محاكاة لجنات عدن
ucgen

محاكاة لجنات عدن

1468


هارون يحيى

يعد الله تعالى عباده المؤمنين بجنات الخلد ويعطيهم وصفًا مفصلًا للحياة الرائعة التي تنتظرهم، وفي أرض الجمال والسعادة الدائمة سيمتلك المؤمنون كل ما تتمناه قلوبهم بينما يغادرهم الحزن والأسى إلى الأبد.

ونحن بفضل الله نستطيع إلى حد ما أن نتصور جمال الحياة في الجنة، فمثلًا الآية التي تقول "فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى" توضح أن الجمال الموجود في الجنة يفوق التصور.

وقد سعى المسلمون على مر التاريخ لمحاكاة هذا الجمال في الأرض في محاولة لتعظيم اسم الله تعالى، ونتيجة هذا الطموح النبيل، هي أن الحضارات المسلمة بداية من العثمانيين إلى الأندلس ومن العباسيين إلى إيران، كانت قادرة على إنتاج بعض أروع الفنون التي رآها العالم.

المسجد الأزرق في إسطنبول، ومسجد ناصر الملك في إيران، والحدائق الأسطورية في قصر الحمراء وتاج محل، هي مجرد أمثلة قليلة على المعجزات المعمارية المستوحاة من وصف الجنة الموجود في القرآن الكريم.

وحيث أن الحدائق ذكرت بشكل خاص في القرآن، فقد اعتنى المعماريون المسلمون بحدائقهم بشكل خاص وأنشأوا تصاميم باهرة قائمة على الوصف الذي وجدوه في القرآن الكريم، ويعد قصر الحمراء الموجود في إسبانيا اليوم وحدائقه المذهلة مثالًا على ذلك.

أثناء الخلافة في قرطبة، كانت الأندلس منارة للثقافة وتألقت مدينة قرطبة كمركز للثقافة والاقتصاد في أوروبا، وقد كانت تلك الحضارة متقدمة للغاية بحيث جاءت منها الكثير من الإنجازات الفكرية التي أعطت البشرية دفعة إلى الأمام، مثل علم المثلثات وعلم الفلك والجراحة والصيدلة، وقد ازدهرت حضارة المسلمين في الأندلس وترعرعت في وقت كانت فيه أوروبا تتصارع مع ظلام العصور الوسطى.

وكما هو متوقع فقد كانت في الأندلس أروع الأمثلة في حدائق الطبيعة، وقد كانت عوامل مثل المياه الجارية والظل والخضرة التي استخدمت بكثرة مستمدة من وصف القرآن الكريم للجنة.

في القرآن يصف ربنا عز وجل جنات تجري من تحتها الأنهار، وفي قصر الحمراء في غرناطة، قامت سلالة بني نثر بتصميم مجموعة جميلة من الساحات المذهلة التي سعت لرسم هذه الصورة قدر الإمكان بمقاييس الدنيا، وفي هذه الساحات كان الماء دائمًا في الوسط.

فناء الريحان الكبير وهو بركة كبيرة تحيط بها أشجار الريحان، وبهو السباع بنافورته الرائعة، هما فقط مثالين. وتشكل الحدائق التي تمتد من ساحة إلى أخرى ساحات أخرى.

ومع ذلك فهي لم تكن محاطة بالجدران وإنما بالأسيجة والأشجار مكونة مناطق منعزلة، وهي محاولة أخرى لمحاكاة حدائق الجنة، وقد كان الورد والياسمين وحدائق وبساتين البنفسج من المناظر الشائعة، وقد لعب التين والرمان والكرز والليمون والخوخ وأشجار اللوز بأزهارها وبراعمها الوفيرة دورًا هامًا في الحدائق المستوحاة من وصف القرآن الكريم للجنة.

على الرغم من تلك الإنجازات الرائعة لحضارات المسلمين، فالدول الإسلامية حاليًا تعطي صورة مختلفة تمامًا، حيث يسيطر الركود والتطرف والفقر والمجتمعات المتخلفة على معظم العالم الإسلامي، وبلا شك يرجع ذلك بالأساس إلى هجر المسلمين للقرآن، الشيء الذي حرمهم من كل المحاسن التي يقدمها بما فيها الرؤية الفنية المنعشة والحقيقية.

ولكن مع ذلك فالوقت لم يفت أبدًا لتصحيح الأخطاء والعودة إلى جوهر ديننا الجميل، وبمجرد أن يتبع المسلمون الإسلام الحقيقي الموجود في القرآن، وأن يبتعدوا عن الخرافات التي تزيد التطرف والتعصب، سيكونون أقوى من أي وقت مضى، وعندما يحدث ذلك فلا شك أن الفن والثقافة الذين حسدهما العالم ذات يوم سيعودان مجددًا.

http://www.raya.com/news/pages/cd6cd5fc-d234-4c9f-b3ce-87d59289589c

يشارك
logo
logo
logo
logo
logo