العولمة الاقتصادية لا تجلب الازدهار للجميع
ucgen

العولمة الاقتصادية لا تجلب الازدهار للجميع

1151

كان ماركو بولو رائداً في الاقتصاد العالمي منذ 700 عام، عندما جلب منتجات من الصين إلى إيطاليا عبر طريق الحرير. ومنذ ذلك الحين، وفي ظل تطور التجارة العابرة لحدود البلدان، اكتسبت عولمة الاقتصاد زخماً كبيراً. وفي الوقت الحالي، ليس من المستغرب على الإطلاق أن تنتج إحدى الشركات منتجات في بلد غير موطنها الأصلي ثم تبيع منتجاتها في بلاد أخرى حول العالم.
أصبح الاقتصاد العالمي شديد الانتشار لدرجة بدأت في التأثير على سياسات الدولة، والعلاقات الدولية، والقانون الدولي والديناميات الاجتماعية، ولكن هل تجلب عولمة الاقتصاد، التي تمتلك تأثيراً عميقاً على العالم، الازدهار للشعوب؟
يجيب المدافعون عن العولمة والمعارضون لها عن هذا السؤال بإجابات مختلفة، إذ يجادل المدافعون عن الاقتصاديات الليبرالية الكلاسيكية بأن المنافسة وإمكانية تحقيق الربح الكبير في الأسواق سيفضي بطبيعة الحال إلى أكفأ صورة من توزيع الموارد، يرى هؤلاء أن عولمة الاقتصاد تشكل فرصة لزيادة مستوى الازدهار حول العالم، ونظراً لأن الميزة الكبرى لعولمة الاقتصاد أن اللعبة تُمارَس بين الفائزين والفائزين الآخرين، فإن إحدى الأفكار المركزية كان مفادها أن العولمة يمكن أن تزيد من ثراء الأثرياء وتقلل من فقر الفقراء.
تستند الأحجية التي يعتمد عليها مؤيدو العولمة على الفرضية التالية: سوف تفضل أيّ شركة عابرة لحدود البلاد أي بلدٍ أقل تطوراً وذي تكاليف عمالة منخفضة من أجل الإنتاج. وبهذه الطريقة، سوف تنتهي البطالة، وهي المشكلة المزمنة في البلاد المتخلفة، ومع ارتفاع نسب التوظيف سوف ينمو البلد المعني بسرعة، وحتى إذا بدا الأمر منطقياً على الورق، فالحقيقة لا تبشر بالتفاؤل دائماً. 
نقل عديد من العلامات التجارية المعروفة والعالمية ومتعددة الجنسية خطوط إنتاجها إلى بلاد مثل الصين، وإندونيسيا، وساحل العاج عن طريق مقاولي الباطن من أجل الاستفادة عن طريق استخدام العمالة الرخيصة، على الرغم من أن ذلك على النقيض مما زُعم من قبل، تسببت الشركات في أن تتحول الظروف في هذه البلاد من سيئ إلى أسوأ.
نشر ناشط يُدعى جيف بالينجر في عام 1991 تقريراً في إندونيسيا ليوثق الأجور المنخفضة وظروف العمل المتدهورة التي يعانيها العمال في واحد من أشهر مصانع العلامات التجارية العالمية التي تنتج الأحذية الرياضية. وفقاً لما ورد في التقرير، كان مقاولو الباطن التابعون للشركة يستغلون العمال عن طريق إعطائهم أجراً أقل من الحد الأدنى للأجور في إندونيسيا، وفي الوقت ذاته تمتعت الشركة بتحقيق أرباح مرتفعة. وعلاوة على هذا، كان يجري توظيف عمال من الأطفال في خطوط الإنتاج وكانت العاملات أحياناً يتعرضن للضرب بالحذاء من مشرفيهم بسبب أخطاء الخياطة التافهة، وكان هذا العقاب شائع الحدوث.
شوهد مثال آخر من الإساءة داخل إطار العولمة الاقتصادية في ساحل العاج: كانت الشوكولاتة التي تنتجها أشهر العلامات التجارية في إنتاج الغذاء من الكاكاو المحلي، يجمعه أطفال خُطفوا من أهلهم أو باعهم آباؤهم إلى الأفراد والجماعات التي تستغل الأطفال. من ناحية أخرى، استمرت هذه الشركة في توظيف الأطفال تحت سن 15 عاماً لعشرة أعوام أخرى حتى بعد الإعلان عن التزامها بإنهاء عمالة الأطفال.
لم يسبق أن خلق الاقتصاد المعولم الازدهار، بل تسبب في المشكلات للبلاد المتخلفة في كل فترة من فترات التاريخ عندما تتولى العقول الاستغلالية زمام الأمور. يمكن تقديم مثال آخر في مقال نُشر في صحيفة الإندبندنت البريطانية، يصف أنشطة كبرى شركات التبغ في أفريقيا بالكلمات التالية:
"استغلت شركات التبغ تراخي قواعد التسويق في البلاد النامية، إذ إنها تروج بقوة للسجائر لصغار المستهلكين، بينما تستخدم المحامين وجماعات الضغط والإحصاءات المختارة بحرص كي ترهب الحكومات التي تحاول التصدي لهذه الصناعة في الغرب".
يمكن استشعار ممارسات إشكالية مشابهة مع شركات التعدين الدولية التي تعمل في أفريقيا أيضاً، تدفع هذه الشركات ضرائب منخفضة جداً إلى الحكومة على الرغم من تحقيق دخول هائلة، يوظف معظم الموظفين من بلاد هذه الشركات، ومعظم البضائع والخدمات تشتريها بلادهم مرة أخرى، لذا فلا يقتصر الأمر على أنهم لا يسهمون بأيّ شيء لاقتصاد تلك البلاد أو مستويات التشغيل لديها، بل إنهم يدفعون أيضاً أسعاراً قليلة بدرجة تبعث على السخرية لحيازة ترليونات الدولارات التي تدرّها هذه الثروات الطبيعية التي تنتمي شرعياً إلى شعب ذلك البلد. وفي نهاية المطاف، تسوء حالة المالكين الحقيقيين لهذه الثروات الطبيعية مع مرور الوقت.
من المؤكد أن مبدأ الاقتصاد المعولم لا ينبغي أن يُلام وحده على الجوانب السلبية التي يجلبها، إذ إن حجم التجارة الدولية، والإنتاج، والاستثمار المشترك العابر لحدود البلاد، واستيعاب الأيدي العاملة، وخلق فرص العمل لقوة العمل العاطلة على مستوى العالم تُعد جميعها ضمن الفرص التي يقدمها الاقتصاد العالمي لمنفعة وازدهار جميع الشعوب. على الرغم من هذا، يبدو أن الإداريين الصادقين والجديرين بالثقة، وكذلك التشريعات الدولية المُلزمة -وواجبة النفاذ- التي تمنع التداعيات السلبية، مثل استغلال الأجور والإساءة إلى العمال، تعتبر جميعها من المتطلبات الضرورية لتحقيق هذه الفوائد.

http://almadapaper.net/ar/news/541428/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%AC%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B2%D8%AF%D9%87%D8%A7%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%85

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo