قررت تركيا مؤخراً حذف تدريس نظرية التطور من المناهج والمقررات المعتمدة في الفصول الدراسية. لقد دعونا منذ سنين إلى ضرورة إجراء تغيير جوهري في المناهج التربوية، لا سيما فيما يتعلق بالنظرية التي تدعي زيف استنادها إلى أسس علمية، في حين لا توجد في الواقع أدلة علمية تسندها. لقد أظهرت العلوم على سبيل المثال، أنه من أجل الحصول على بروتين واحد، لا بد من توافر 60 بروتيناً مختلفاً للمساعدة على تخليق هذا البروتين الجديد، وهذه الحقيقة وحدها تكفي تماماً لإبطال فكرة الخلية البدائية الوهمية. وعلاوة على ذلك، أظهرت أكثر من 700 مليون من الحفريات تم اكتشافها حتى الآن أن الكائنات الحية ظلت دون تغيير منذ ملايين السنين، ومن ثم ليس من الغريب أنه لم يتم العثور على أحفوري وسيط واحد حتى الآن.
وطوال فترة طويلة من الزمن، دعمنا إبقاء نظرية التطور ضمن المناهج الدراسية، لكن مع ضرورة تدريسها جنباً إلى جنب مع الحقائق العلمية التي تشير بوضوح إلى عملية الخلق. ومن الأهمية بمكان في إطار النظام التعليمي عدم فرض اتخاذ موقف معين على الطلاب، بل يجب تشجيعهم على اتخاذ قراراتهم الخاصة بعد الحكم على الأدلة العلمية التي تعرض عليهم.
ولذلك، أعتبر أن نهجنا هو الأكثر ديمقراطية وليبرالية من غيره، كل ما نطالب به، هو فقط منح الطلاب هذه الفرصة لاتخاذ قراراتهم بأنفسهم، في حين تميز التعليم التطوري الذي ساد على مدى عقود، في غالب الأحيان بتجاهل الأدلة العلمية القائمة. وهو يركز عادة على بعض مواد الدعاية التطورية مثل بيلتدون مان أو رسوم هيكل، التي اتضح أنها مجرد خدعة. وعلاوة على ذلك، تعمد أنصار نظرية التطور إخفاء حفريات من العصر الكمبري لمدة سبعين عاماً، لأن تلك الحفريات تظهر بوضوح أن الحياة بدأت فجأة على الأرض منذ ما يقرب من 570 مليون سنة مضت.
ليس هناك شك، لو أراد الله، لخلق الحياة من خلال جعل التطور وسيلة لذلك، لكن إذا كان هذا هو الحال، كنا سنرى لا محالة آثاره والأدلة في جميع الكتب المقدسة وفي كتاب الطبيعة المفتوح، بينما الواقع يبين لنا أن هذه العملية التطورية لم تحدث أبداً. إن أحد أهم الأسباب وراء موقفنا الفكري الراسخ ضد نظرية التطور هو أنه يشكل أساس الحركات العنيفة في العالم، والأيديولوجيات الضارة مثل الشيوعية والفاشية، والمادية الجدلية، وثقافة الصراع التي تعززها المادية الجدلية.
ليس من المستغرب أن العديد من الأيديولوجيين والفوضويين والشيوعيين والفاشيين (ماركس وإنجلز وهتلر ولينين وستالين وبول بوت من بين آخرين) اعترفوا بوضوح بأن الداروينية توفر ما يسمى بالأساس العلمي لنظرياتهم. في معظم الوقت، يدعي مرتكبو المذابح الجماعية، والمهاجمون بالأسلحة النارية داخل المدارس أنهم قتلوا الناس فقط لخدمة الانتقاء الطبيعي، واليوم، جميع المجازر المنهجية، بل وحتى بعض السياسات العنيفة لبعض البلدان ضد الآخرين، تستند إلى هذه العقلية.
لقد استوحت ممارسات الرق والاستعمار والصراعات العرقية والإبادة الجماعية جميعها من التفكير التطوري، أو بعبارة أخرى، فإن العقلية التي تقدمها الداروينية الاجتماعية توفر الأساس الذي تحتاج إليه هذه المجازر الرهيبة والحروب الفتاكة لتنفذ على أرض الواقع.
وبالنظر إلى كل هذه الحقائق، أصبح واضحاً مدى ضرورة إدراك الناس بأن نظرية التطور ليس لها أساس علمي. ولهذا السبب، فإن كتبي والمؤتمرات التي أحضرها والأفلام الوثائقية التي تتضمن البراهين العلمية، والعديد من المعارض الأحفورية وأطلس الخلق الرائع، تشكل كلها الأساس لجهودنا الفكرية ضد خداع نظرية التطور.
صحيح أن المقرر الدراسي التركي لم يعد يتضمن نظرية التطور، لكنه لا يزال يشمل أقساماً يمكن للمعلمين تفسيرها وفقاً لرغباتهم، وهو ما أعتبره مشكلة لأنه يمنح بعض المعلمين الفرصة لمغالطة الطلاب وفقاً لأفكارهم وأيديولوجياتهم.
ولهذا السبب، من الواضح أن المناهج التربوية تحتاج إلى مزيد من التعديلات. من شأن نظام تعليمي قائم كلياً على الأدلة العلمية وحرية الفكر أن يساعد على إنجاب جيل مستنير متفتح الذهن، يخدم مصالح البلاد، وهذا بدوره سيؤدي إلى الرفع من مكانة تركيا لتكون أكثر عافية وأكثر توجهاً نحو العلم.
ولدي الأمل أن تحذو العديد من البلدان الأخرى حذو تركيا، وأن تواصل المدارس تعليم التطور، لكن فقط كمعرفة عامة وباعتبارها مسألة تاريخية، وأن تضاف فصول جديدة يدرس فيها الطلاب الأدلة العلمية على عملية الخلق.
http://www.raya.com/news/pages/756dab62-6889-41bd-96d2-f7c3ee314444