لقد كانت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية عام 2001 نقطة تحولللتوازن السياسي والإستراتيجي في العالم. ولهذا يرى المحللون السياسيون أن هذهالأحداث تمثل بداية للقرن الواحد والعشرين. إذ أنّ الفكر الإيديولوجي والعلاقة بينهذه الأفكار والإيديولوجيات كانت من أهم العناصر التي كانت تميز القرن العشرين. ويرى البعض أن هذه العلاقة سوف تتحول لتصبح علاقة بين العقائد والحضارات خلالالقرن الجديد، وبالتالي، فإن هذا التحول في العلاقة سوف يكون سببًا رئيسيًا فيالصراعات بين الشعوب.
لكن في المقابلِ يجب أن يسود السلام، ويكون هو العنصر الرئيسي لهذهالعلاقات بين العقائد والحضارات. ونحن المسلمين لدينا كتابنا الكريم وسيلتنا في نشرالمحبة والتقارب بين الشعوب، وهو يعلمنا أن ننشر السلام ونحرص على التعاون. وقدأمرنا بذلك بقوله تعالى: (يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْعَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (سورة الحجرات: 13)
ولهذا فإن دعوة الإسلام وثقافته وحضارته تقوم على التسامح، وهويدعو إلى الحوار الفكريّ لِنشر السلام العادل في العالم وبين الشعوب وإحلالالإخاء بينها. ولما كان من الواجب على كل مسلم أن يدعو لنشر الدين الإسلامي في كلمكان فإنّ عليه أن ينشر العدل والإحسان بين الآخرين سواء قبلوا الدين الإسلامي أم لم يقبلوا به، ويكون المثل الأعلى في القدوة الحسنة، كما أمرنا اللهسبحانه وتعالى أن ندعو إلى العدل والإحسان ونأمر بالمعروف. وهذا الأمر عام لجميعالمسلمين لكي ننشر الأمن والطمأنينة بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب طالما كانوامعنا في سلام. وفي هذا المقام يقول الله تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍأُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِوَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْمِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون) (سورة آل عمران: الآية110).
بيد أنه إثر أحداث 11 أيلول ظهرت تطورات مهمة جدًا تتمثل فيالاتهامات الباطلة من قبل العالم الغربي والمسيحي واليهودي مفادها أنّ الدينالإسلامي دينٌ يتّسم بالإرهاب وأنّه دينٌ يدعو إلى ترهيب البشر ونزع الأمن عنهم،متناسين بأنّ الدين الإسلامي هو دين المحبّة والسلام، وهو دينٌ يدعو العالمَللتّعايش في رحاب أرقى الحضارات، وهو كذلك بعيدٌ كلَّ البُعْدِ عن الإرهاب وقتلالنفس التي حرم الله إلاَّ بالحَقِّ، وهو يحرم قتل الأبرياء لأن القتل بغير حق يعدّمن أكبر الكبائر عند الله.وهم بهذه الطريقة يضعون أكثر من مليار مسلم في قفص الاتّهام وبدونوجه حقّ.
وقد كشف القرآن الكريم أصحاب هذه الفتن وأصحاب الشر وتحدث عن الجاهلينوالعابثين بالدين، لهذا فإنّه من المهمّ جدًّا التعليم والإرشاد الصحيح للأمةالإسلامية، وإيجاد الطرق والوسائل الصحيحة للتخلص من الجهل والتعصب الزائد الذي لامكان له في الدين، ومن الضروري التوعية الصحيحة بأخلاق الإسلام والابتعاد عن كلّزيغ مستنيرين في ذلك بهدي الذّكر الحكيم.
الأخطاء في منطق الولايات المتحدة الأمريكية
لقد رأى الغرب وخاصة بعد أحداث الـ 11 من أيلول أنّ الهدف هوالولايات المتحدة الأمريكية، لهذا بدأ المسؤولون في الولايات المتحدة الأمريكية فيرسم استراتيجية مختلفة للتعامل مع العالم الإسلامي على مدى الـ15 عامًا القادمة.إلا أنّ هناك عنصرين مهمين لهذا السلوك والمنطق الخاطئ وهو:
- على الولاياتالمتحدة الأميركية ألا تسلك سبيل الحلول العسكرية للتعامل مع هذه المشاكل.
- إن العمليات العسكرية التي بدأها الأمريكيون في أفغانستان تعدّبداية لحركات عسكرية ستستمر لأمد طويل حسب ما يرى المحلّلون، وأكبر دليل على ذلك هواستعداد الولايات المتحدة لشنِّ هجومٍ كبيرٍ وشاملٍ آخر على العراق. وكما يرىالمحلّلون فإنّ هذا الهجومَ لن يتوقف عند العراق فقط، بل هو هجوم يستهدف جميع دولالمنطقة. بيد أن هذا الغزو المخطط له سوف يمنى بخيبة الأمريكيين من جهة، كما أنهسوف يقود إلى سفكِ دِمَاءِ عددٍ كبيرٍ من الأبرياء مما يؤدّي إلى إشعال حرب كبيرةلاَ نهايةَ لها. فالمسلمون سيعتبرون أن المستهدف من هذه الحرب هم المسلمون، وهو ماسيؤدي إلى إشعال لهيب أعنف لهذه الحروب.
- وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدّعي بأنّ هذه الحرب هيحرب على الإرهاب ولا تهدف إلى الاستيلاء على الثروات الطبيعية للأمة فإن عليها ألا تلجأ للقوة بل للمنطق العقليِّ والفهم الكامل لحقيقة الإرهاب ودراسة الأسبابوالدوافع والعوامل التي أدت إلى قيام هذه الظواهر، ثم بعد ذلك إيجاد الحلول الصحيحةمن أجل وضع حد له بطريقة معقولة ودون اللجوء إلى القوة وإراقة الدماء. وإن القوةالحقيقية هي قوة الفكر التي تستطيع إرشاد المتورطين في عقلية الإرهاب ودراسة هذهالإيديولوجية، وتصحيح الفكر الديني الخاطئِ، ويكون هذا التصحيح مستمدًا من القرآنالعظيم والسنة النبوية الشريفة وإظهار الدين الحق دون أي شوائب من غلوّ أو تعصّب.وهذه المهمة لا تقع على عاتق الأمريكيين وحدهم، بل هي وظيفة المسلمين بالدرجةالاولى؛ فالمطلوب توحيد المناهج الإسلامية والابتعاد عن الغلو.
- على الولاياتالمتحدة الأميركية ألا تلجأ إلى حل مشاكلها من الخارج، فمن خلال ما سبق يتبين لناأنه ليس من الصواب للولايات المتحدة الأمريكية أن تلجأ إلى حل لمشاكلها الداخلية منالخارج، وذلك بعد اتضح أن هذه المجموعات المتطرفة ظهرت على الساحة نتيجة الفهمالخاطئ للإسلام ونتيجة التعامل المغلوط معه. وينبغي أن ينبع الحل من داخل الأمةالإسلامية ذاتها. فهل يمكن مثلاً لطائفة مسيحية أن تتدخّل في شؤون دينية لطائفةيهودية اختلفت معها حول تفسير أو شرح للتوراة؟ وكذلك بالنسبة للدين الإسلامي، فلايجوز لأحد غير المسلمين التّدخُّل لوضع التفسير الصحيح لمضامين هذا الدين وتطبيقهبالشكل الأمثل. عندئذ فقط يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقدِّم الدعماللازم لهذه المنظمات الإسلامية التي تمضي في الطريق الصحيح في توضيحها للقيمالإسلامية الصحيحة وتطبيقها.
كيف يمكن أن يكون العالم الإسلامي الموحد؟
إن التقارب من هذا المنطلق سيخلق الخير والإخاء بين الشعوب، وسيكونالمثل الأعلى للتعايش الصحيح للأميركيين من جهة، وللمسلمين من جهة أخرى. ويجب عليناأن نسلك الطريق الصحيح، والّذين يفكّرون بعكس ذلك إنما هدفهم هوَ إراقة الدّماء،خاصة وأنّ هناك بعض المجموعات في الإدارة الأمريكية لها دور كبير ونافذ تضمر النيةالسيئة وتحرّض ضدّ شعوب العالم الغربي وضدّ الإسلام وحضاراته وتسعى إلى إشعال حروبخبيثة لا نهاية لها. وعلى الإدارة الأمريكية أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار وتعي مايدور في كواليسها.
