جذبت الاشتباكات العنيفة التي وقعت في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا الاميركية قبل فترة انتباه العالم إلى الأيديولوجيات والهياكل العنصرية في الولايات المتحدة، وخاصة حقيقة أن محاصرة شوارع مدينة مسالمة وترويعها من قبل ميليشيات مدججة بالسلاح أثارت قلقاً كبيراً لدى الكثيرين، وتحوّل تلك الاحتجاجات إلى العنف في غضون أشهر قليلة في بلد كان يُقدم منذ وقت طويل كنموذج عالمي للسلام الاجتماعي، أمر محير للعقل حقاً، ما يوجب على الحكومة الأمريكية اتخاذ التدابير العاجلة في مواجهة تزايد العنصرية والجماعات المضادة المؤيدة للعنف التي تصعد معها، العالم بحاجة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي يسود فيها الفكر السليم.
ربما تكون الولايات المتحدة واحدة من أكثر البلدان شهرة فيما يتعلق بالعنصرية؛ فقبل 150 عاماً فقط، قاتل الأمريكيون بعضهم البعض في حرب أهلية اندلعت بسبب العبودية، وفقد مليون أمريكي حياتهم من الجانبين خلال أربع سنوات، ودمرت الأراضي الغنية والبنية التحتية للجنوب بشدة، وعلى الرغم من أن الرق قد ألغي دستورياً في أعقاب الحرب، فقد استغرق الأمر قرناً من الزمان قبل أن يتحقق هذا تماماً في الحياة الحقيقية.
تواجد العنف العنصري دائماً في الأراضي الأمريكية، ولا سيما في المناطق الجنوبية، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. بعد حركات المجتمع المدني في الستينات فقط أصبح من الممكن للسود والبيض ارتياد نفس المدارس والسفر في نفس الحافلات وتناول الطعام في نفس المطاعم. واليوم لا تزال هناك بِنى أيديولوجية سائدة بين شرائح معينة من المجتمع تؤيد التمييز بين الناس وفقًا للون بشرتهم. يثير مناخ العنف هذا إرهابيين يحسبون أنفسهم وطنيين مثل تيموثي ماكفي، مفجر أوكلاهوما سيتي المشهور، الذي تسبب في مقتل 168 شخصاً، وهذه مسألة يجب على المجتمع الأمريكي أن يعالجها بنفسه.
يحمل أعضاء حركة تفوق البيض الأعلام النازية ويضعون وشم الصليب المعقوف، وتهتف هذه الجماعات بشعارات نازية مثل "الدم والتربة"، مضفين بذلك الطابع المثالي على هيئة عرقية قومية محددة بهتاف "الدم" متحدين في منطقة جغرافية معينة "التربة"، على الرغم من أن هذه القيم بالتأكيد ليست جزءًا من المجتمع الأمريكي، إلا أنها لا تزال تجد أنصاراً بين المتطرفين العنصريين اليمينيين.
وقد ارتكب الإرهابيون اليمينيون المتطرفون أيضاً عمليات قتل جماعي عديدة خلال السنوات الأخيرة، فستة هنود فقدوا حياتهم في عملية إطلاق نار جماعي نفذت على معبد للسيخ في ولاية ويسكونسن في عام 2012، بينما في عام 2014، ذُبح ثلاثة يهود أبرياء في هجوم على مركز جالية يهودية. وواحدة من أكثر الهجمات شراسة التي نُفذت من قريب تمت بواسطة ديلان رووف، ففي مذبحة وقعت في كنيسة الميثودية السوداء في تشارلستون، جنوب كاليفورنيا، فقد تسعة مسيحيين متدينين حياتهم، وقد ارتكبت هذه الهجمات كافة من قبل أتباع منظمات تفوق البيض.
اليوم، تملك هذه الحركة العنصرية عدداً لا يحصى من الجماعات الصغيرة داخل الولايات المتحدة، ويقود النازيون الجدد هذه الجماعات إلى حد كبير، يقوم النازيون الجدد بتنسيق أنشطتهم عبر الإنترنت. المجموعة العنصرية الرئيسة الأخرى بعد النازيين الجدد هي جماعة القوميين البيضاء، وتلي هذه المجموعة مباشرة جماعة المحافظين الجدد، ويسعى هذا الفصيل أيضاً لنفس الغاية: تأسيس دولة بيضاء فقط.
أما بالنسبة لما يسمّى جماعات اليمين البديل التي ظهرت مؤخرًا كحركة أكثر حداثة وحضرية، فإنها لا تعتبر نفسها في فئة "العنصريين". غير أن الليبراليين، والنسويات والمحاربين من أجل العدالة الاجتماعية والمهاجرين يعارضونهم.
في الانتخابات الثلاثة الأخيرة، توسعت هذه المناقشات في السياسة الأمريكية، اتحد الناخبون اليمينيون ضد ممارسات أوباما التي اعتقدوا أنها ضد القيم الأمريكية، وانتُخب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة بفارق ضئيل نتيجة أصوات الناخبين المتدينين والمحافظين، وعقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، فاضت الشوارع باحتجاجات الناخبين اليساريين. اتسمت الاحتجاجات بوجود جانب عنيف من خلال أعمال المتطرفين. اليوم، الولايات المتحدة الأمريكية في حلقة مفرغة حيث يولد العنف عنفاً آخر وتولد الكراهية المزيد من الكراهية. وفي الوقت نفسه، فإن السياسيين ورجال الدولة والمثقفين، الذين من المفترض أن يعملوا من أجل التوصل إلى حل، يبتعدون عن الحسّ السليم.
هذا الجو غير العقلاني يعزّز ويزيد كلاً من الحركات اليمينية المتطرفة واليساريين الراديكاليين المتطرفين. ورغم بدء هذه المنظمات من خلال استفزازات حفنة من الجماعات المؤيدة للعنف، إلا أنها توسع نطاقها الاجتماعي بسرعة، وتحتل المركز السياسي في هذه العملية.
تحققت أكبر الانتصارات ضد العنصرية في تاريخ الولايات المتحدة من قبل قادة دعاة للسلام، وكانت مسيرة سالم الشهيرة حركة سلمية. المنظمات المؤيدة للعنف مثل الفهود السود لم تجلب شيئاً سوى الإضرار بالسعي من أجل الحقوق المدنية. وفي نفس السياق، فإن الحقيقة الصريحة التي أثبتتها التجربة أنه لا يمكن لأيّ رد فعل وحركة تشجع على العنف أن تكون ناجحة. ومن الناحية التاريخية لا يمكن التغلب على مشكلة العنصرية إلا من خلال الأساليب المنطقية والتوفيقية والسلمية. وبالمثل، فإنه من المستحيل اليوم لنموذج بعيد تماماً عن السلام تحقيق أي نجاح. إن العنف الذي يحدث اليوم لن يخدم أي غرض سوى تعزيز العنصرية، وبدلًاً من ذلك، فقد حان الوقت لكي يجعل مؤيدو السلام أصواتهم مسموعة.