لا يمر يوم واحد على القدس،تلك المدينة المقدسة للديانات الثلاث، دون الحديث عن الصراع والعنف وسفك الدماء. هذه الأراضي الجميلة، ودار السلام والأنبياء، شهدت مشاهد مروعة في الشهر الماضي على وجه الخصوص، من حوادث دهس للأبرياء وهجوم بالسكاكين، السواطير، المفكات، والبنادق، وإزهاق أرواح الأبرياء.
في الأسبوع الماضي، بينما كان اليهود يؤدون صلاتهم لله في الكنيس، وهم يحنون رؤوسهم ، تم استهدافهم ببساطة لكونهم يهود. يشير القرآن إلى المساجد والمعابد اليهودية والكنائس كأماكن تحت حماية الله، حيث يقول الله عز وجل : ” الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.”(الحج،40) ويكون واجب جميع المسلمين حمايتهم. إن قتل الناس الأبرياء هو خطيئة كبرى في نظر المؤمنين. أنا أعتبر اقتصار الموضوع على مجرد إدانة لمثل هذه القسوة يكون بيان ضعيف جدا. وأعتقد أن مثل هذه الأعمال ليست سوى شر محض، فظاعة وقسوة. ارتكاب مثل هذه الخطيئة والشر باسم الله، والدفاع عنه أو تمجديه والابتهاج بوفاة يهودي هو عكس الروح الحقيقية للإسلام.
لقد مر إخواننا الفلسطينيين بالكثير من الألم بالطبع. وقد عانى الأبرياء الكثير وسفكت دماء الكثير منهم بسبب سياسات معينة من كل من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن الإرهاب غير مقبول أبدا، ولا يمكن أن يكون كذلك، بغض النظر عن السبب. يجب أن تتم الاحتجاجات بالكلمات، وليس عن طريق القتل و التفجير.نحن في غنى عن القول بان قتل الناس العزل الذين جاءوا لعبادة الله في المعبد، وذبحهم بلا رحمة، لهو نوع من الحقارة الجبانة.
تقع على عاتق كل مسلم مسؤولية دعم الحقيقة والعدالة. يقول الله عز وجل في القرأن : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ … “(النساء،135) وقوله ايضا ” … يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ… “(المائدة،5). إن تقييم الأحداث بطريقة أحادية الجانب أو بالانحياز لصالح أهل عقيدة المرء يعتبر أمرا غير شرعي وخارج عن العدالة والصالح العام. لذلك يجب على المرء أن يكون صادقا وذو أخلاق حميدة تحت كل الظروف وتقييم الأمور بشكل عقلاني.
لا يمر شعب أو أمة دون أن يخطأوا، وبطبيعة الحال، الإسرائيليون قد يخطئوا، ولكن من الخطأ تشويه صورة شعب بأكمله، لجعلها أهدافا أو لاستخدامها كأدوات للتحريض من خلال استخدام الأكاذيب والافتراءات المبالغ فيها. لقد عانى اليهود من القمع طيلة 3،000 سنة. هناك عداوة تجاه اليهود في جميع أنحاء العالم، وهم يتعرضون للظلم والإيذاء والمطاردة أينما ذهبوا. إن ذلك لا يتفق مع إسلامنا ولا يجوز لنا ترويعهم في أرض أجدادهم حيث إنهم يسعون إلى العيش جنبا إلى جنب مع المسلمين. سيكون هناك دولة إسرائيل، وستبقى هذه الدولة على قيد الحياة حتى يوم الحساب. اليهود سيعيشون في تلك المنطقة كما وعد الله في كل من التوراة والقرآن.
وبنفس الطريقة، لا يوجد أي مبرر ديني للهجوم على الحاخام يهودا غليك، الذي كان في السابق ضيفي في اسطنبول، وإظهار المسئولين عن ذلك الفعل الشنيع ب “الأبطال”. إن القتل العمد لرجل أعزل، كان من الأبرياء والأتقياء الذي يعتقد بوحدانية الله وقضى كل وقته في ذكر الله، ليست لبطولة، ولكنه قمة الشر المحض والقتل، لا يوجد ما يستوجب الثناء في هذا الموضوع. لا يمكن للمرء أن يحتفل بالفجور والتمرد ضد القرآن.