ماذا علينا أن نفعل من أجل توحيد كلمة المسلمين متصدّينَ للقوىالصهيونية المتواجدة داخل الإدارة الأمريكية التي تناصب الإسلامَ وحضارَته العداء؟يتعين علينا البحث في هذه المسألة الخطيرة قبل الإجابة على هذا السّؤال المتعلقبمشكلة التّشرذم الإسلامي.
من المعروف أن المسلمين في جميع أنحاء العالم غير متفقين في الآراءولا في الأمور الدينية الأخرى، فهناك مذاهب مختلفة واتجاهات متنوعة. ويفتقرالمسلمون اليوم أكثر من أيّ وقتٍ آخر إلى مركزٍ إسلامِيٍّ واحدٍ ومرجعية واحدة فيالفقه والتحليل والتفسير تعمل على التقريب بين هذه الآراء من أجل الاتفاق على قواعدمشتركة حول ما يناسب وما لا يناسب، وتَمييز الخطأِ من الصواب، ومعرفة الحقيقة فيالإسلام . وعلى خلاف ما يرى في الأديان الأخرى مثل المسيحية فهي منقسمة إلى كاثوليكومركزها الفاتيكان، وأُرثوذكس وبروتستانت. أمّا الدّين الإسلامي فهو دين التوحيد ولاتوجد فيه أحزاب متفرقة أو مذاهب متنازعة.
وقد عملت الخلافة الإسلامية بمتابعةالرسالة الإسلامية بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت هي النّبراسالمنير لقيادة هذا المجتمع السامي. لذلك لا بدّ لنا من إيجاد حل شامل وأمثل لإنشاءهذا المركز الإسلامي الموحد الذي يضع كل القوانين والنظم الإسلامية في إطارهاالصحيح ودون اختلاف، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بطاعة أولي الأمر بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْالرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُإِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِالآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (سورة النساء: 59)
4) يجب تقديم العونوالحماية للأقليّات الموجودة في الدول الإسلامية مثل الأقليات المسيحية واليهودية،وينبغي الإحسان إلى الضيوف االذين يزورون الدول الإسلامية وحفظ حقوقهم ومساعدتهمواحترامهم. كما يتعين إقامة علاقات وُدِّيَّةٍ مع أصحاب الديانات السماوية الأخرى.3) يجب إقامة علاقات وصلات قوية ومسالمة مع الحضاراتالأخرى والعمل المشترك معها من أجل مراقبة وتدمير الأسلحة النووية وأسلحة الدمارالشامل والقضاء على الإرهاب والجرائم في العالم، والتعامل الكامل مع المنظماتوالهيئات الدولية والأمم المتحدة لتوفير الأمن المشترك.2)يجب أنيكون مرتكزًا على حرية الرأي والديموقراطية وحقوق الإنسان وداعمًا لذلك، وأن يكونالهدف من قيام هذا الاتحاد هو الارتقاء والتقدم العلمي والاقتصادي والثقافي للعالمالإسلامي بكل جوانبه.1) يجب أن يكون موجهًا إلى كافة الأمة الإسلاميةويقوم على قواعد وأسس إسلامية متينة وصحيحة، ودون وجود لأيّ اختلاف فيما بينهاوإلغاء المذاهب والطرق الدينية المتبعة والمختلفة بين الجماعات.
5) تقديم الحلول العادلة لجميع الأطراف المتنازعة، بين المسلمين وغير المسلمينمثل القضية الفلسطينية والقضية الشيشانية وقضية مسلمي مورو والدفاع عن حقوقالمسلمين والعمل على النهوض بالمنظمات الإسلامية المتفتحة والواعية ورفع الحواجزالتي تعيقها. والإسلام في حاجة إلى مثل هذه الطاقات الخيرة والعادلة للوصول إلىحلول عادلة وتحقيق الرفاهية لأكثر من 1.2 مليار مسلم في العالم، والهدف هو تقديمالخير للعالم أجمع.
