مرة أخرى، فقد الأبرياء أرواحهم في حادث إطلاق نار مأساوي وقع في مدرسة بالولايات المتحدة الأمريكية. في 14 فبراير (شباط)، دخل نيكولاس كروز «البالغ 17 عامًا» إلى مدرسة مارجوري ستونمان دوغلاس الثانوية في فلوريدا وأطلق أجهزة إنذار الحريق، عندما تأكد أن ما يكفي من الطلاب خرجوا إلى الممرات، بدأ في إطلاق النار برشاش AR-15 نصف الآلي، ما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة 14 آخرين.
إلا أن هذا الحادث كان مختلفًا عن الأحداث المشابهة السابقة؛ لأن نيكولاس كروز في هذه المرة لم يكن ليحدث اضطرابًا أكثر من الذي أحدثه بالفعل حتى لو حاول، من الواضح تمامًا أنه شخص مضطرب بشدة، والأمة تسأل كيف لم تتمكن القوات الأمنية من منعه قبل وقوع الجريمة.
جيرانه يقولون عنه إنه طفل شديد الاضطراب، وكان يتصف بالعدوانية والعنف، وحدث في أحيان كثيرة أن قام بتعذيب وقتل الحيوانات الصغيرة بما في ذلك السناجب والضفادع والدجاج، وتفاخر بذلك على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر صورًا للحيوانات التي عذبها. في مجموعة دردشة خاصة، قال مرارًا إنه يكره المسلمين واليهود والمهاجرين والمكسيكيين والسود، إلى درجة رغبته في تعذيبهم وقتلهم، كما قال إنه يكره النساء البيض، وتحديدًا هؤلاء اللاتي يدخلن في علاقات مع أعراق أخرى. كان كثيرًا ما يشترى البنادق والملابس العسكرية ويرتديها لالتقاط الصور، وقال بشكل سافر إنه كان يستطيع تنفيذ «إطلاق نار أفضل بكثير»، مشيرًا إلى حوادث إطلاق النار سابقة في المدارس، وهناك مقاطع فيديو تصوره وهو يطلق النار في حيه.
في الواقع كانت القوات الأمنية تراقب كروز منذ فترة طويلة وفقًا لشبكة سي إن إن، استُدعيت الشرطة 39 مرة إلى منزل كروز لبيانات مثل «مريض عقلي» و«اعتداء» و«إزعاج منزلي». خلال فصل الخريف الدراسي، أحضر كروز رصاصًا معه إلى المدرسة في حقيبة ظهر، وبعد هذه الحادثة مُنع من حمل حقيبة ظهر كي لا يحاول جلب أسلحة إلى المدرسة، كما عُرف عنه الاعتداء جسديًّا على أمه.
لذلك، عندما ذهب إلى المدرسة ونفذ المذبحة، لم يكن ذلك مفاجئًا للأشخاص الذين عرفوه، أو للسلطات التي تم تحذيرها عدة مرات، ومن الواضح تمامًا المشاكل الكبيرة الموجودة في طريقة تبيّن التهديدات المحتملة وإيقافها قبل التمكن من تنفيذها. ولكن كيف يكون ذلك ممكنًا؟ في عصر الإنترنت والمراقبة الجماعية كما كُشف في تسريبات سنودن، نعلم الآن أنه لا شيء يضيع في الأمور التي تُنشر على الإنترنت. وعلى هذا الأساس، يبرز السؤال الذي لا مفر منه: لماذا لا تبذل السلطات جهدًا لتحديد التهديدات المحتملة مثل كروز، على الرغم من امتلاكهم المصادر اللازمة؟ كان من السهل ضبط كروز ومراقبته ومنعه بطريقة أو بأخرى من تنفيذ هذه المذبحة المروعة.
تتبادر إلى الذهن المزيد من الأسئلة: بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها المملكة المتحدة حربًا عالمية على الإرهاب، تشمل حربًا كاملة في العديد من البلدان. ونتيجة هذه الحروب، مات الملايين، وتدهورت الأنظمة الاقتصادية، وتحول الملايين إلى لاجئين. وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 5.6 مليار دولار منذ عام 2011، رافعةً دومًا شعار منع الإرهاب على أرض الولايات المتحدة، وواعدةً بأن الإرهابيين بهذه الطريقة لن يكونوا قادرين على قتل الأمريكيين. ولكن ماذا عن الأمريكيين الذين يقتلون بعضهم البعض؟ وهو الأمر الذي يحدث كثيرًا جدًا، وفقًا لما ذكرته شبكة سي إن إن، فإن مقابل كل أمريكي يموت في الولايات المتحدة أو في الخارج بسبب الإرهاب، يموت أكثر من 1049 شخصًا نتيحة للعنف المسلح. وعلاوة على ذلك، ففي الفترة بين عامي 2001 و2014، قُتل 440,095 شخصًا من جراء العنف المسلح على الأراضي الأمريكية؛ بينما كان عدد المواطنين الأمريكيين الذين قتلوا في الولايات المتحدة وخارجها في أعمال إرهابية خلال الفترة نفسها 3412 مواطنًا، معظمهم ضحايا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
بعبارة أخرى، بينما تُشن الحروب ويموت الملايين وتُستهدف البلدان من أجل وقف الإرهاب، المسؤول عن وفيات أقل بكثير، تبدو السلطات هادئة بشكل غريب وتتردد في اتخاذ إجراءات بشأن العنف المسلح.
الآن صار واضحًا للجميع تقريبًا أن مبيعات الأسلحة في الولايات المتحدة ستستمر ما لم تقرر الإرادة السياسية أن تقف في مواجهتها، لكن هذا لا يعني عدم وجود ما يمكن القيام به، على الأقل لتقليل احتمال وقوع مثل هذه الجرائم.
على سبيل المثال، عندما يبدأ شخص ما في التفاخر بتعذيب الحيوانات، أو يبدأ في تهديد الناس، يجب على المكلفين بإنفاذ القانون أن يعتبروا ذلك دليلًا كافيًا للبدء في مراقبته، والتدخل إذا لزم الأمر. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن يُعين لكل مدرسة على الأقل ضابط شرطة سري مُدرب خصيصًا على التعامل مع هذه الحوادث. ويجب على الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور الحذر من الأطفال المضطربين الذين يُقدمون علامات إنذار، واتخاذ الإجراءات المناسبة وفقًا لمتطلبات كل حالة.
وعلى نطاق أوسع، يجب أن ينتهي تمجيد العنف في الأفلام وألعاب الفيديو، فلا يقدر أحد أن ينكر الأثر الهائل لها في نفوس الشباب، وكيف أنها تلعب دورًا في سلوكهم الذي يزداد عنفًا. وأخيرًا وليس آخرًا، ينبغي على وسائل الإعلام أن تتوقف عن تغطية هذه الحوادث على نطاق واسع، إذ إنه في كل مرة يحدث هذا، يتحمس أحد المضطربين في مكان ما للقيام بنفس الشيء، والحصول على الاهتمام نفسه. نقدم خالص تعازينا للشعب الأمريكي، ونأمل أن تكون هذه الحوادث الفظيعة -من خلال اتخاذ تدابير وقائية مناسبة- شيئًا من الماضي.
https://www.sasapost.com/opinion/crimes-that-can-be-avoided/