الوقود الأحفوري، مثله مثل البترول والغاز الطبيعي والفحم، وكل مصادر الطاقة الأساسية لكوكبنا، متوفرٌ، لكن بكميات محدودة جدًّا، فضلًا عن المشاكل التي تتسبب فيها الحروب أو الأزمات الناشئة بين البلدان لدى استخدام هذه الأنواع من الوقود، ولتجاوز هذا الوضع تعمل مختلف البلدان على إيجاد حلولٍ بديلة، قد يشكل الوقود الحيوي أحد هذه الحلول.
تتباين الآراء بشأن استخدام الوقود الحيوي؛ بين معارضٍ لاستخدام هذا النوع من الوقود معارضةً تامة، وبين مروجٍ له، باعتباره «المنقذ» لكوكبنا، والسؤال المطروح: أي هذين الطرفين على صواب؟
هناك أشكال مختلفة من الوقود الحيوي، وجميعها يُصنَعُ من خلال عملية مفصلة تمر بمراحل مختلفة. المروجون للوقود الحيوي يعتبرونه «وقودًا نظيفًا» على أساس أنه يقلل من كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي، في حين، تكشِف بعض البحوث خلاف ذلك. إن البصمة الكربونية للوقود الحيوي أعلى من بصمة انبعاثات الوقود الأحفوري، فعلى سبيل المثال، تقدر البصمة الكربونية لكل من وقود الديزل والبنزين بـ85 كيلوجرامًا لكل جيغاجول، بينما تبلغ بصمة فول الصويا المنتجة في الولايات المتحدة الأمريكية 340 كيلوجرامًا لكل جيغاجول. ويُفسر كينيث ريشتر، من جمعية حملة أصدقاء الأرض، البيانات الواردة في تقريرٍ جديدٍ كلف به في بروكسل، بقوله: «معظم المحاصيل المستَخدمة للوقود الحيوي تُنتِج في الوقت الحاضر انبعاثات أكثر مما ينتجه الوقود الأحفوري؛ وبالتالي فإن أهداف الوقود الحيوي المحددة في أوروبا لا معنى لها، وهي تقوم بعكس ما يفترض أن تحققه». (1)
تُوَجه انتقادات قاسية نحو الاستخدام الواسع للمناطق الزراعية المخصصة لإنتاج المحاصيل التي تشكل المواد الخام لتصنيع الوقود الحيوي، فعلى سبيل المثال، أصبحت الحقول التي كانت تُستخدم سابقًا لزراعة حبوب الصويا لتغذية الحيوانات، تُخَصص حاليًا للوقود الحيوي، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل الغابات المطيرة إلى حقول فول الصويا للتعويض عن خسارة السوق المحلية، رغم ما هو معروف عن مركزية الغابات المطيرة، ودورها الحيوي في التوازن الإيكولوجي.
وبالمثل، ازداد معدل إزالة الغابات بدرجة كبيرة، إذ تجاوزت إندونيسيا لأول مرة البرازيل من حيث معدل إزالة الأشجار في الغابات الاستوائية. وفي عام 2012، فقدت إندونيسيا 8400 كيلومتر مربع من غاباتها (2). وتتسبب إزالة الغابات في الجفاف، الذي يؤدي بدوره إلى تناقصٍ في أنواع النباتات والحيوانات، الذي قد يسبب المجاعة على المدى الطويل.
يُنتج الإيثانول، أحد أنواع الوقود الحيوي الأكثر شعبية، بشكل أساسي من شمندر سكري وقصب السكر والذرة والقمح والأرز والبطاطا، وكلها تعتبر من الأطعمة الرئيسية للبشر. ولو كنتَ تملك سيارة تعمل بالوقود الحيوي، يتعين عليك في هذه الحالة استخدام 352 كيلوجرامًا من الذرة من أجل ملء خزان بسعة 50 لترًا (3). تبين الأرقام أن الوقود الحيوي استهلك أكثر من 6.5٪ من الناتج العالمي من الحبوب، و8٪ من الزيوت النباتية في العالم في عام 2010، ولا شك أن هذه الكميات هي أعلى بكثير اليوم. (4)
يَبيع المزارعون محاصيلهم إلى شركات الوقود الحيوي؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقد جاء في تقريرٍ إخباريٍ نشرته صحيفة «التليجراف» أنه «رغم أن الوقود الحيوي لا يشكل السبب الوحيد لزيادات أسعار المواد الغذائية على مدى السنوات الماضية، فإنه لعب بالتأكيد دورًا كبيرًا في هذه الزيادات، وأصبح من الصعب بالنسبة للفقراء شراء الغذاء، نظرًا إلى دفع الغربيين من (ذوي النيات الحسنة) أسعارًا أعلى للحصول على الوقود الحيوي المدعوم. وتشير التقديرات إلى أن 30 مليون شخص يعانون من الجوع الهالك نتيجة مباشرة للوقود الحيوي. وإذا لم تُكبح هيمنة كبار مستهلكي الوقود الحيوي، فإن النماذج تظهر أن 40 إلى 135 مليون شخص آخر يمكن أن يتعرضوا للجوع الفاحش بحلول 2020». (5)
وهذا ما يحدث في ألمانيا مثلًا، إذ يُستخدَم واحدٌ من كل ثمانية فدادين من الأراضي الزراعية الآن لإنتاج الوقود الحيوي، وقد بلغ سعر القمح أعلى مستوى له في السنوات الخمس وعشرين الماضية، وفقًا لتقرير مؤرخ في عام 2012، وقد ارتفع هذا المعدل بشكل كبير اليوم. (6)
وكما تكشفه الأدلة، فإن ما يسمى بنظام تصنيع الوقود الحيوي «الصديق للبيئة» المستخدم اليوم، يضرُ بالحياة الإيكولوجية والاجتماعية على السواء.
يُستخدم الوقود الحيوي أساسًا، على أمل مساهمته في انخفاض نفقات البنزين، لكن من غير الممكن للوقود الحيوي أن يحل بشكل تام، محل البنزين، ولا يمكن استخدامه إلا بعد مزجه.
ومن الأضرار الناجمة عن تصنيع الوقود الحيوي تناقُص مساحات المراعي الضرورية لرعي الأغنام، ويشكو المزارعون في ألمانيا من تحويل المروج التي كانت تُستخدم على الدوام لرعي الأغنام، واستعمالها الآن لزراعة المحاصيل لتوليد الطاقة. (7)
من الممكن القضاء على الجوانب السلبية للوقود الحيوي، وتحويلها إلى أنواع وقود أكثر فائدة، لكن من أجل تحقيق هذه الغاية، يجب على جميع البلدان أن تتعاون في ما بينها لوضع سياسة مشتركة. ومن جملة الحلول المتاحة، وضع القيود التي تحدد نمط استخدام المحاصيل وقودًا حيويًّا وسعته، والتحكم في المبيعات، وتقديم حوافز على إنتاج الكهرباء من الشمس والرياح، وتصنيع الوقود الحيوي من النباتات غير الغذائية مثل الطحالب، لكن ما يجب القيام به قبل كل شيء هو زيادة الوعي في مجتمعنا.
ومن أجل أن نسلم الجيل القادم عالمًا ملائمًا يمكنهم العيش فيه بيسر وسلام، من الضروري تحقيق التوزيع العادل للموارد، والوقاية من النفايات في جميع أنحاء العالم، واللجوء إلى حلول تولي الأهمية للإنسان. ومما لا شك فيه أن المستقبل القريب سيتشكل وفقًا لكيفية إدارة هذه العملية.
https://www.sasapost.com/opinion/biofuels/