يعتبر الشرق الأوسط قلب العالم، ونظرًا لموقعه الجيوسياسي بالغ الأهمية، وغالبية سكانه المسلمين، وما تزخر به أراضيه من ثروات طبيعية كالنفط والغاز الطبيعي، فقد كان على الدوام في قلب الصراعات نتيجة ما يتعرض له من مؤامرات تحيك خيوطها أطراف خارجية.
واليوم، جاء الدور على دولة قطر، لتقع ضحية استراتيجيات قاسية مماثلة، ومنذ أن هزت الأزمة الخليجية أرجاء العالم، وظهرت فجأة في الخامس من يونيو الماضي على أساس اتهامات مزعومة بتمويل الجماعات الإرهابية، بدا واضحاً أن أساس هذه الأزمة ليس كما يروج له ويراد تبريره.
لقد فرضت عدة بلدان من دول مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر، عقوبات صارمة وفرضت حصاراً شديداً على قطر، وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها قطر لمثل هذه المعاملة، ففي عام 2014، علقت الدول الخليجية الثلاث علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، إن ما يحدث في قطر اليوم، وفقاً لمهران كامرافا، رئيس مركز الدراسات الدولية والإقليمية في موقع جامعة جورج تاون في الدوحة" تطور أكثر دراماتيكية مقارنة بالأزمة الدبلوماسية التي حدث في عام 2014".
وعلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ما يجري من حصار لقطر بأنه خطأ فادح ووصف عزل دولة قطر بأنه إجراء "لا إنساني وضد القيم الإسلامية"، من جهتها أعلنت روسيا دعمها لقطر، وتقوم تركيا بحملة دبلوماسية مكوكية مكثفة مع الدول المعنية وكذلك مع الولايات المتحدة، باعتبار أن فرض الحصار على قطر لن يسهم سوى في إيذاء السكان الأبرياء في هذا البلد، والمدنيون هم الذين سيدفعون ثمن هذا الحصار وسيعانون من مخلفاته، إلى جانب ذلك، فإن حصار بلد ما ليس هو الطريق الصحيح لحل النزاعات والخلافات، اليوم، يريدون عزل قطر وتركيا، وفي الماضي، كانوا يريدون عزل إيران وروسيا.
ومعروف عن تركيا منذ زمن بعيد، وقوفها إلى جانب حلفائها، خاصة عندما يكونون في أمس الحاجة إليها، وبفضل هذا الموقف الذي تميزت به تركيا، فقد سمح لها بأن تضطلع بدور مغير لقواعد اللعبة في المنطقة، وقفت تركيا على سبيل المثال، إلى جانب روسيا عندما تعرضت للحصار، واستضافت اللاجئين الفارين من سوريا والعراق، ولم تقطع أبداً علاقاتها المشتركة مع إيران عندما كانت معزولة في الأيام السابقة للصفقة النووية لـ 5 + 1، والآن تقدم تركيا الدعم إلى قطر.
وبموجب توقيع اتفاق التعاون الدفاعي بين قطر وتركيا في 19 ديسمبر 2014، أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في قطر، وفي أعقاب القرار الرسمي، أرسلت تركيا قوات إلى القاعدة العسكرية، ورغم ما أثارته هذه العملية من اهتمام كبير، فليست هناك نية أو ما يشير إلى رغبة تركيا في تصعيد النزاع، على العكس من ذلك، فإن وجود القوات سيفتح الطريق أمام حل الأزمة عن طريق الدبلوماسية، وتركيا كررت مراراً أن قاعدتها في قطر هي لحفظ أمن الخليج كله.
ولن نجانب الصواب إذا قلنا إن الهدف من هذه الأزمة ليست قطر فقط بل أيضاً تركيا وإيران على المدى الطويل، مثلما يتضح من خلال ما طرحته قائمة المملكة العربية السعودية وحلفاؤها من مطالب تتضمن 13 نقطة تشمل قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر وإغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة، وقد اعتبر الرئيس أردوغان أن هذه القائمة "منافية للقانون الدولي"، وفي الوقت نفسه، أدان الرئيس الإيراني حسن روحاني حصار قطر، وبحسب آخر التقارير الإخبارية، فقد صرّح وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن المطالب المتضمنة في القائمة تم وضعها أساساً لترفض.
لقد حان الوقت للمسلمين لرؤية الدوافع الحقيقية وراء هذه المخططات كما هي، فلا بد من توخي الحذر، وإحباط هذه المؤامرات تماماً ويتعين على قادة العالم الاعتناء بقضية قطر، ومواصلة تقديم رسائل تدعم سبل المصالحة والبرهنة على تأييدهم الطرق الدبلوماسية لوضع حد لهذه الأزمة المؤسفة.
http://www.raya.com/news/pages/f4d17133-5bc7-4d75-a0f9-9b31abf8a5ca