تتناول جل الأخبار الواردة من العراق، في هذه الأيام، العملية العسكرية المستمرة في الموصل. إذ إن تقارير تطهير الموصل من تنظيم داعش تحظى باهتمام كبير من وسائل الإعلام. بيد أن ثمة مشكلات أكبر تلوح في سماء العراق، ويبدو أن هذه المشكلات ستجلب في واقع الأمر تراجيديا وكوارث جديدة، بل ربما تجلب ما هو أسوأ، والذي يتمثل في الحرب الأهلية. من بين هذه المشكلات، تشكل اثنتان منهما خطرًا جسيمًا: تتمثل المشكلة الأولى في احتمالية اندلاع انتفاضة جديدة في فترة ما بعد داعش، أما الثانية فتتمثل في استمرار الصراع السلطوي بين الجماعات الشيعية.
في البداية، دعونا نركز على التطورات الممكنة المتعلقة بداعش وما بعد كارثة داعش. على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدها الجيش العراقي، فقد استعاد جزءًا كبيرًا من الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش. إلا أن مدنًا مثل الرمادي وتكريت والفلوجة، سُويت أحياؤها بالأرض، وصارت منازلها ركامًا، فضلًا عن السيارات التي خربت. كما فقد آلاف الأبرياء من الأطفال والنساء والكهول والمدنيين حياتهم. وقد تسببت المناوشات الدموية في المناطق الحضرية في الموصل أيضًا في خسائر فادحة.
تدور الصراعات العنيفة في الجانب الغربي من الموصل بين داعش والجيش العراقي وقوات التحالف الدولي التي تقودها الولايات المتحدة. فيما قال المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد داعش إن هزيمة التنظيم "وشيكة للغاية". ولكن هل ستُحل المشكلة بهزيمة داعش؟
يبدو أنه من المستحيل تحقيق الازدهار والاستقرار والهدوء والسلام الدائم بدون التخلص تمامًا من المناخ والظروف التي تسببت في ظهور داعش والجماعات المتطرفة المماثلة. فالتاريخ الحديث ممتلئ بمثل هذه الأمثلة التي تصدق على هذه الحقيقة.
فلنتذكر التطورات التي أدت إلى ميلاد داعش بعد القاعدة، واستيلائهم على المدن العراقية بكل سهولة. كما هو معروف، لعبت السياسات العسكرية الصارمة التي اتبعها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش خلال العقد الأول من القرن الحالي دورًا كبيرًا في انهيار القاعدة داخل العراق كما مزقت شبكتها الإرهابية، أو لنكن أكثر دقة: هكذا بدا الأمر. على الرغم من هذا، تسببت الأفعال الطائفية وحملات الانتقام والاضطهاد والإقصاء التي يواجهها المسلمون، بالإضافة إلى السياسات الشيعية التي انتهجتها الإدارة السابقة في بغداد- في صعود نجم داعش، بل إنها تسببت في ميلاد منظمة إرهابية أكثر تعطشًا للدماء.
ومن أجل هذا السبب، يحذر كثير من الخبراء والمراكز الفكرية حول العالم كله من ثورة جديدة قد تندلع لأسباب مشابهة، رغم أنها ستكون بأسماء جديدة بعد داعش. كما توجد أيضًا بعض المؤشرات التي تبرر القلق المتعلق بهذا الأمر. فبادئ ذي بدء، لم يؤسس الأمن والسلام في المناطق التي قيل عنها إنها خالية من وجود داعش. إذ إن مسلحي المنظمات المتطرفة الذين يعملون في الخفاء، والجماعات الصغيرة التي تسعى للانتقام، جنبًا إلى جنب مع ضعف علاقة الإدارة في بغداد مع بعض القبائل المحلية، تعظِّم جميعها من حجم الخطر. تُضاف إلى هذه العوامل الأزمة الاقتصادية والفساد والبطالة وعدم الاستقرار، وكلها قد تمهد الطريق لحدوث حرب أهلية في العراق.