السياسات اليمينية والأقليات في أوروبا
ucgen

السياسات اليمينية والأقليات في أوروبا

1385

 

عدنان أوكطار

لم يكن فوز حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات التي جرت في فرنسا الشهر الماضي سوى تأكيد على تنامٍ متزايد لتوجه بعينه داخل أوروبا، فقد أظهرت – هذه الانتخابات – تصاعد العنصرية والكراهية ضد الأجانب، وخصوصًا الإسلاموفوبيا، في أوروبا، وقد استُغلت هذه الأمور من قِبل البعض للتنفير من اللاجئين.

لم يقتصر الأمر على فرنسا فقط، فطبقًا لاستطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للأبحاث في شهر نوفمبر في 7 دول من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فقد تركز هذا النفور من الأقليات بشكل كبير على الرومان، والمسلمين، واليهود. من الممكن رؤية هذا التوجه بشكل واضح خصوصًا في تلك الدول ذات الميول اليمينية مثل اليونان، وإيطاليا، وبولندا. وعلاوة على ذلك، فقد تزايدت تلك النبرة العدائية التي يتبناها هؤلاء الساسة المنتمون لهذا الطيف السياسي. على سبيل المثال، فقد كانت تصريحات فسورن اسبرسن – النائب عن حزب الشعب الدنماركي –والتي نصت على الآتي "دعونا نقصف النساء والأطفال في تلك الأماكن التي يتواجد فيها تنظيم داعش" وهو ما جعل الأمر في غاية الوضوح.  

لقد ساهم هذا الوضع في تزايد النزعة العنصرية في بعض البلدان الأوروبية، وقد أصبح يُنظر لتلك الدعاية العنصرية التي تتبناها الحركات اليمينية في أوروبا هذه الأيام باعتبارها شيئًا قانونيًا. يزعم الكثيرون أن الشرطة الألمانية تُظهر الكثير من التسامح لهذه التجمعات العنصرية وأنها – الشرطة الألمانية – تتبع أسلوبًا صارمًا بشكل غير ضروري تجاه الأجانب.

"في المعتاد لا يتيح رجل الشرطة في ألمانيا المجال لأي من المسيرات سواء كانت تحتوي على 20 شخصًا أو حتى  ألفًا وبالتالي فهو يقوم بحشد شرطة المنطقة بأكملها لهذا الغرض، ولكن هذا لا يحدث في المناسبات التي يتواجد فيها مسيرات للحركات اليمينية العنصرية أو المتطرفة. ينظم هؤلاء العديد من المسيرات التي تذكرنا بتلك المسيرات التي كان يخرج فيها النازيون وهم يحملون المصابيح وذلك قبل الحرب العالمية الثانية، ويقف رجال الشرطة موقف المتفرج فقط تجاه هذه المسيرات غير القانونية وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه مخيمات اللاجئين للحرق، والجدير بالذكر أن هذه الجرائم تتصاعد يومًا تلو الآخر".

أصبح العداء المتنامي تجاه الأجانب، واللاجئين، والمسلمين بشكل خاص، واحدًا من العوامل التي تُحدث الانقسامات بين المجتمعات الأوروبية. ينتاب الكثيرون داخل أوروبا ذلك الشعور بالحزن وعدم الراحة، مع فقدانهم بشكل كبير لروح التضامن والتواصل، وحقيقة أن أوروبا – ذلك المثال الرائع على التحضر والمدنية – قد أصبحت في مثل هذا الوضع هو شيء غير مُبشر وذلك لأن هذا الوضع يمكن أن يدفع بكل سهولة تلك الدول التي تعانى فعليًا من هذه الأمور إلى منزلق أخطر.

علاوة على ذلك، يجب علينا ألا ننسى ذلك المناخ الذي توفره خطابات الكراهية لهؤلاء الساعين للترويج لأحداث العنف من ذوي الخلفيات الحاقدة. ينبغي على مناصري الخطاب العنصري في أوروبا تذكر أن هذه اللهجة التي يستخدمونها لن تساهم في تطويق الإرهاب بل على العكس ستجلب المزيد منه إلى داخل أوروبا وذلك لأن هذا الخطاب المتسم بالقسوة هو بمثابة الغذاء لتلك الفلسفة التي يتبناها الإرهابيون والمدخل لحدوث المزيد من الإرهاب والتحريض على العنف. أصبح واضحًا الآن أن مثل هذا التوجه لن يؤدي في النهاية للسلام المرجو حدوثه، بل على العكس فإن هذا دائمًا ما ينتهي بحدوث المزيد من الخوف وتزايد الحنق والغضب، ونتيجة لهذه الأحداث فإنه يمكن لذلك الشعور بالغضب أن يتنامى داخل الأقليات المسالمة وهو ما قد يتسبب أيضًا في اندلاع أعمال العنف والشغب. من المعروف أن سيكولوجية الحشود يمكن أن تتسبب في خلق هذه الأجواء الخطيرة التي تدفع البشر للعنف. لذلك، فإن اتباع سياسة الاستفزاز هو أمر في غاية الخطورة.

نحن لا نريد مشاهدة أوروبا تعاني جراء هذا المشهد المروع. لهذا السبب، فإنه يجب على الشعوب والساسة الأوروبيين اتخاذ هذا القرار بأنفسهم لمنع الأحداث الإرهابية، يجب عليهم أن يأخذوا في عين الاعتبار أن الإرهاب لن ينقضي باستخدام تلك النبرة العدائية تجاه المسلمين والأجانب، ولكن على العكس فقد يتسبب هذا التوجه في حدوث حالة من الاستياء والامتعاض بين المسلمين والأجانب المسالمين داخل البلاد، وقد يُحدث هذا أيضًا حالة من الاضطرابات واسعة الانتشار داخل المجتمع. ستنحصر تلك الكراهية القادمة من أحد الأحزاب في وقتٍ قصير إذا لم تلقَ ذلك الصدى المرجو لدى الأطراف والأحزاب الأخرى. حقق الأوروبيون – وهم رواد الحضارة والمدنية للعديد من السنوات – هذا الأمر عدة مرات على مدار التاريخ، وينبغي عليهم اتباع النهج المتحضر ذاته عندما يتعلق الأمر بمسألة الإرهاب.

http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=E3EE8317-074A-4933-B8BF-FDE4DD89F7E7&d=20160114&writer=0

 
يشارك
logo
logo
logo
logo
logo