رمضان آخر للمسلمين وسط المعاناة
ucgen

رمضان آخر للمسلمين وسط المعاناة

922

‭ ‬يُعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬‭-‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬للإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬‭-‬‭ ‬هو‭ ‬وقت‭ ‬التجديد‭ ‬الداخلي‭ ‬وإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬الجانب‭ ‬الروحاني،‭ ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتأمل‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬وراء‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يُكفر‭ ‬فيه‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬عن‭ ‬سيئاته‭ ‬ويحرر‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬الذنوب‭ ‬ويتضرع‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭. ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بالبهجة‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬يتسبب‭ ‬فيها‭ ‬الصيام،‭ ‬ومساعدة‭ ‬أولئك‭ ‬الأقل‭ ‬حظًا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هي‭ ‬تجربة‭ ‬ممتعة‭ ‬التعرّف‭ ‬على‭ ‬نعم‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجلّ‭ ‬وشكره‭ ‬عليها‭. ‬لقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لتجربة‭ ‬جميع‭ ‬النعم‭ ‬الروحية‭ ‬والمُتع‭ ‬التي‭ ‬جلبها‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬للنفس‭ ‬البشرية‭ ‬وأن‭ ‬يخضع‭ ‬بكامل‭ ‬إرادته‭ ‬لمشيئة‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجلّ‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يُخصص‭ ‬للعبادة‭ ‬فقط،‭ ‬فبجانب‭ ‬الصلاة‭ ‬والصوم‭ ‬والتأمل‭ ‬الروحاني،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتضافر‭ ‬أيضًا‭ ‬خلاله‭ ‬الجهود‭ ‬لترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬الصداقة‭ ‬والأخوة‭ ‬بين‭ ‬المؤمنين‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬وتأسيس‭ ‬روابط‭ ‬الوحدة‭ ‬بين‭ ‬المسلمين،‭ ‬فجوهر‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يتمحور‭ ‬حول‭ ‬إضفاء‭ ‬ونشر‭ ‬روح‭ ‬المحبة‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬واختبار‭ ‬مشاعر‭ ‬المحبة‭ ‬تجاه‭ ‬الجميع،‭ ‬وفهم‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬وكل‭ ‬كائن‭ ‬حي‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬تجليات‭ ‬قدرة‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجلّ‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬حقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬وهي‭ ‬أنهم‭ ‬‭-‬‭ ‬البشر‭ ‬‭-‬‭ ‬يستحقون‭ ‬الحب‭ ‬والرحمة‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬صورة‭ ‬الواقع‭ ‬البعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬يمر‭ ‬رمضان‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية‭ ‬‭-‬‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ومن‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬ميانمار،‭ ‬ومن‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬شرق‭ ‬تركستان‭ ‬والصومال‭ ‬‭ ‬بشكل‭ ‬مغاير‭ ‬تمامًا،‭ ‬فهو‭ ‬يمر‭ ‬عليهم‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الصراعات،‭ ‬والحروب،‭ ‬وعمليات‭ ‬القصف،‭ ‬والنفي،‭ ‬والتعذيب،‭ ‬وسوء‭ ‬المعاملة،‭ ‬والظلم‭.‬

‭ ‬تقع‭ ‬البلدان‭ ‬الإسلامية‭ ‬ضمن‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬مزقتها‭ ‬الحروب،‭ ‬والقتال‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬جعلها‭ ‬أكثر‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬دمرتها‭ ‬الحروب‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬اتخذت‭ ‬الانتفاضات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬بموجة‭ ‬من‭ ‬احتجاجات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬مسارًا‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬لموت‭ ‬قرابة‭  ‬500‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬وإصابة‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬آخرين‭. ‬

قضت‭ ‬الأزمة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأسوأ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬للاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬مما‭ ‬يجعلهم‭ ‬يبدأون‭ ‬رحلة‭ ‬خطيرة‭ ‬لطلب‭ ‬اللجوء‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭. ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنوات‭ ‬الخمسة‭ ‬الماضية،‭ ‬حاول‭ ‬السوريون‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وسط‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكيميائية،‭ ‬والبراميل‭ ‬المتفجرة‭ ‬والأسلحة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬بصورة‭ ‬يومية‭.‬

