بعد شهور من ماراثون الانتخابات الذي انتهى بفوز دونالد ترامب، نتمنى للرئيس الأمريكي الجديد الذي يتولى إدارة البلاد أن يكون جيدًا للعالم ككل كما للولايات المتحدة الأمريكية.
نتوقع من ترامب أن يعيد إحياء «الحُلم الأمريكي» الذي كان سابقًا رمزًا لرفعة معانٍ وقيم مثل التقوى والازدهار والرفاهية والسعادة والتحرر والثقافة والجودة الرفيعة والعلم والتكنولوجيا والفن والجماليات، فهذه هي أمنيتي الأكبر لأمريكا التي لطالما ذكرتها في أي مناسبة لسنوات مضت. وحقيقةًَ كثيرًا ما بشّر ترامب في خُطَبه بعد الانتخابات بـ «إعادة تجديد الحُلم الأمريكي».
جاء تأكيد ترامب على أنه سيكون «رئيسًا لكل الأمريكيين» مطئمنًا أولئك الذين لم ينتخبوه، وخصوصًا الأقليات التي تعيش هناك. وكما هو معلوم فإن أعتى الانتقادات لترامب جاءت بسبب تصريحات له عن أقليات مثل اللاتينيين (من جاءوا من أمريكا الجنوبية)، والأمريكيين أصحاب الأصول الأفريقية، والمسلمين. وبمبالغة وتشويه واستفزاز المعارضين أصبحت مثل هذه التصريحات–التي قد تكون أُطلقت بسبب الجو العام للانتخابات أو نقص المعلومات–سببًا عظيمًا للخوف والقلق بين الأقليات السالف ذكرها.
في حقيقة الأمر، أكّد ترامب بعد الانتخابات أن ما قاله في هذا الشأن قد تم تحريفه وتشويهه، وعلى الرغم من ذلك، وهو الأكثر أهمية، لم يكف ترامب عن إرسال رسائل تحث على الحب وتدعو إلى الاتحاد والوحدة لاحتواء جميع فصائل المجتمع، ودائمًا أيضًا ما يدعم ترامب ذلك بقرارات سياسية كظهير فعلي لما يدعو له في محاولة منه لتلطيف الجو المشحون وتخفيف التحيزات التي تكوّنت سريعًا في المجال العام.
العنصرية والتمييز والقبلية هي مشاكل أصيلة يصل عمرها الآن لثلاثمائة عام في بعض قطاعات الولايات المتحدة الأمريكية، وتظهر تجليات هذه المشاكل بوضوح من خلال وقائع مؤسفة مثل ظهور منظمات أخوية متطرفة مثل «كو كلوكس كلان» أو حدوث حرب أهلية كالتي حدثت من قبل. ويحاول معارضو ترامب أن يخلقوا انطباعًا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعانِ من مثل تلك المشاكل من قبل، وأن تلك القضايا التي ظهرت فجأة مع ظهور ترامب ما هي إلا ديماغوجيا مخادعة.
على سبيل المثال، حوادث العنف والقتل التي يقوم بها رجال الشرطة ضد الأمريكيين أصحاب الأصول الأفريقية في تصاعد مستمر، وانتشرت بشكل واسع الهجمات الإرهابية القائمة على العنصرية، وصمت منظومة العدالة في أغلب الأوقات أمام تلك الحوادث، ما هي إلا أمثلة بسيطة لقضايا التمييز التي نواجهها.
علاوة على ذلك، الهذيان الذي هو ليس بالجديد والذي أيضًا يحب أن يقدم المسلمين «خطرين» و»إرهابيين» و»مجرمين» لتبرير وشرعنة الغزو والحروب على الشرق الأوسط، فهذه هي إحدى السياسات المشوّهة التي حاولت دوائر معينة السعي وراءها على مدار العقود السابقة، فالتحيّز ضد المسلمين الذي نما في مجتمع الولايات المتحدة كنتيجة لتلك السياسات هو مصيبة ابتُلينا بها منذ فترة طويلة.
باختصار، وعلى عكس ما تحاول أن تروج له بعض الدوائر المنشقة بشكل انتهازي، فإن ترامب ليس مسؤولًا عن ظاهرة الخوف من الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه فإن أخذ الاحتياطات لمواجهة هذه الظاهرة واقتلاع جذورها السياسية والمجتمعية يجب أن يتصدر قائمة أولويات الرئيس الجديد.
تشير البيانات إلى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أصبحت كالجرح المؤلم في مجتمع الولايات المتحدة، وقد بيّن استفتاء للرأي في جامعة المريلاند في عام 2011 أن 61% من الأمريكيين يحملون وجهات نظر سلبية عن الإسلام، وقد ازدادت سلبية تلك الآراء بين قطاعات معيّنة في السنين الأخيرة، وللأسف فإن تلك التحيّزات تعطي فرصة لذلك النوع من الجرائم القائمة على الكره، ففي عام 2015 وفي أثناء وقوع أحداث سان بيرناردينو والهجمات الإرهابية في باريس، وصلت الجرائم في أمريكا ضد المسلمين والمساجد إلى ثلاثة أضعاف معدلها الطبيعي.
