تتابع تركيا منذ أربع سنوات الحرب الدائرة على حدودها الممتدة على طول 1000 كلم تقريبا، حرب في غاية القسوة والوحشية والظلم. قاومت تركيا الضّغوط المُسلّطة عليها مقاومةً شديدةً حتّى لا تُصبح جزء من هذه الحرب؛ لم يفلح الهجوم على قنصليتها بالموصل ولا تفجير الرّيحانية ولا إسقاط إحدى طائراتها ولا غيرها من الحوادث في إقحامها في هذه الحرب القذرة.
لقد سعت الدّولة العميقة داخل الولايات المتّحدة الأمريكية باستمرار إلى إقحام تركيا في الحرب التي تدور رحاها في سوريا. وعندما تستخدم أمريكا القواعد الموجودة في تركيا فإنّ كُلفة الحرب بالنّسبة إليها سوف تكون أقلّ بكثير. ومعلوم أن قدرات الولايات المتحدة الأمريكية المالية لا تسمح لها بخوض حرب برّية، لكن الدّولة العميقة في أمريكا تهدفُ إلى اِستخدام الجُنود الأتراك الموجودين على الحدود في هذا الغرض.
وبالطبع فإن التبريرات في هذا الخصوص جاهزة وهي عودة الأعمال الإرهابية وتزايدها في الآونة الأخيرة. لكن الواقع أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن من إقناع تركيا باستخدام بعض قواعدها العسكريّة، وفي الوقت الحاضر فإنّ تركيا فتحت أربع قواعد عسكرية أمام التحالف الدّولي بما في ذلك قاعدة إنجرليك. والآن لِنُلق نظرة على الهجمات التي تم تنفيذها في الآونة الأخيرة على سوريا والعراق، فوفقا لبعض التقارير التي أعدّها صحفيّون مستقلّون بخصوص الحرب الجويّة فإن نتيجة 52 غارة جوية نُفّذت في المنطقة كانت مقتل 459 مدنيًّا، من بينهم نحو 100 طفل.
ومن الجدير بالذّكر أنه خلال السّنوات الخمس الماضية تم تنفيذ 5700 هجمية جويّة، وبقيت نتائجها غامضة إلى حد الآن. ومن المؤكد أن عدد القتلى عال جدًّا، لكن هذه الأرقام لن يكون بالإمكان الاطلاع عليها في المُعطيات الرّسميّة. ووفقا لما صرح به مدير مشروع الحرب الجوية كريس وودز فإنّ المعلومات الرسمية المعروضة لا تتطابق أبدا مع ما يقع جمعه من معلومات حقيقية من المناطق المستهدفة بالقصف، ووفقا لما صرح به أهالي المنطقة لقناة الجزيرة ولوكالة رويترزفإن الهجوم الذي نفذ بتاريخ 3 يونيو خلف وحده نحو 70 قتيلا من المدنيّين1.
هذا ما تصنعه الحرب الجويّة بالنّاس الأبرياء؛ يتم رصد أحد الأهداف ثم يتم قصفه دون إقامة أي اعتبار للمدنيين من الأطفال والنساء والشّيوخ، وفي الوقت الحاضر هناك محاولات حثيثة لزجّ تركيا داخل هذه الحرب القَذرة. يوجد مخطط الآن من أجل حماية المنطقة الواقعة بين "عزيز" و "جرابلس" التي يبلغ طولها 110 كلم، وعرضها 40 كلم. ويهدف المخطط إلى تركيز المُعارضة المعتدلة في هذه المنطقة وفي الوقت نفسِه جعل هذه المنطقة آمنة بالنّسبة إلى اللاجئين السّوريين الرّاغبين في البقاء داخل بلادهم.
إلى هنا يعتبر هذا المخطط إيجابيا تمامًا، لكن ينبغي أن نعرف أن هناك مشكلة حقيقية بالنسبة إلى تركيا في المنطقة وهي مشكلة وحدات حماية الشعب الكردية، فمعلوم أن هذه الوحدات استلمت إدارة المناطق الكردية وهي تقع تحت سيطرتها، بينما هي أحد أذرع حزب العمال الكردستاني، وحرب تركيا التي استمرت لمدة تزيد على الـ40 عاما كانت في مجملها حربا ضد حزب العمال الكُردستاني.
وبما أن الوضع على هذا النحو فإنّ تركيا لن تقبل أبدًا استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لقواعها، وتغذية حزب العمال الكردستاني وتسليحه وفسح المجال لعناصره للتقدم أكثر. وإذا أرادت تركيا أن تُطهّر المناطق الحدودية من التنظيمات الإرهابيّة بالمعنى الحقيقيّ فينبغي في هذه الحالة أن تُدخل ضمن استراتيجيتها وحدات حماية الشّعب الكرديّة.
حسب القرار الذي تم اتخاذه فإنّ الطائرات الحربيّة التّركية لن تدخل المجال الجويّ السّوري، وبذلك فإن تركيا لن تدخل الحرب السورية بشكل مباشر؛ هذا في الظاهر صحيح. لكن عندما تسمحُ تركيا لطائرات التحالف باستخدام قواعدها العسكرية لقصف المدنيين فإنها بذلك تكون قد دخلت بطريقة غير مباشرة في هذه الحرب القذرة.
وفي الحقيقة البلاءُ المستطير بالنسبة إلى تركيا هو حزب العمال الكردستاني الذي يتلقى الدعم ويَسعى إلى ترسيخ خطواته الأولى بهدف إقامة دولة إرهابية في الشّرق الأوسط. ولهذا السّبب من الضّروري لتركيا اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون ذلك والوقوف موقفا حاسما بكل ما تملك من قوّة ضد الدعم الذي يقدم لحزب العمال الكردستاني باعتبارها تدرك جيدا الأبعاد الخطيرة لما يقع من أحداث وتطورات. ومن الضروري كذلك عدم الانجرار على الإطلاق إلى قصف أيّة دولة إسلامية ليست في حرب معنا.