إن الادعاءات الباطلة التي أدلى بها بعض الناس مفادها أن الإسرائيليون يرغبون بتدمير المسجد الأقصى أو منع المسلمين من العبادة يمكن أن تتحول إلى هجمات بشعة بين الناس باتجاه العنف والكراهية، مثل الهجوم على الحاخام غليك. فمن غير لائق لجزء من الصحافة وبعض الشخصيات العامة استخدام المسجد الأقصى لغرض الاستفزاز الديني. وسيترتب عليه مسؤولية جسيمة أمام الله.
أولا وقبل كل شيء، ما كان يحدث هناك من توتر كان غير ضروري واصطناعي. هذا هو بيت الله، وبالتالي المسيحيين واليهود، فضلا عن المسلمين، لهم حق الدخول والصلاة وممارسة طقوسهم الدينية فيه. لا يحق لأحد منع أي شخص من الصلاة في المسجد أو من الدخول اليه. يستطيع حتى الملحد دخول بيوت الله المقدسة، ويمكن أن يشعر بالرهبة والحب. صحيح أن الرغبة في إعادة بناء هيكل سليمان تكمن وراء رؤية اليهود لمعبد جبل الهيكل. ونعم، سوف يعاد بناؤه على شكله الأصلي بكل جلاله و جمال وفي فسحة واسعة من الأراضي بجانب المسجد الأقصى. ومع ذلك، هذا سيحدث عندما نتفق معا ونأتي بعهد السلام والحب معا، والتي ستكون أيضا مصدرا للفرحة للمسلمين. ما هو غير معروفا من قبل كثير من المسلمين ، أن اليهود أيضا يأملون ويتوقعون في أن يصلوا مع المسلمين وفقا للتوراة:
” وقال “سوف أتي بهم لجبل القدس المقدس وسوف اجعلهم سعداء جدا من خلال إقامة الصلوات في بيت الصلاة. سأقبل عروضهم المحروقة والتضحيات، لأن بلدي معبد وسوف اسميه بيت الصلاة لجميع الدول.” (إشعياء، 56: 7)
يعتبر منع اليهود حتى من دخول باحة المسجد الأقصى ، او منعهم الصلاة في صمت هو مخالف لروح الإسلام وهناك تشويه لصورة حتى الأطفال اليهود: العداء الأعمى تجاه اليهود هو غير مقبول وغير عادل. من ناحية أخرى، لا ينبغي لأي مسلم أن يقبل أن يتحول المسجد الأقصى ويستخدم للاحتجاجات والقتال التي تنطوي على الحجارة وقنابل المولوتوف. هذا هو خطيئة وعدم احترام مكان العبادة. انه بيت الله، مكانا للعبادة، وأنه ينبغي أن يكون مسالما وهادئا.
ولذا فمن المهم جدا بالنسبة للصحافة تجنب الأخبار التي تهدف إلى التحريض وان يتجنب القادة استخدام اللغة التحريضية التي من شأنها إثارة غضب شعوبها. ينبغي لمثل هذه الحوادث أن تروى للناس بعقلانية وموضوعية بطريقة تشجع السلام وأن قادرين على تقبل النقد الذاتي. يجب على الجميع السعي لمنع الانقسام بين أبناء إسماعيل ويعقوب (إسرائيل) وإلى إحباط مكيدة الشيطان.
إن أعداد المسلمين واليهود الذين يرغبون بالسلام بحاجة إلى أن تنمو، ويجب أن نفهم أن الذين يعيشون معا يجب أن يعيشوا على الحب. لذا يتعين على المسلمين التخلص من تأثير التعصب في مواقفهم تجاه اليهود ويجب التصرف في ضوء القرآن الكريم. وعلاوة على ذلك، يجب عدم الخلط بين اليهود الإسلام والتعصب، ولكن ينبغي أن نسعى دائما للسلام والمصالحة مع المسلمين الحقيقيين أصحاب القرآن.