وقد أظهرت دراسة نُشرت العام الماضي بواسطة شركة «416 لابس» المتخصصة في تقديم الاستشارات، أن صورة الإسلام والمسلمين في عناوين المجلات والصحف الشهيرة كصحيفة النيويورك تايمز أصبحت أسوأ من صورة السرطان والكحول بل والكوكايين، ووجدت الدراسة أن المواضيع التي تناقش ما له علاقة بالإسلام والمسلمين تكاد تخلو من أي كلمات إيجابية، وأن 8% فقط من عناوين تلك المواضيع يحمل دلالات إيجابية في هذا الشأن.
كما يمكننا أن نرى، فإن دوائر إعلامية معينة في الولايات المتحدة تقوم بتصعيد الأمور لتزداد سوءًا فيما يتعلّق بالإسلاموفوبيا، وقد يساعدنا في فهم الدور الذي تلعبه تلك الدوائر مقالة نُشرت على هافنغتون بوست بعنوان «هل تزداد ظاهرة الإسلاموفوبيا في أمريكا؟».
«أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا متفشيّة في كل صور ووسائل الإعلام، فنجد مثلًا أن كثيرًا من الأفلام المتنافسة على جوائز الأوسكار مثل «Argo» و«Zero Dark Thirty» و«American Sniper» تعرض أبطالًا أمريكيين قاموا بإيقاف جحافل الكره والعنف للمسلمين المعادين لأمريكا. وحتى المسلمين المعرضين للعنف والإرهاب يتم اعتبارهم حجر أساس لخطوط المؤامرة كالحال في المسلسل التلفزيوني الحائز على الجوائز «Homeland».
بدأت صورة المسلمين في الانحدار عبر وسائل الإعلام الأمريكية منذ عام 2010، وبناءََ على دراسة أجراها موقع التحليل الإعلامي MediaTenor فإن الصورة السلبية للمسلمين تجلّت عبر 40% من وسائل الإعلام، بينما وصلت هذه النسبة إلى 75% مع حلول عام 2013 فمن وقتها ودائمًا ما نجد تلك الصورة السلبية للمسلمين مقترنة بالعنف والإرهاب».
من المثير أن نجد أن تلك الدوائر التي قامت بإشعال ظاهرة الإسلاموفوبيا عبر القيام بأنشطة استفزازية هي نفسها الدوائر التي انتقدت ترامب بشدة قبل الانتخابات وشنّت أيضًا حملات تشويه قاسية ضد ترامب بعد فوزه بالانتخابات وحثت الآلاف على النزول إلى الشوارع، وأغلب هؤلاء هم مراكز أبحاث ومؤسسات إعلامية بريطانية متبوعة ببعض مراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية الأمريكية، بعبارة أخرى فهؤلاء هم السياسيون والصحفيون والأكاديميون والمعلّقون الذين ينتفعون ويتغذون على مثل تلك الظروف.
يجب أن تكون مهمة ترامب الأولى الأكثر إنسانية هي الاستماع إلى صوت الضمير واقتلاع جذور ظاهرة الإسلاموفوبيا تمامًا، ستكون الولايات المتحدة أقوى فقط عندما تتغلب حرية الاعتقاد والتعبير على التحيزات والأفكار المُسبقة، وعندما يكون مبدأ «أحب جارك» هو ناموس التعامل بين الناس، بدلًا من أن يروا في بعضهم البعض أعداء محتملين. لم يكن على المسلمين والمسيحيين فيما مضى وعبر حضارة كل منهم أن يتحاربوا، وبالتالي فليس على ممثليهم اليوم أن يتحاربوا أيضًا، بل على العكس من ذلك عليهم أن يأتوا بما هو جميل وأن يشيّدوا جسورًا للسلام للعالم أجمع. يحب المسلمون الأمريكيون بلادهم ويحترمون القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية ويحاولون أن يكونوا مواطنين صالحين. فعلينا دائمًا أن نتذكر أن كلا الجانبين لن ينالا السعادة والبهجة إلا من خلال اعتبار المسلمين الأمريكيين، أفرادًا يضيفون لمجتمعهم، بدلًا من نبذهم.
قطعًا إنه أمر بالغ الأهمية أن يدعم المسلمون ترامب في مسعاه تجاه بناء أمريكا أكثر ورعًا وسلمًا وجمالًا، وألا يلقوا بالًا للدوائر المُغرضة المذكورة أعلاه التي تريد تضليلهم.
فقط بإنشاء التحالفات التي تتشارك في قيم مثل السلم والصداقة والديموقراطية وحرية الاعتقاد، يمكننا إضعاف تأثير الأشخاص غير المحبين والعدائيين. تشير حقيقة أن ترامب يختار للتعيين كوادر تؤمن بقيم مثل التديّن والروحانية، وضد الداروينية والمثلية الجنسية بشدة، إلى أنه يمكننا بسهولة الوصول إلى تلك الأرض المشتركة وإيجاد التحالفات المُثرية.