يُعد شهر رمضان - بالنسبة للإنسان المسلم - هو وقت التجديد الداخلي وإعادة إحياء الجانب الروحاني، وهو أيضًا الوقت الذي يتأمل فيه الإنسان المسلم السبب الحقيقي وراء وجوده في هذا العالم، وهو الوقت الذي يُكفر فيه الإنسان المسلم عن سيئاته ويحرر نفسه من الذنوب ويتضرع إلى الله في محاولة للتقرب إلى الله. خلال هذا الشهر يستطيع الإنسان المسلم الاستمتاع بالبهجة الداخلية التي يتسبب فيها الصيام، ومساعدة أولئك الأقل حظًا، وبالتالي هي تجربة ممتعة التعرّف على نعم الله عز وجلّ وشكره عليها. لقد حان الوقت لتجربة جميع النعم الروحية والمُتع التي جلبها الدين الإسلامي للنفس البشرية وأن يخضع بكامل إرادته لمشيئة الله عز وجلّ.
ومع ذلك، فإن شهر رمضان يجب ألا يُخصص للعبادة فقط، فبجانب الصلاة والصوم والتأمل الروحاني، يجب أن تتضافر أيضًا خلاله الجهود لترسيخ قيم الصداقة والأخوة بين المؤمنين بعضهم البعض، وتأسيس روابط الوحدة بين المسلمين، فجوهر شهر رمضان يتمحور حول إضفاء ونشر روح المحبة بين البشر، واختبار مشاعر المحبة تجاه الجميع، وفهم حقيقة أن كل شخص وكل كائن حي هو أحد تجليات قدرة الله عز وجلّ وذلك بسبب حقيقة واحدة وهي أنهم - البشر - يستحقون الحب والرحمة.
لكن الأوضاع في العديد من الدول الإسلامية هذه الأيام، تكشف عن صورة الواقع البعيد كل البعد عن تلك الروح.
وفي جميع أنحاء العالم، يمر رمضان على بعض الشعوب الإسلامية - من العراق إلى أفغانستان، ومن فلسطين إلى ميانمار، ومن سوريا إلى شرق تركستان والصومال – بشكل مغاير تمامًا، فهو يمر عليهم وهم في خضم الصراعات، والحروب، وعمليات القصف، والنفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والظلم.
تقع البلدان الإسلامية ضمن تلك البلدان التي مزقتها الحروب، والقتال في سوريا جعلها أكثر البلدان التي دمرتها الحروب مما أدى إلى تزايد عدد القتلى في السنوات الأخيرة. اتخذت الانتفاضات التي بدأت بموجة من احتجاجات الربيع العربي عام 2011 مسارًا غير متوقع مما أدى لموت قرابة 500 ألف شخص وإصابة 2 مليون آخرين.
قضت الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم على أي حل للاجئين السوريين مما يجعلهم يبدأون رحلة خطيرة لطلب اللجوء في أوروبا. على مدار السنوات الخمسة الماضية، حاول السوريون البقاء على قيد الحياة وسط الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة والأسلحة غير الشرعية، التي استخدمت ضد المدنيين بصورة يومية.
وتمثل اليمن قصة أخرى من البؤس، على الرغم من أنها لا تتصدر عناوين الصحف بشكل منتظم مثل سوريا والعراق إلا أن هناك الكثير من العنف الدائر في اليمن التي تم تلخيصها في أحد تقارير الصليب الأحمر الذي قِيل فيه: ”الوضع في اليمن بعد خمسة أشهر أصبح يُشبه سوريا بعد خمس سنوات”.
إن المأساة التي تحدث في تركستان الشرقية التي كانت موطنًا للأتراك الشرقيين الذين يدينون بالديانة الإسلامية بالكاد يعرفها قطاع عريض من العالم بسبب قيام الحكومة الصينية بالتعتيم على الأمر وإبقائه بعيدًا عن وسائل الإعلام، إذ قامت الصين الشيوعية بتعذيب واعتقال وقتل المواطنين الأبرياء في تركستان الشرقية بانتظام، وتم إعدام مئات الآلاف من مواطني تركستان الشرقية الذين تجرأوا على تحدي السلطة الشيوعية. منذ عام 1949، فُرضت السياسة الزراعية القسرية على الأمة، الأمر الذي أدى إلى موت الملايين من المواطنين جوعًا، بينما فرّ العديد من المواطنين إلى البلدان الأخرى وتم إرسال مئات الآلاف لمعسكرات العمل القسري. في الوقت الذي يستمر فيه هذا الاضطهاد دون أن يعلم به بقية العالم، يعاني مواطنو تركستان الشرقية على أيدي الصين الشيوعية التي تتبع بشكل مُمنهج وبلا هوادة سياسة الاستعمار والإبادة الثقافية.
عندما يضع هؤلاء البشر حياتهم على المحك عن طريق ركوب القوارب المتهالكة والإبحار على متن السفن المعبأة بالبشر، إذًا فيجب عليك التأكد أنهم لا يمتلكون أية خيارات أخرى، هذا هو الحال بالنسبة لمسلمي الروهينجا الذين عاشوا في ولاية أركان في دولة مينمار منذ القرن الـ 16. وتقول الأمم المتحدة أن مسلمي الروهينجا هم ”واحدة من الأقليات الأكثر تعرضًا للاضطهاد” في العالم. في صيف عام 2015، أصبحت المحنة التي تمر بها الأقلية المسلمة محطًا لأنظار العالم أجمع مع توارد العديد من الصور التي تُظهر مسلمي الروهينجا وهم عالقون على متن السفن المعبأة بالبشر في بحر أندامان في محاولة منهم للفرار من الويلات التي يتعرضون لها على يد الحكومة في ميانمار. ووفقًا لتوماس أوخيا كوينتانا، المقرر الدولي المختص بتقييم الوضع في ميانمار، فقد انتشرت انتهاكات حقوق الإنسان - المُمنهجة - والتي ترتكبها قوات الأمن في ميانمار ضد مسلمي الروهينجا. وقد أعلنت حكومة ميانمار - بشكل رسمي - عن نيتها عدم التخفيف من الضغط الذي تمارسه على مسلمي الروهينجا.
هناك العديد من البلدان والمجتمعات المُسلمة التي تواجه الاضطهاد ولكننا لم نتمكن من ذكرها في هذا المقال، مثل فلسطين، وأفغانستان، وباكستان، وليبيا، والفلبين، ومورية، وشبة جزيرة القرم، والنيجر، وكشمير، والسودان، ومملكة فطاني وغيرها.إن شهر رمضان يُعد فرصة ممتازة لكل مُسلم كي يُفكر في المشاهد المؤلمة التي يتعرض لها العالم الإسلامي. يتعين على المسلمين استغلال هذا الوقت للتأسيس لقيمتي الوحدة والتضامن، لكونهما مطلبين أساسيين في الإسلام. يجب أن نضع في اعتبارنا أن روح شهر رمضان تأتي حاملةً معها القوة التي تجمع بين المسلمين بعضهم البعض.