نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بمُراقبة حقوق الإنسان تقريرًا بتاريخ 5 أغسطس بتوقيع كنث روث يتعلّق بالحرب في سوريا، وقد كشف هذا التقرير عن بعض الحقائق المذهلة. وكان التقرير تحت عنوان "البراميل المتفجرة هي التّهديد الأكبر للسّوريين وليس تنظيم داعش"، وأوضح التّقرير أنّ النّظام السّوري يتخذ من المواطنين المدنيّين الأبرياء هدفًا من خلال إلقاء القنابل المتفّجرة على رؤوسهم، كما أن الخسائر البشرية بين المدنيين بلغت مدًى لا يمكن تحمّله. ويقدم روث في المقالة تفاصيل صادمة، وبالتوازي مع ذلك يذهب إلى الاعتقاد بأن كلّ الاهتمام الدولي في الحرب السّورية انصرف إلى "داعش" بسبب تركيز الحديث عنه 1.
والبراميل المتفجرة يتم صناعتها يدويًّا بطرقٍ بدائيّة، وهي قنابل ذات قدرة تدميريّة هائلة. وتتكوّن من براميل من الزّيت، أو ما يشبهها وتكون محشوّة من الداخل بقطع معدنيّة ومواد متفجّرة. تحلق طائرات الهيليكوبتر التي تقوم بإلقاء هذه القنابل على ارتفاعات عالية، ولذلك فإن التّفجيرات التي تحدث تكون على مساحات واسعة وتخلّف خسائر كبيرة. ووفقا للمعلومات التي قدّمها رُوث فإن البراميل المتفجّرة لديها القدرة على نسف بنايات بأكلمها وتدمير مناطق تدميرًا كاملاً وإحداث خسائر بشريّة تزيد على الحصر. وقنابل البراميل، حتّى في حالة عدم تفجّرها، فإنه بسبب إسقاطها من مسافات عالية يُمكنها أن تصل إلى أساس مبنى متكون من ثلاثة طوابق بفعل شدة عمليّة السّقوط. وهذه القنابل البدائية تمثل ربّما التّهديد الأكبر في البلاد من أيّ عنف آخر، لأنّ المدنيّين هم دائما الهدف الرّئيس لها.
وحسب ما تم من ملاحظات فإن النّظام السّوري بشكل عام يعمد إلى قصف المدنيّين بالبراميل المتفجرة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجماعات المُعارضة. وقد استهدفت هذه البرامل المتفجرة المدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين خاصة في إدلب وحلب ودرعا2. وحسب التّقرير الذي نشرته منظمة العفو الدوليّة بعنوان "الموت في كل مكان: جرائم الحرب في حلب وانتهاكات حقوق الإنسان" فإن عدد القتلى من المدنيين ما بين شهر يناير 2014 وشهر مارس 2015 بسبب الهجمات بالبراميل المتفجرة فاق الثلاثة آلاف قتيل. ومن بين هذه الهجمات كان منها 14 هجوما على الأسواق و12 على مراكز سكنية و23 على مساجد ومؤسسات مدنية و7 على مستشفيات و3 على مدارس2.
وبسبب الرّعب الذي يتملك السكان من هذه البراميل المتفّجرة هجر كثير من المدنيين منازلهم في المدن وفرّوا إلى المناطق الحدوديّة. ويكفي دليلاً على وحشية البراميل المتفجرة كون الأهالي يفضّلون البقاء في المناطق الحدوديّة رغم المعارك الشرسة الدائرة هناك بواسطة الأسلحة الثقيلة على البقاء في المدن من أجل التخلص من كابوس البراميل. في هذه الحرب القذرة التي تدور رحاها بالمنطقة نُسي تمامًا أيّ معنى لــ"الإنسانية" منذ أمد بعيد. والمؤلم في الموضوع أن أغلب دول العالم غضّت الطرف تماما عما يحدث من مآسي في سوريا.
خلال الأيام القادمة سوف يقوم وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بزيارة إلى أنقرة، وهناك مزاعم بأن جواد ظريف سوف يقترح على الحكومة التركية- التي تقف بشدة منذ البداية ضدّ سياسة نظام الأسد- أن يتمّ ترك دمشق واللاذقية وطرسوس تحت إدارة نظام الأسد بينما تبقى المناطق التي سيطرت عليها المعارضة تحت إدارة الحكومة الجديدة التي سوف يقع تشكلُيها.
ينبغي التذكير هنا بأننا كنا تقدمنا بهذا الاقتراح حلاًّ للحرب السّورية التي استمرت لوقت طويل، وبالتوزاي مع ذلك يتعيّن انسحاب قوات حزب الله الدّاعمة للنّظام السّوري من المنطقة، وكذلك وقف الدّعم الذي تقدّمه الولايات المتحدة الأمريكية لوحدات القوات الكرديّة المُتحالفة مع النّظام السّوري. وفي حالة تطبيق هذا المخطط فإنّه بلا شك يصبح المجال مُمكنا لمناقشة المشاكل المتعلقة بأوضاع بقيّة المناطق الأخرى. وفي هذه المرحلة فإن المنطقة الآمنة تشكل أهميّة كُبرى لحل الأزمة.
هذه المنطقة التي يتم النقاش بشأنها ينبغي أن تشمل حلب، ومن الواضح أنّ هذه المنطقة سوف تكون مسؤولية حمايتها على عاتق تركيا وقوات التّحالف وقوات المُعارضة في المنطقة. هذه الخطة سوف تطيل في عمر النظام السّوري وهي تتناقض مع هدف تركيا في زوال الأسد ونظامه بشكل كامل، لكنها على الأقل سوف تساهم في تجنيب المدنيين ويلات البراميل المتفجّرة والتقليل من الخسائر البشريّة بشكل حقيقي والحد من شراسة هذه الحرب القذرة والتخفيف ممّا تسبّبه من دمار.
1. https://www.hrw.org/news/2015/08/05/barrel-bombs-not-isis-are-greatest-threat-syrians