تخضع أماكن العبادة للحماية حسبما ذُكر في القرآن، فيُمنع في الإسلام إلحاق الضرر بالقساوسة والمسيحيين. لذا فإن محاولة إثارة العداوة ضد المسيحيين أو التحريض على القتال بين الهلال والصليب تتعارض كليًا مع ما يأتي في القرآن.
ولكن للأسف يتسبب التعصب الذي نما داخل الإسلام في مثل جرائم الكراهية هذه. ومن ثم فإنه من الأهمية بمكان أن نفرق بين الإسلام الذي يستند إلى القرآن وحسْب، والتعصب الذي يسيء تفسير القرآن من خلال الانجذاب نحو الأحاديث التي نُسبت زورًا إلى النبي، والكتب الإسلامية الزائدة التي تتكون من فتاوى أفتى بها علماء الدين.
يشير النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى النظرة السليمة التي ينبغي أن ينظر بها المسلمون إلى المسيحيين. ففي عام 628 عندما جاءت إليه بعثة من دير سانت كاترين تطالبه بالحماية، فمنحهم ميثاق حقوق يعرف بـ «العهدة المحمدية»، وأمر المسلمين أن يطيعوا ما جاء فيها حتى يوم الدين. وللأسف، شجع بعض مفكري الغرب في العالم المعاصر فكرة التطرف لخلق نموذج إسلامي بائس يعارض كليًا العلم والفن والجمال والنحت والموسيقى وما إلى ذلك.
على سبيل المثال، ليست مؤلفات «صراع الحضارات» و»عصر حروب المسلمين» لصامويل هنتنغتون سوى ترويج للتعصب الذي يمهد الطريق أمام القضاء على الإسلام. إذ تروج المناقشات لبدء حرب عالمية ولإبعاد العالم بأسره عن المعتقدات الدينية. ومن خلال هذه الأيديولوجية المتطرفة، تُطبع كراهية المسيحيين في أذهان أتباعها وهم يهمون للقضاء على المسيحيين. لقد انتشر الإلحاد في واقع الأمر بجميع أنحاء أوروبا ولم يبق فيها سوى عدد قليل من المسيحيين. ومن خلال الزعم بأن هناك حربًا بين الصليب والهلال، يحاول هؤلاء المتآمرون القضاء عليهم.
لذا ينبغي على المسيحيين والمسلمين أن يحشدوا القوى ليبطلوا هذه المخططات وأن يكافحوا معا ضد الأيديولوجيات الكافرة؛ إذ إن التدليل على وجود حرب بين الهلال والصليب سيكون خطأً جسيمًا، لأنه ليست هناك سوى حرب المؤمنين ضد الكافرين.
أمثلة على اضطهاد السكان المسيحيين.
فيما يتعلق بهذا المخطط، تُضطهد الأقليات المسيحية في البلدان المسلمة مثل الصومال وأفغانستان وباكستان ونيجيريا وكينيا، كما يتناقص عدد السكان المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط تناقصًا دراماتيكيًا، إذ إن نسبة السكان المسيحيين انخفضت من 20% إلى 3- 4% خلال قرن من الزمان. فوفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، تُساء معاملة المسيحيين في ستين بلدًا من قِبل كل من حكوماتهم وجيرانهم بسبب عقيدتهم، ويشير تقرير «منظمة الأبواب المفتوحة» حول الحرية الدينية إلى أنه في كل شهر يتعرض 322 مسيحيًا للقتل، وتتعرض 214 كنيسة أو عقارًا يخص مسيحيين للتدمير، ويُرتكب 722 هجومًا عنيفًا ضد المسيحيين.
وفي مصر، استُهدف المسيحيون في أواخر مايو أثناء ذهابهم إلى أحد الأديرة، ما أودى بحياة 28 مسيحيًا على الأقل، وكثير منهم من الأطفال، بالإضافة إلى جرح العشرات. وقد جاء الهجوم الذي وقع في أحد الزعف خلال شهر أبريل، ومرة أخرى في مصر، ما خلّف 43 قتيلًا بعد فترة قليلة من المذبحة التي راح ضحيتها 25 مسيحيًا قبطيًا، إثر تفجير الكاتدرائية خلال أعياد الميلاد الأخيرة، وكلاهما ارتكبته «داعش». وحسبما أشار أحد المراكز البحثية الأمريكية، فإن عدد الهجمات ضد الأقباط وصل إلى 26 هجومًا في 2017، ووصل إجمالي عدد القتلى إلى 88 قتيلًا. غير أن مصر ليست المكان الوحيد الذي يعاني فيه الأقباط المسيحيون من التمييز ضدهم، إذ إن السنوات الطوال من الرحيل الجماعي تركت أكثر من مليون مسيحي قبطي يتعبدون في 100 كنيسة فقط حول العالم. وفي سوريا أيضًا، تقلص عدد السكان المسيحيين خلال سنوات الصراع الخمس من 1.5 مليون مسيحي إلى 500 ألف مسيحي.
تستند هذه الهجمات العنيفة إلى خطب الكراهية المذكورة في الأحاديث الخاطئة الموجودة في كتب التفسير التي تحمل أفكارا خاطئة عن الإسلام وإلى بعض الفتاوى. وتعتبر أعمال العنف هذه ذات طابع أيديولوجي تمامًا، حسبما يمكن للمرء أن يراه في هجوم ستوكهولم الإرهابي الذي وقع في أبريل الماضي، والهجوم الإرهابي الذي وقع في سوق عيد الميلاد في برلين نهاية العام الماضي، فقد استهدف المتعصبون في كلا الهجومين المسيحيين بسبب عقيدتهم وحسب.
والحقيقة في القرآن هي عكس ذلك كليًا، ولكن لا يزال هناك شخص ما ذو نوايا مريضة يأتي ببعض آيات الحرب في القرآن ليبرر بها العنف، بيد أنه من المهم ملاحظة أن هذه الآيات تشير إلى حرب في وقت محدد، عندما كان ثمة اضطهاد شديد ضد المسلمين. وتشير هذه الآيات إلى هذا الوقت بعينه، لتعطي المؤمنين حق الدفاع. وفي يومنا هذا، يعتبر حق الدفاع حقًا يُمنح إلى الأشخاص المُضطهَدين أو إلى الدول الحديثة التي تتعرض للهجوم، في إطار القانون الدولي.
التعصب مظلم وخانق للبشر، إذ يشعر الأشخاص المأسورون في هذا الظلام بأنهم مجبرون على الحياة بها، ثم يرون النور الذي يلمع في أعينهم ويعتقدون أنهم لا يستطيعون العيش بهذه الطريقة. لكن هذا ليس صحيحًا، فسوف يعتادون على الحياة في النور.