قاد جوبلز وهتلر تسعة ملايين ألماني إلى حتفهم خلال سعيهما لتطبيق أفكارهما العنصرية. كان السلاح الرئيسي لهذين القاتلين المضطربين عقليًا هو وسائل البروباجندا؛ إذ قاما بخداع الناس والتلاعب بهم عبر كل وسيلة اتصال متاحة في ذلك الوقت.
لم تكن البروباجندا المبنية على الخداع موظفة حصريًا بواسطة النازيين فحسب، تطوير التكنولوجيا في القرن الـ 21 وفر نطاقًا كبيرًا من الفرص للجماعات التي تسعى لتوظيف التلاعب.
تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي اليوم من قبل حوالي اثني مليار شخص حول العالم، بينهم 1.7 مليار عضو نشط، ويصل الفيسبوك إلى 20% من سكان العالم، ولدى يوتيوب مليار عضو، وجوجل بلاس 550 مليونًا، ولدى كل من إنستجرام ولينكد إن 400 مليون مستخدم، ولدى تويتر 350 مليونًا، ولسناب شات وبينتريست 100 مليون عضو. فكونتاكتي Vkontakte الذي يُعد النسخة الروسية من فيسبوك، وصل إلى 400 مليون عضو في 10 سنوات، بينما النسخة الصينية كيو-زون Q-Zone وصلت إلى مليار. منصات التواصل الاجتماعي تلك جلبت معها أيضًا تطبيقات الرسائل الفورية. 60 مليار رسالة يوميًا يتم تداولها عبر تطبيق واتس اب، وفيسبوك ماسنجر. لم يصل الناس أبدًا إلى هذا القدر من التواصل المستمر مع بعضهم البعض في أي حقبة من التاريخ بالقدر الذي يحدث في القرن الحادي والعشرين.
الحركات الاحتجاجية مثل "احتلوا وول ستريت" Occupy Wall Street، و"حياة السود مهمة" Black Lives Matter، يتم تنظيمها اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد وفّر فيسبوك دعمًا لوجيستيًا عظيمًا إبان الربيع العربي، والاحتجاجات في شوارع أوروبا.
وقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي - التي أحدثت ثورة في وسائل الاتصال بين الناس - وسطًا يتقدمه غالبًا الأعلى صوتًا، والأكثر إثارة للمشاعر، والأكثر سخرية، أو المتحدث صاحب أكثر إساءة، بدلًا من استخدامها لنشر الخير والمحبة.
يُعتقد أن 80 مليونًا من بين الـ 1.7 مليار حساب على الفيسبوك حساباتٍ مزيفة، وعدد الحسابات الآلية على تويتر يُقدر بحوالي 23 مليوناً. يجب على الناس أن يكونوا انتقائيين، وأن يُميزوا التغريدات الحقيقية من بين 500 مليون تغريدة تُكتب، أو 350 مليون صورة، أو 100 مليون ساعة فيديو تُرفع على الفيسبوك. ولكن الغالبية تعتبر هذا عناءً وغالبًا ما تقبل بالمعلومة التي تتلقاها وتعتبرها بصفة مستمرة معلومة صحيحة. لكن، يكشف تحرٍ سريع أنَّ أغلب هذه المعلومات لا يحمل أي قدرٍ من الصحة.
أحيانًا يحدث تحريض في محركات البحث مماثل لما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي. فاعتبارًا من 2014 وصل أرشيف جوجل إلى 30 تريليون صفحة، ويشهد هذا الأرشيف 100 مليار عملية بحث في الشهر، و40 ألفًا في الثانية الواحدة، وتقوم خوارزميات مبنية على أكواد كتبتها جوجل بكل عمليات البحث تلك. هذا يعني أنَّ الأشخاص الذين يقومون بالبحث يُمكنهم فقط الاطلاع على إجابات اختارتها جوجل لهم. بمعنى آخر، يظن الناس أنَّهم يبحثون عن معلومات محايدة، ودقيقة، بينما هم في الواقع يبحثون وسط المعلومات التي تريدها جوجل لهم، وتسمح لهم بالوصول إليها.
أشار دونالد ترامب بشكل متكرر خلال حملته الانتخابية إلى أن نتائج البحث على جوجل كان يتم التلاعب بها لصالح منافسته. وما دعَّم تلك الادعاءات، تأييد لاري بيج - مؤسس جوجل - المعلن لكلينتون وتورط الرئيس التنفيذي لجوجل إريك شميدت في حملة كلينتون. وكشف فيديو نُشر في شهر يونيو على Sourcefed كيف كان جوجل يعمل لصالح كلينتون ضد ترامب من خلال خاصية بدائل الإكمال التلقائية Auto-completion. وقد ظهرت ادعاءات مماثلة تتعلق بقسم القصص الشائعة Trending Stories على الفيسبوك، وقد سلطت حملة ترامب الضوء على حقيقة أن الفيسبوك كان يُعزز الموضوعات التي تُفيد كلينتون.
الطريقة التي يمكن بها إبطال مفعول الأثر المدمر لوسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، تأتي عبر تعلم وفهم كيفية تقييم المعلومات من خلال المنطق، والشعور والوجدان. وسيصبح هؤلاء غير القادرين على رؤية الحقيقة من بين آلاف الأكاذيب عرضة للاستفزازات، وسيخدم هذا مصالح الذين يستثمرون الكثير للتكسب من الفتن، وستكون القوة الأكثر حيوية في يد الأخيار، هي وعيهم وعزمهم على السعي لخدمة قضية جيدة، وسيشكل ضمير هؤلاء المُصِرِّين على الحب، والصداقة، والسلام، والأمانة، حاجزًا يقف أمام أنصار الفتنة، وسيُحول هذا وسائل التواصل الاجتماعي إلى وسط يعمل في سبيل الخير بلا هوادة، يُمكننا القضاء على هذا التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي الذي يستقطبنا ويُبعدنا عن بعضنا البعض، من خلال الحكمة، والتعليم، والوعي فقط، بشكل يفتح الأفق أمام جيل يتآلف بود.
http://www.raya.com/news/pages/26f05d9c-3afe-42e1-bcb1-d4b6755140e6