لطالما استُخدِم سلاح الحظر كأداة سياسية في حقبة ما بعد الحرب الباردة، والسببُ وراء إدراجها في جدول الأعمال في الآونة الأخيرة يعود لقرار الأمم المتحدة رفع العقوبات عن العراق في ديسمبر 2017، وهي العقوبات التي فُرِضت على العراق طيلة 27 عامًا، منذ غزوه للكويت في عام 1990.
إنها بحقٍ خطوةٌ هامة بالنسبة للعراق، تسمح للبلاد بتطبيع أوضاعه الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية، مع الإشارة أيضا إلى أن الذين يفرضون مثل هذه العقوبات، لا يفلحون في إجبار أي دولة أو حكومة على إجراء التغييرات اللازمة في سياساتها من خلال هذه العقوبات، بالإضافة إلى أن مخلفات هذه التدابير القاسية تلحق في معظمها الضرر بالمدنيين الأبرياء أكثر من سواهم.
أكد نيكولاس بيرنز، أكبر مسؤول دبلوماسي أمريكي خبير بالموضوع في إدارة بوش، هذه الحقيقة عندما قال «هناك عددٌ قليلٌ جدا من الأمثلة، على مر السنوات الـ 25 أو الثلاثين الأخيرة، التي أتثبت لنا نجاح العقوبات في تحقيق أهدافها».
وفيما يتعلق بالحصار الذي رُفِع حديثًا عن العراق، فلا أحد يمكنه أن ينفي نتائجه الكارثية، خاصة بالنسبة للسكان المدنيين، من حيث الدمار الذي لَحِق ببنيتهم الأساسية الاقتصادية، وهياكلهم الأساسية المادية، والإجهاد النفسي، وانخفاض مستوى الخدمات الصحية والعدد المهول من الوفيات. حول النتيجة الوخيمة الناجمة عن العقوبات المفروضة على العراق، والتي دفع ثمنها الأطفال، اعتبر البروفيسور بجامعة ييل، جوي غوردون أن أوثق تقييم لمعدلات وفيات الأطفال الزائدة، بين الفئة ما دون الخامسة من العمر، خلال العقوبات -الذين ما كانوا ليتوفوا لو استمر الوضع الصحي وفق الظروف السائدة ما قبل الحرب وما قبل العقوبات- تُقدر بما بين 670000 و880000.
وما من شك أن الحظر الأطول من نوعه والأشد قسوة في العالم هو العقوبات الأمريكية المفروضة على كوبا، التي بدأت في عام 1958، وتم رفعها في ديسمبر 2014، والتي نعتها أوباما بالفاشلة. وفي عام 2011، انتقد المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة، جورج ماكجفرن حصار كوبا الطويل الأجل، قائلاً: «إنها سياسة غبية، ليس هناك أي سبب يمنعنا من أن نكون أصدقاء مع الكوبيين، والعكس بالعكس، الكثير منهم لديهم أقارب في الولايات المتحدة، وبعض الأمريكيين لديهم أقارب في كوبا، لذلك يجب أن يُمنح الطرفان حرية السفر».
لقد وقعت عدة كوارث صحية عامة أخرى، مما يشير إلى أن هذه العقوبات قد تخلف آثارًا خطيرة على صحة السكان غير المحميين، وعلى الرغم من الأثر السلبي الكبير على الحياة الاجتماعية للشعب الكوبي، نفذت الإدارة الأمريكية عدة عقوبات جديدة في عام 2017 بما في ذلك القيود المفروضة على السفر، مع تحميل كوبا المسؤولية عن الهجمات الدبلوماسية.
تُعتبر روسيا أيضا من بين الدول المهمة الأخرى التي عانت كثيرا بسبب العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، واعتبارًا من مارس 2014، في أعقاب التصويت في مجلس الدوما بشأن ضم القرم لروسيا، وسعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من نطاق العقوبات المفروضة على روسيا، من خلال تشديد القيود على البنوك والشركات الروسية الرائدة، وقد واجهت روسيا، نتيجة لهذه العقوبات، تحديات اقتصادية في عامي 2014 و2015، من جملة هذه التحديات هروب رؤوس الأموال، وانخفاض حاد وسريع في قيمة الروبل، وموجة التضخم، وعزلها عن أسواق رأس المال الدولية، فضلاً عن ضغوط الميزانية القومية.
أظهرت البحوث الأكاديمية الأخيرة حول الحظر، أن العقوبات المفروضة تنطوي على آثارٍ وخيمةٍ يدفع ثمنها المدنيون بدلاً من تحقيق الهدف المرجو المتمثل في إجبار الحكومات على التصرف وفقا للسياسات المرغوبة، وكمثال على ذلك، رغبة الولايات المتحدة الجامحة في الإطاحة بالنظام الكوبي، لكن رغم العقوبات الصارمة والمكثفة جدًا على البلاد، لم تفلح هذه التدابير العقابية في تحقيق هدفها.
وبدلاً من الاعتماد على عمليات الحظر التي ثبت فشلها، حري بالمجتمع الدولي تشكيل فريق استشاري يتولى مهمة البحث عن حلول بديلة ومعقولة، قابلة للتطبيق، عن طريق الوسائل الدبلوماسية. وكآلية بديلة للحظر الاستغلالي المُطبق عادة في اتجاه واحد، والبعيد كل البعد عن الواقعية، ينبغي أن تكون للدول الإقليمية علاقات تجارية قوية.
أثبتت التجارب عبر التاريخ أن العقوبات لا تكون مجدية ولا تحقق هدفها إلا عندما تُنفذ لوضع حدٍ لجريمة الإبادة الجماعية ضد أقلية عرقية، وكوسيلة للتصدي لعمليات قمع في بلد ما لحماية السكان المدنيين، مثلما نراه حاليًا في ميانمار، ورغم ذلك، يجب أن تقتصر هذه العقوبات على مجالات إنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة بالأسلحة،ما يفرض على الدول أن تتأكد من عدم تسبب العقوبات المفروضة على حكومات معينة في إلحاق الضرر والآثار السلبية بباقي بلدان المنطقة.
http://www.raya.com/news/pages/e6af1c03-1856-46aa-9a93-53e32b827974