رغم كون الطائرات بدون طيّار مجرد نتاج لتكنولوجيا كُرِّست لتطوير طائرة يمكن قيادتها بدون طيّار، فإن اسمها الذي عُرفت به، سواء كان “الدرونز” أو “الطائرات بدون طيّار”، يرتبط بأخبار الموت، ويكمن السبب وراء هذا في بروز التطبيقات العسكرية للطائرات بدون طيّار وقدرتها على حمل المتفجرات.
وبناءً على ما تقدّم، فإن الدرونز تصبح بسرعة أصولاً تكنولوجيةً مهمة ولا غنى عنها من أجل جهود الإغاثة وتنمية القطاع الصحي. ألهم الله العلماء بهذه التكنولوجيا المتطوّرة التي ستُستخدم من أجل جميع البشر، ولا سيّما في منطقتنا، فالوضع المثالي أن هذه التكنولوجيا المهمة ينبغي استخدامها من أجل التعاون وجهود الإغاثة بدلًا من استخدامها في إراقة الدماء، كما يبدو أن الاستخدام السلمي للدرونز، يمكن أن يقدّم أيضاً إسهامات جوهرية لاقتصادات البلاد. على سبيل المثال، أعلنت الرابطة الدولية لأنظمة المركبات ذاتية القيادة عن أنه في حالة ضمان الاستخدام المدني لأنظمة الطائرات بدون طيّار، فسوف توفر فرص عمل لأكثر من 70,000 شخص في الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وسوف تتسبب في تدفقات نقدية بـ 13.6 مليار دولار للاقتصاد.
ويجري حالياً تنفيذ عدد من المشروعات التي تستخدم فيها الدرونز لأغراض سلمية، ففي الولايات المتحدة، تعمل جامعة (هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا) على تطوير نظام طائرات بدون طيّار يمكن إدارته عن طريق العاملين في مجال الرعاية الصحية عبر هواتفهم الجوالة، فضلاً عن توزيع الإمدادات الطبيّة، يعتقد أن هذا المشروع يمكن استخدامه في العثور على الأشخاص الذين حوصروا في المناطق الخطيرة.
يمكن أن يُرى مثالٌ آخر للاستخدام السلمي للدرونز في جنوب أفريقيا، إذ يستخدم هذا البلد الدرونز لضبط ومنع الصيادين الذين يستهدفون الفيلة وحيوانات وحيد القرن. بل إن الدرونز قادرة على توفير رقابة على مناطق تبعد 33 كيلومتراً عن المكان الذي أقلعت منه. تستخدم الإمارات العربية المتحدة هي الأخرى الدرونز لأهداف مماثلة، يُراقب وادي الوريعة، وهو المتنزه الوطني للبلاد، عن طريق الدرونز التي تغطّي مساحة تصل إلى 40 كيلومتراً.
تمتلك الدرونز أيضاً القدرة على توفير معلومات بشأن تشكّل العواصف والأعاصير الاستوائية، وفي هذا الصدد، تستخدم وكالة ناسا طائرة بدون طيّار من طراز “هوك” يمكنها تنفيذ رحلات طيران لمدة ثلاثين ساعة؛ تستهدف ناسا تقييم رطوبة الغلاف الجوي، والتركيبات الكيميائية، والإشعاع، ومستويات الغاز في المناطق المرتفعة، كما تتحقق من الظروف المناخية الأخرى عبر الدرونز من خلال مشروع يسمّى “إيه تي تي آر إي إكس” (ATTREX) .
وتعمل شركة في مدينة أورليون الفرنسية على تجميع المباني الصغيرة عن طريق “فوم البوليسترين” الذي يمكن حمله بطائرات بدون طيّار صغيرة. وبدلاً من التحكّم فيها عن بعد، يستهدف القائمون على تطوير هذه الطائرات أن يجعلوها تعمل عن طريق التحكم الذاتي بمساعدة الذكاء الاصطناعي.
تشير الرابطة الدولية لأنظمة المركبات ذاتية القيادة في تقرير لها، صدر في آذار 2013، إلى أن استخدام الدرونز يمكنه أن يساعد في رفع كفاءة رشّ المزروعات وتقليل تكاليفها.
ويعدُّ نقل البضائع أحد المجالات الواعدة التي يمكن استخدام الدرونز فيها؛ فقد سجّلت “أمازون” فعلياً براءة اختراع بشأن استخدامها، إذ يهدف المشروع الى توزيع المنتجات المطلوبة من الموقع الإلكتروني عن طريق الدرونز، أتمَّت أمازون اختباراتها الأولية في مطلع 2017، بل إنها اعتزمت متابعة الإجراء في حال فشلت عملية التوزيع لأيّ سبب.
ونظراً للتنمية المتسارعة للتكنولوجيا، يمكن للدرونز أن تسهّل الحياة على الجميع عبر تقديم خدمات للبشرية لا تقدّر بثمن، كما ستصبح بلا شك أكثر فائدة في المستقبل لأن قدراتها المتعلقة بحمولتها ومسافات الطيران تزداد مع الوقت، علاوة على أنها مصدر راحة كبير لأن القائمين على تطويرها سيكونون قادرين في قادم الأيام على تطويع الذكاء الاصطناعي لاستخدامه في تسييرها وجعلها لا تعتمد على شخص يتحكم فيها.
ولكن توجد أيضاً بعض المشكلات التي تحتاج إلى حل من أجل حدوث هذا. بادئ ذي بدء، ينبغي إتمام التشريعات الضرورية لاستخدام الدرونز، إذ توجد هالة معتبرة من الغموض تحيط باستخدامات الدرونز. على سبيل المثال، يمكن أن تشكّل الدرونز منخفضة التكاليف، التي تقدّم رقابة باستخدام الكاميرات، تهديداً على خصوصية الأفراد، كما هناك مشكلة أخرى تتعلق بمسارات الرحلة، التي ستصير مشكلة في نهاية المطاف مع انتشار استخدام الدرونز. لذا فإن مسارات الطيران المحددة مسبقاً، المشابهة لتلك المسارات التي تستخدم في الطيران المدني، يمكن أن تكون ضرورية مع الدرونز أيضاً، وإن لم يكن كذلك، يمكن أن تسقط الدرونز فوق رؤوس الأشخاص أثناء سيرهم في الشوارع أو جلوسهم في أحد المقاهي.
وحتى إذا كانت سوف تستغرق بعضاً من الوقت على ما يبدو، فقد ينتهي الحال بالطائرات بدون طيّار، إلى أن تصير بشرى لعالم جديد من السلم والراحة للبشر. وبدلاً من أن تكون مصدراً للرعب الذي تنشره عن طريق المتفجرات التي تحملها، يمكنها أن تشكّل بصيص أمل لعديد من الأشخاص عن طريق المساعدات والإسهامات التي تقدّمها للبشرية. ولنعلم أن هذا لن يكون ممكناً إلاّ عندما تطغى الأصوات التي تنادي بنشر السلام على تلك الأيدي التي تقرع طبول الحرب.