والعالم في أمس الحاجة إلى وحدة المسلمين في هذه الأيام
إن رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام منذ نبوته إلى يومنا هذا قدّمتللإنسانية أجلَّ الخدمات في مجالات كثيرة؛ علمية وثقافية وفنية وحضارية وعقلانيةوفكرية سامية، وفي جميع المجالات الأخلاقية والأدبية، وكان نبراسه عليه الصلاةوالسلام هو الأخلاق الفاضلة المستمدة من نور القرآن الكريم.
قدمت رسالة الإسلام للإنسانية أجلّ الخدمات العلمية والثقافية والطبية فيحين كان الغرب في تلك الفترة غارقًا في ظلمات الجهل والانحطاط، فقد تلقّت المجتمعاتالغربية أعظم العلوم والمناهج وسارت على طريق التقدم بفضل نور الإسلام. ولهذا عليناالعودة إلى الوحدة والاستمساك بها، فنحن اليوم في أمسِّ الحاجة إليها.
دور تركيا في تحقيق الوحدة الإسلامية
إذًا كيف يمكننا أن نطبّق هذا المشروع الجليل؟
هذه المهمة تقععلى عاتق جميع المجتمعات المجتمعات الإسلامية، ومن بينها المجتمع التركي الذي كانله الدور الكبير والفعال في القيام بمثل هذه المُهِمَّةِ. فالمسلمون الأتراك عملوامنذ العصور القديمة من أجل القيام بالدور الريادي لقيادة المسلمين، وتحقق ذلك قبلما يقارب الـ500 عام وذلك عندما قامت الدولة العثمانية.
واليوم، لتركيا الأسسالقوية من أجل أن تعود وتنهض بذه الوظيفة، وتتسلم المسؤولية لتقوم بالدور الرياديمن جديد. فتركيا لها علاقات وروابط قوية وواسعة في شتى المجالات مع المجتمع الغربيأكثر من أيّ دولة إسلامية أخرى تساعدها على القيام بذلك الدور. وقد كانت الدولةالعثمانية عبر تاريخها الطويل ملتزمة طريق العدل والإنصاف، وكانت تحترم الأديانالأخرى وأتباعها مستندة إلى تعاليم الإسلام السمحة ومتمسكة بنور القرآن الكريم.
في الختام، ومن خلال هذه المعطيات يجب أن نقول بأن علينا المبادرةلتحقيق الوحدة الإسلامية دون تأخير باعتبارها حاجة ملحةً، فالصدامات بين الشعوبالإسلامية والحضارات الأخرى تتفاقم يومًا بعد يوم، وهذه الحروب في العراق وأفغانستان سوف تمتد شرارتها إلى دول عربية وإسلامية مجاورة ما لم نسارع إلى وضعالحلول السريعة ونغير ما علينا تغييره، فالحرب إذا وقعت سوف تؤدي إلى إراقة الكثيرمن دماء الأبرياء وإزهاق أرواحٍ بريئة لا علاقة لها بالحرب.
إنَّ الفهمَ الخاطئَ للإسلامِ والحكمَ الغربيَّ الجائرَ ضدَّالإسلامِ ما زلنا نعيشه ونعاني منه، وتعاني منه بشكل خاص الجالية المسلمة التي تعيشفي المهجر، فهذه الجالية تواجه كثيًرا من المشاكل مع المجتمعات الغربية مما يجعلالعيش في تلك المجتمعات شبة مستحيل. والحل لهذه المشاكل هو إنشاء إتحاد إسلامي قويودائم قائم على العدل هدف نشر السلام في العالم.
ومن هذاالمنطلق يجب تشكيل وحدة إسلامية تنسجم مع الزمان والمكان، وويتعين أن يكون هذاالاتحاد على النحو التالي: