ما من شك أن عالمنا يمر بأوقات عصيبة، لكن ليس ثمة أدنى شك أن ما يحمله شهر رمضان الفضيل من رحمات وطمأنينة، كفيل بأن ينزل علينا فسحة استراحة نحن في أمس الحاجة إليها.
ربما من المعجزة، أن يظل شهر رمضان يشكل عبر العصور والأزمان محطة ثابتة أنيقة بمهابتها لا تبرح مكانها، على الرغم من سرعة التغير المذهلة، والابتكارات التكنولوجية المتقدمة، والعادات المتغيرة، واختفاء التقاليد العتيقة التي حل محلها عادات ناشئة حديثًا. إن دفء رمضان لا يضاهيه أي نوع آخر من الدفء، يكون الناس في هذا الشهر في أفضل حالهم من أي وقت آخر، الأطفال أكثر سعادة، والكبار أكثر لطفا، والمتقدمون في السن محل احترام أكبر، يسعى الأصدقاء إلى التواصل فيما بينهم بشغف أكبر، وتقضي العائلات مزيدًا من الوقت معًا، يكاد الجو يكون كما لو أن رمضان يأخذ بيد الناس للاستمتاع بفترة راحة تزيل عنهم رداء التعب والقلق.
لهذه الأسباب مجتمعة، فلا عجب أن يكون رمضان أشبه بمهرجان احتفائي يمتد بجناحيه على مدى شهر بأكمله. وخلال هذه الفترة البديعة، يعيد الناس الاتصال ببعضِهم بعضا، ويتناسون الضغائن والخلافات السابقة ويباشرون بعملية تجديد روحي وجسدي شاملة، يحرصون على مساءلة أنفسهم وتصحيح تصرفاتهم وأخطاء شخصياتهم، وتقوم مصالح الحكومات بتزيين المدن وتنميتها، في الوقت الذي تباشر أجساد الصائمين عملية تحوّل وتشرع في عملية إصلاح عميقة.
عندما يحل رمضان بالبيوت وينزل ضيفا على أهاليها، يعم جو البهجة كافة أفرادها. بعد أول وجبة سحور، التي تشكل في حد ذاتها تجربة فريدة من الصعب نسيانها، يبدأ الصيام. وطوال ساعات اليوم يحلم أفراد الأسرة، سواء كانوا في المدرسة أو في العمل، بسعادة لحظة الإفطار في البيت، وتنشغل الأمهات في طهي الأطباق الشهية والفرح يملأ قلوبهن ويترجم بملامح السعادة على وجوههن، وهن تتخيلن ابتسامة الفرحة والرضا على الوجوه المحيطة بمائدة الإفطار لحظة أذان المغرب.
عندما يأتي رمضان ويدق أبواب المدن، تستنير أحياؤها وتعود إليها بهجتها الساطعة، وتضيء المآذن، وتنتشر أضواء الفوانيس الملونة لتزين الشوارع وتعبق الروائح الشهية المنبعثة من الخبز الرمضاني والحلويات والمرطبات، لتمتزج بتحيات «رمضان كريم» المنطلقة من كل جانب. يعم الشوارع الأمان، ليلاً ونهارًا، وتبذل الإدارات المحلية جهودا إضافية لتنظيف الشوارع، وتنظيم الاحتفالات والمهرجانات المرتقبة ما بعد الإفطار، وتُنصب خيام إفطار مجانية للمئات الذين يرغبون في حضور وليمة لا تنسى. وحتى إذا اختلفت التقاليد وطبيعة الاحتفالات قليلاً من بلد إلى آخر هناك شيء مشتركٌ، كلها تزيد من بهجة رمضان.
لا شك أن رمضان يمنح الصائمين أيضًا فوائد روحية هائلة، لأن الصوم الذي يدوم من مطلع الشمس إلى غروبها، يساعد المؤمنين على الشعور أكثر بوضع الفقراء، مما يزيد في تشجيعهم على التعاطف معهم والتراحم إزاءهم والإيثار، ناهيك عن تحفيزهم على المزيد من الصدقة وأبواب البر الأخرى. ويلاحظ أيضا أثناء هذا الشهر تركيز المسلمين على إصلاح نفوسهم وسلوكياتهم مع محاولة التغلب على عيوبهم مثل عدم الصبر، والسعي إلى التحلي بالرحمة والصفح عن الغير. وتساعد اللقاءات المتكررة مع الأقارب والأصدقاء على تقدير أهمية التواصل البشري بشكل أفضل، مهما كانت شدة الضغط الذي تمارسه عليهم الحياة اليومية.
وغني عن القول، أن الطعام خلال هذا الشهر يكون لذيذا بشكل لا نظير له. بالإضافة إلى الأطباق الرمضانية المتميزة التي يتم إعدادها حصريا خلال رمضان، فإن الأطباق في هذا الشهر، في أي مكان من العالم الإسلامي المترامي الأطراف، ستثير فضول وإعجاب كافة المتذوقين وتسيل لعابهم، من العصائر المنعشة، إلى المزة، من تشكيلة السلطات اللذيذة إلى الهريس والضأن المشوي، ومن خبز رمضان الخاص إلى الحلويات الرمضانية الشهيرة مثل الكنافة والمهلبية، لتتحول وجبات الإفطار والسحور الرمضانية إلى أعياد لذيذة فريدة من نوعها. وكالعادة في هذا الشهر، تنصب من جديد خيام رمضان في البحرين ويتم تزيين السوق القديم في المنامة بطريقة تليق بشهر رمضان، وقد سارع أصحاب المتاجر إلى تزيين متاجرهم وملء رفوفها بعروض رمضان الخاصة، في الوقت الذي يجتهد فيه رجال الأعمال والمنظمات لإعداد حزم رمضانية خاصة بالفقراء.
كل يوم من أيام رمضان هو مناسبة للفرح والاحتفال، وهو بالنسبة إلينا كمسلمين، فرصة بديعة لمعالجة نفوسنا والارتقاء بأرواحنا والتواصل مع أحبائنا، وأخذ فسحة راحة وتدبُّر، تحررنا من أهوال المشهد المادي لعالم اليوم.