‭ ‬وتمثل‭ ‬اليمن‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬البؤس،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تتصدر‭ ‬عناوين‭ ‬الصحف‭ ‬بشكل‭ ‬منتظم‭ ‬مثل‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تلخيصها‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬تقارير‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬قِيل‭ ‬فيه‭:‬‭ ‬‭”‬الوضع‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬بعد‭ ‬خمسة‭ ‬أشهر‭ ‬أصبح‭ ‬يُشبه‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭”‬‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬المأساة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬تركستان‭ ‬الشرقية‭  ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موطنًا‭ ‬للأتراك‭ ‬الشرقيين‭ ‬الذين‭ ‬يدينون‭ ‬بالديانة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بالكاد‭ ‬يعرفها‭ ‬قطاع‭ ‬عريض‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬بسبب‭ ‬قيام‭ ‬الحكومة‭ ‬الصينية‭ ‬بالتعتيم‭ ‬على‭ ‬الأمر‭ ‬وإبقائه‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬إذ‭ ‬قامت‭ ‬الصين‭ ‬الشيوعية‭ ‬بتعذيب‭ ‬واعتقال‭ ‬وقتل‭ ‬المواطنين‭ ‬الأبرياء‭ ‬في‭ ‬تركستان‭ ‬الشرقية‭ ‬بانتظام،‭ ‬وتم‭ ‬إعدام‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬تركستان‭ ‬الشرقية‭ ‬الذين‭ ‬تجرأوا‭ ‬على‭ ‬تحدي‭ ‬السلطة‭ ‬الشيوعية‭. ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1949،‭ ‬فُرضت‭ ‬السياسة‭ ‬الزراعية‭ ‬القسرية‭ ‬على‭ ‬الأمة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬موت‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬جوعًا،‭ ‬بينما‭ ‬فرّ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬وتم‭ ‬إرسال‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬لمعسكرات‭ ‬العمل‭ ‬القسري‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬الاضطهاد‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬به‭ ‬بقية‭ ‬العالم،‭ ‬يعاني‭ ‬مواطنو‭ ‬تركستان‭ ‬الشرقية‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الصين‭ ‬الشيوعية‭ ‬التي‭ ‬تتبع‭  ‬بشكل‭ ‬مُمنهج‭ ‬وبلا‭ ‬هوادة‭  ‬سياسة‭ ‬الاستعمار‭ ‬والإبادة‭ ‬الثقافية‭.‬

‭ ‬عندما‭ ‬يضع‭ ‬هؤلاء‭ ‬البشر‭ ‬حياتهم‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ركوب‭ ‬القوارب‭ ‬المتهالكة‭ ‬والإبحار‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفن‭ ‬المعبأة‭ ‬بالبشر،‭ ‬إذًا‭ ‬فيجب‭ ‬عليك‭ ‬التأكد‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يمتلكون‭ ‬أية‭ ‬خيارات‭ ‬أخرى،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمسلمي‭ ‬الروهينجا‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬أركان‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬مينمار‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الـ‭ ‬16‭. ‬وتقول‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينجا‭ ‬هم‭ ‬‭”‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الأقليات‭ ‬الأكثر‭ ‬تعرضًا‭ ‬للاضطهاد‭”‬‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬في‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬أصبحت‭ ‬المحنة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬الأقلية‭ ‬المسلمة‭ ‬محطًا‭ ‬لأنظار‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬مع‭ ‬توارد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تُظهر‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينجا‭ ‬وهم‭ ‬عالقون‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفن‭ ‬المعبأة‭ ‬بالبشر‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬أندامان‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منهم‭ ‬للفرار‭ ‬من‭ ‬الويلات‭ ‬التي‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭. ‬ووفقًا‭ ‬لتوماس‭ ‬أوخيا‭ ‬كوينتانا،‭ ‬المقرر‭ ‬الدولي‭ ‬المختص‭ ‬بتقييم‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬ميانمار،‭ ‬فقد‭ ‬انتشرت‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬‭-‬‭ ‬المُمنهجة‭ ‬‭-‬‭ ‬والتي‭ ‬ترتكبها‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬ميانمار‭ ‬ضد‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينجا‭. ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬حكومة‭ ‬ميانمار‭ ‬‭-‬‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬‭-‬‭ ‬عن‭ ‬نيتها‭ ‬عدم‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬على‭ ‬مسلمي‭ ‬الروهينجا‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المُسلمة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الاضطهاد‭ ‬ولكننا‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬مثل‭ ‬فلسطين،‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬وباكستان،‭ ‬وليبيا،‭ ‬والفلبين،‭ ‬ومورية،‭ ‬وشبة‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم،‭ ‬والنيجر،‭ ‬وكشمير،‭ ‬والسودان،‭ ‬ومملكة‭ ‬فطاني‭ ‬وغيرها‭.‬إن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬يُعد‭ ‬فرصة‭ ‬ممتازة‭ ‬لكل‭ ‬مُسلم‭ ‬كي‭ ‬يُفكر‭ ‬في‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭. ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬استغلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬للتأسيس‭ ‬لقيمتي‭ ‬الوحدة‭ ‬والتضامن،‭ ‬لكونهما‭ ‬مطلبين‭ ‬أساسيين‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬في‭ ‬اعتبارنا‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬تأتي‭ ‬حاملةً‭ ‬معها‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭.‬

https://www.azzaman.com/index.php/archive/202715

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo