب التي ذكرناها سلفًا، فينبغي إنشاء "وزارة للفضيلة والفن" فورًا. إن هذه الخطوة لم يتم اتخاذها مُنفردة من أجل الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي. فقبل كل شيء، هذا ما نحتاج إليه نحن الشعب التركي.